اندكس ن فتح الباري

الرابط

 https://drive.google.com/file/d/1oQ6F4ip_x4FPYXEL9by5sq_at0QyoUMM/view?usp=sharing

اندكس / جاهز للالصاق بأي موفع

الاثنين، 26 سبتمبر 2022

ج3.وج4.كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر

 ج3.وج4.كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر

 

ج3.وج4.كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر

اولا: ج3.كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر

المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي

أقول قد عرفت من العبارات الواردة في هذا النوع ما أراد الحاكم بمذاهب المحدثين هنا وقد سئل بعض البارعين في علم الأثر عن مذاهب المحدثين مرادا بذلك المعنى المشهور عند الجمهور فأجاب عما سئل عنه بجواب يوضح حقيقة الحال وغن كان فيه نوع إجمال وقد أحبننا إيراده هنا مع اختصار ما
قال أما البخاري وأبو داود فإمامان في الفقه وكانا من أهل الاجتهاد
وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق بل يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأمثالهم وهم إلى مذاهب أهل الحجاز أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق
وأما أبو داود الطيالسي فأقدم من هؤلاء كلهم من طبقة يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون الواسطي وعبد الرحمن بن مهدي وأمثال هؤلاء من طبقة شيوخ الإمام أحمد وهؤلاء كلهم لا يألون جهدا في اتباع السنة غير أن منهم من يميل إلى مذهب العراقيين كوكيع ويحيى بن سعيد ومنهم من يميل إلى مذهب المدنيين كعبد الرحمن بن مهدي
وأما الدارقطني فإنه كان يميل إلى مذهب الشافعي إلا أنه له اجتهاد وكان من أئمة السنة والحديث ولم يكن حاله كحال أحد من كبار المحدثين ممن جاء على أثره فالتزم التقليد في عامة الأقوال إلا في قليل منها مما يعد ويحصر فإن الدارقطني كان أقوى في الاجتهاد منه وكان أفقه وأعلم منه

ذكر النوع الثالث والثلاثين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم مذاكرة الحديث والتمييز بها والمعرفة عند المذاكرة بين الصدوق وغيره فإن المجازف في المذاكرة يجازف في التحديث
ولقد كتبت على جماعة من أصحابنا في المذاكرة أحاديث لم يخرجوا من عهدتها قط وهي مثبتة عندي وكذلك أخبرني أبو علي الحافظ وغيره من مشايخنا أنهم حفظوا على قوم في المذاكرة ما احتجوا بلك على جرحهم ونسأل الله حسن العواقب والسلامة مما نحن فيه بمنة الله وطوله
سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري قال حدثنا أبو يحيى الحماني عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال تذاكروا الحديث فإن الحديث يهيج الحديث
أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن القاضي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال حدثنا وكيع قال حدثنا كهمس عن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن علي بن أبي طالب قال تزاوروا وأكثروا ذكر الحديث فإنكم إن لم تفعلوا يندرس الحديث وعن أبي الأحوص عن عبد الله قال تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته

ذكر النوع الرابع والثلاثين من علوم الحديث

هذا النوع منه معرفة التصحيفات في المتون فقد زلق فيه جماعة من أئمة الحديث سمعت أحمد بن يحيى الذهلي يقول سمعت محمد بن عبد القدوس يقول قصدنا شيخا لنسمع منه وكان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ادهنوا غبا فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذهبوا عنا

وأورد الحاكم أمثلة لهذا النوع ونقل أن شيخا أجلس للتحديث فحدث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يا أبا عمير ما فعل البعير وأنه قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس يريد أنه صحف النغير بالبعير وصحف الجرس بالخرس
قال في النهاية وفي الحديث أنه عليه الصلاة و السلام قال لأبي عمير أخي أنس يا أبا عمير ما فعل النغير النغير تصغير النغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار وقال وفي الحديث لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس الجرس هو الجلجل الذي يعلق على الدواب قيل إنما كرهه لأنه يدل على أصحابه بصوته وكان عليه الصلاة و السلام يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة وقيل غير ذلك
قال أبو عبد الله الحاكم سمعت أبا منصور بن أبي محمد الفقيه يقول كنت بعدن اليمن يوما وأعرابي يذاكرنا فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى نصب بين يديه شاة فأنكرت ذلك عليه فجاء بجزء فيه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى نصب بين يديه عنزة فقلت أخطأت إنما هو عنزة أي عصا
قال أبو عبد الله قد ذكرت مثالا يستدل به على تصحيفات كثيرة المتون صحفها قوم لم يكن الحديث بيشقهم نسخة حرفتهم كما قال عبد الله بن المبارك

ذكر النوع الخامس والثلاثين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة تصحيفات الحدثين في الأسانيد سمعت أحمد بن يحيى الذهلي يقول سمعت محمد بن عبدوس يقول

سمعت بعض مشايخنا يقول قرأ علينا شيخ بغداد عن شقبان الثوري عن جلد الجداء عن الجسر
وذكر أمثل كثيرة هذا أغربها فإن الأصل عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن الحسن وكأن خالدا كان مكتوبا بغير ألف على طريقة بعض الكتاب في حذفها في مثله
ثم قال الحاكم وقد جعلت هذه الأحاديث التي ذكرتها مثالا لتصحيفات كثيرة أحث به المتعلم على معرفة أسامي رواة الحديث ا هـ
وقد جعل ابن الصلاح هذا النوع والذي قبله نوعا واحدا غير أنه قسمه إلى قسمين وقد أحببت إيراد كلامه ها هنا على طريق الاختصار
قال النوع الخامس والثلاثين معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم وله فيه تصنيف مفيد وروينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال ومن يعرى من الخطأ والتصحيف
فمثال التصحيف في الإسناد حديث شعبة عن العوام بن مراجم عن أبي عثمان النهدي عن عثمان بن عفان لتؤدن الحقوق إلى أهلها صحف فيه يحيى بن معين فقال مزاحم بالزاي والحاء فرد عليه وإنما هو ابن مراجم بالراء المهملة والجيم
ومثال التصحيف في المتن ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجم في المسجد وإنما هو بالراء احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها فصحفه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتاب بغير سماع ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له

وبلغنا عن الدارقطني أن محمد بن المثنى أبا موسى العنزي قال لهم يوما نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه و سلم إلينا يريد ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى إلى عنزة توهم أنه صلى إلى قبلتهم وغنما العنزة ها هنا حربة نصبت بين يديه فصلى إليها
وأظرف من هذا ما رويناه عن الحاكم أبي عبد الله عن أعرابي زعم أنه عليه الصلاة و السلام كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة أي صحفها من عنزة بإسكان النون وعن الدارقطني أيضا أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي أيوب من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فقال فيه شيئا بالشن والياء
فقد انقسم التصحيف إلى قسمين أحدهما في المتن والثاني في الإسناد
وينقسم قسمة أخرى إلى قسمين أحدهما تصحيف البصر كما سبق عن ابن لهيعة وذلك هو الأكثر والثاني تصحيف السمع نحو حديث لعاصم الأحول رواه بعضهم فقال عن واصل الأحدب فذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر كأنه ذهب والله أعلم إلى أن ذلك لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه
وينقسم قسمة ثالثة إلى تصحيف اللفظ وهو الأكثر وإلى تصحيف المعنى دون اللفظ كمثل ما سبق عن محمد بن المثنى في الصلاة إلى عنزة
وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفا مجاز وكثير من تصحيف المنقول عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه ونسأل الله التوفيق والعصمة

ذكر النوع السادس والثلاثين من علوم الحديث

هذا النوع من هذا العلم معرفة الإخوة والأخوات من الصحابة والتابعين وأتباعهم وإلى عصرنا هذا وهو علم برأسه عزيز

وقد صنف أبو العباس السراج فيه كتابا لكني أجتهد أن أذكر في هذا الموضع بعد الصدر الأول والثاني ما يستفاد فنبدأ بقوم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وسمع أولادهم منه إلا الذي له ولد واحد
العباس بن عبد المطلب والفضل وعبد الله
وأبو سلمة بن عبد الأسد
وعمر بن أبي سلمة وزينب بنت أبي سلمة
وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وسعيد بن سعد
الجنس الثاني من الصحابة علي وجعفر وعقيل وهذا الجنس يكثر
ومن الأخوة في التابعين محمد بن علي الباقر وعبد الله بن علي وزيد بن علي وعمر بن علي
إخوة تابعيون سالم وعبد الله وحمزة وعبيد الله وزيد وواقد وعبد الرحمن ولد عبد الله بن عمر كلهم تابعيون
أبان وعمرو وسعيد ولد عثمان كلهم تابعيون
عبد الله ومصعب وعروة ولد الزبير تابعيون
كثير وتمام وقثم ولد العباس تابعيون
محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ولد سيرين تابعيون
وفي التابعين جماعة من المشهورين أخوان محمد وعبد الله ابنا مسلم بن شهاب الزهري
وهب وهما ابنا منبه
علقمة وعبد الجبار ابنا وائل بن حجر

قال أبو عبد الله فهذا الذي ذكرته من الصحابة والتابعين مثال لجماعة لم أذكرهم
ومن أتباع التابعين سمعت أحمد بن العباس المقري غير مرة يقول سمعت أحمد بن موسى بن مجاهد أبو سفيان بن العلاء وأبو حفص بن العلاء ومعاذ بن العلاء وسنبس بن العلاء بن الريان إخوة
وسمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول عبد الملك بن أعين وحمران بن أعين إخوة
قال أبو عبد الله ومما يستفاد في الأخوين عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن قسيط ويزيد بن يزيد بن عبد الله بن قسيط قد روى الواقدي عنهما
قال أبو عبد الله قد ذكرت من الإخوة في بلدان المسلمين بعض ما يستفاد وفيه ما يستغرب ويعز وجوده في كتب المتقدمين فإني أخذت أكثره لفظا عن أئمة الحديث في بلدي وأسفاري وانا أذكر بمشيئة الله ما لا أحسبه ذكره غيري من افخوة في علماء نيسابور

ذكر الإخوة علماء نيسابور على غير ترتيب

حفص بن عبد الرحمن وعبد الله بن عبد الرحمن ومت بن عبد الرحمن وقد حدثوا وأفتوا وأقرؤا
يحيى بن صبيح وعبد الله بن صبيح حدث عنهما أتباع التابعين وخطتهما عندنا مشهورة
بشر بن القاسم ومبشر بن القاسم حدثا عن أتباع التابعين ولبشر رحلة إلى مصر وسماع بن ابن لهيعة وإلى المدينة وسماع من مالك وغيره
أحمد بن حرب العابد وزكريا بن حرب والحسين أفقههم وزكريا أيسرهم وخطتهم التي فيها أعقابهم مشهورة

أحمد ومحمد ابنا النضر بن عبد الوهاب روى عنهما محمد بن إسماعيل البخاري ومحمد أبو العباس السراج محدث بلدنا وقد حدث عن أخويه وحدثا عنه

ذكر النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة جماعة من الصحابة والتابعين ليس لكل واحد منهم إلا راو واحد دكين بن سعيد المزني صحابي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم
وكذلك الصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمي وأبو سهم وأبو حازم والد قيس كلهم صحابيون لا نعلم لهم راويا غير قيس بن أبي حازم
حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت الحسن يحدث عن صعصعة عم الفرزدق أنه قدم على النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ عليه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) فقال يا رسول الله حسبي لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غير هذا
وكذلك عمرو بن تغلب وسعد مولى أبي بكر الصديق وأحمر كلهم صحابيون لم يرو عنهم غير الحسن
فهذا مثال لجماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد

وفي الصحابة جماعة لم يرو عنهم إلا أولادهم
منهم المسيب بن حزن القرشي لم يرو عه غير سعيد
ومالك بن نضلة الجشمي لم يرو عنه غير ابنه عوف أبي الأحوص
وسعد بن تميم السكوني لم يرو عنه إلا ابنه بلال بن سعد وفيهم كثرة فجعلت ما ذكرته مثالا لمن لم أذكره
وفي التابعين جماعة ليس لهم إلا الراوي الواحد
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني محمد بن أبي سفيان بن جارية الثقفي أن يوسف بن الحكم أبا الحجاج أخبره أن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من يرد هوان قريش أهانه الله
قال أبو عبد الله لا نعلم لمحمد بن أبي سفيان وعمر بن أبي سفيان بن جارية الثقفي راويا غير الزهري
وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين رجلا من التابعين لم يرو عنهم غيره وذكرهم في هذا الموضع يكثر
وكذلك عمرو بن دينار قد تفرد بالرواية عن جماعة من التابعين

وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة وغيرهم

وقد تفرد مالك بن أنس بالرواية عن مسور بن رفاعة وعن زهاء عشرة من شيوخ المدينة فلم يحدث عن عبد الله بن شداد وعن بضعة عشر شيخا
وقد تفرد شعبة بالرواية عن المفضل بن فضالة عن زهاء ثلاثين شيخا من شيوخه فلم يحدث عنهم غيره
وكذلك كل إمام من أئمة الحديث قد تفرد بالرواية عن شيوخ لم يرو عنهم غيره ا هـ
واعلم أنه قد يوجد في بعض من يذكر تفرد راو بالرواية عنه خلاف في تفرده فلا ينبغي المبادرة إلى الحكم بذلك قبل التتبع الشديد ولذلك قال ابن الصلاح بعد أن نقل عن الحاكم شيئا مما ذكرناه آنفا وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض ما ذكه بالمنزلة التي جعله فيها معتمدا على الحسبان والتوهم وعلى كل حال فهذا من المواضع التي يستكبر فيها الصواب ويستصغر فيها الخطأ

ذكر النوع الثامن والثلاثين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة قبائل الرواة من الصحابة والتابعين وأتباعهم ثم إلى عصرنا هذا
أذكر كل من له نسب في العرب مشهور حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب

قال حدثنا الربيع بن سليمان وسعيد بن عثمان التنوخي قالا حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله اصطفى بني كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم
قال أبو عبد الله وأنا أذكر في هذا الموضع أحاديث أرويها عن شيوخي فأذكر كل من يرجع من رواتها إلى قبيلة في العرب من الصحابي إلى وقتنا هذا ليستدل بذلك على كيفية معرفة هذا النوع من العلم
أخبرنا عبدان بن يزيد الدقاق بهمذان قال حدثنا محمد بن صالح الأشج قال حدثنا محمد بن إسحاق اللؤلؤي قال حدثنا بقية بن الوليد قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن عطية بن قيس عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اخبر تقله
قال أبو عبد الله أبو الدرداء أنصاري وعطية بن قيس كلابي وأبو بكر هو ابن عبد الله بن أبي مريم غساني وبقية بن الوليد يحصبي والباقون من العجم
وحدثنا أبو العباس قال حدثنا أبو عتبة قال حدثنا محمد بن حمير قال حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة وعمرو بن قيس والزبيدي عن الزهر عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد سجدتي السهو قبل السلام
قال أبو عبد الله عبد الله بن مالك بن بحينة أنصاري وعبد الرحمن الأعرج من موالي قريش والزهري قرشي والزبيدي قرشي وعمرو بن قيس سكوني

ومحمد بن حمير يحصبي وأبو عتبة وأبو عتبة قرشي وأبو العباس أموي والباقون موالي
وقد مثلت بهذه الأحاديث التي ذكرتها مثالا لمعرفة القبائل وهذا الجنس الأول منه
والجنس الثاني منه معرفة نسخ للعرب وقعت إلى العجم فصاروا رواتها وتفردوا بها حتى لا يقع إلى العرب في بلادهم منها إلا اليسير
ومثال ذلك نسخة لعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن الخباب عن أبي سعيد الخدري تفرد بها عبد الله بن الجراح القهستاني عن القاسم بن عبد الله بن عمر عن عمه عبيد الله
نسخة لمحمد بن زياد القرشي ينفرد بها إبراهيم بن طهمان الخراساني عنه
نسخة لعبد الله بن بريدة الأسلمي ينفرد بها الحسين بن واقد المروزي عنه
نسخ للثوري وغيره من مشايخ العرب ينفرد بها الهياج بن بسطام الهروي عنهم
نسخ كثيرة للعرب ينفرد بها خارجة بن مصعب السرخسي عنهم
نسخ للعرب ينفرد بها أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي عنهم
نسخ للثوري وغيره ينفرد بها أبو مهران بن أبي عمر الرازي عنهم
نسخ للثوري وغيره ينفرد بها نوح بن ميمون المروزي عنهم
نسخة لبهز بن حكيم القشيري ينفرد بها مكي بن إبراهيم البلخي عنه
نسح للعرب ينفرد بها عمرو بن قيس الرازي عنهم
نسخ لمالك بن أنس الأصبحي وسفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج العتكي وعبد الله بن عمر العمري ينفرد بها الحسين بن الوليد النيسابوري عنهم

قال أبو عبد الله هذا الذي ذكرته مثال للجنس الثاني من معرفة القبائل
الجنس الثالث من هذا النوع معرفة شعوب القبائل قال الله عز و جل ( وجعلناكم شعوبا وقبائل )
قال أبو عبد الله وليعلم طالب هذا العلم أن كل مضري عربي فإن مضر شعبة من العرب وأن كل قرشي مضري فإن قريشا شعبة من مضر وأن كل هاشمي قرشي فإن هاشما شعبة من قريش وان كل علوي هاشمي فمن عرف ما ذكرته في قبيلة المصطفى صلى الله عليه و سلم جعله مثالا لسائر القبائل فيعلم أن المطلبي قرشي وأن العبشمي قرشي وأن التميمي قرشي وأن العدوي قرشي وأن الأموي قرشي الأصل قرييش وهذه شعب
وكذلك النهشليون تميميون والدارميون تميميون والسعديون تميميون والسليطيون تميميون والأهتميون تميميون
وكذلك الخزرجيون أنصاريون والنجاريون أنصاريون والحارثيون أنصاريون والساعديون أنصاريون والسلميون أنصاريون والأوسيون أنصاريون وقال صلى الله عليه و سلم وفي كل دور الأنصار خير
فهذا مثال لمعرفة الشعب من القبائل
الجنس الرابع من هذا النوع معرفة شعب مؤتلفة في اللفظ مختلفة في قبيلتين ومثال ذلك أن أبا يعلى منذرا الثوري التابعي من ثور همدان وأن سعيد بن مسروق الثوري من ثور تميم
محمد بن يحيى بن حبان المازني من مازن بن النجار سلمة بن عمرو المازني من رهط مازن بن الغضوبة

عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي من أسلم خزاعة عطاء بن أبي مروان الأسلمي من أسلم بني جمح
الجنس الخامس من هذا النوع قوم من المحدثين عرفوا بقبائل أخوالهم وأكثرهم من صميم العرب صليبة فغلبت عليهم قبائل الأخوال مثال هذا الجنس
عيسى بن حفص الأنصاري هكذا يقول القعنبي وغيره وهو عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كانت أمه ميمونة بنت داود الخزرجية فربما يعرف بقبيلة أخواله
يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة المخزومي جده أبو قتادة الحارث بن ربعي من كبار الأنصار غلب عليه قبيلة أخواله فإن أمه حديدة بنت نضيلة المخزومية
وشيخ بلدنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي عرف بقبيلة سليم وهو أزدي صليب وسألت الشيخ الصالح أبا عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي عن السبب فيه فقال كانت امرأته أزدية فعرف بذلك

ذكر النوع التاسع والثلاثين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة أنساب المحدثين من الصحابة وإلى عصرنا هذا وهو نوع كبير من هذه العلوم إلا أن أئمتنا قد كفونا شرحه والكلام فيه
السائب بن العوام أخو الزبير يجمعه ورسول الله قصي وهو السائب بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
وحكيم بن حزام يلقي رسول الله صلى الله عليه و سلم عند قصي
وممن يجمعهم ورسول الله هذا النسب من التابعين بعد الأشراف من العلوية أولاد العشرة من الصحابة

أخبرنا أحمد بن سليمان الموصلي قال حدثنا علي بن حرب الموصلي قال حدثنا سفيان عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين ومن قتل دون ماله فهو شهيد
هؤلاء كلهم من الزهري قرشيون ذكر النوع الأربعين من معرفة علوم الحديث
هذا النوع من هذه العلوم معرفة أسامي المحدثين وقد كفانا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري هذا النوع فشفى بتصنيفه فيه وبين ولخص غير أني لم أستجز إخلاء هذا الموضع من هذا الأصل إذ هو نوع كبير من هذا العلم
وقد تهاون بعضهم بمعرفة الأسامي فوقعت له أوهام فمن ذلك أن بعضهم ظن أن عبد الله بن شداد هو غير أبي الوليد فقال في حديث يرويه عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر وعبد الله بن شداد هو بنفسه أبو الوليد وعبد الله بن شداد أصله مديني وكنيته أبو الوليد روى عنه أهل الكوفة وكان مع علي يوم النهروان وقد لقي عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر
فهذا جنس من معرفة الأسامي ربما تعذر على جماعة من أهل العلم معرفته
والجنس الثاني منه معرفة أسامي المحدثين منفردة لا يوجد في رواة الحدث بالاسم الواحد منها إلا الواحد مثال ذلك في الصحابة
أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب قال حدثني جدي قال حدثنا ابن أبي مريم قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب

قال أخبرني أبو الحصين الأشعري عن أبي ريحانة واسمه شمعون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المشاغبة
قال أبو عبد الله هذا حديث غريب الإسناد والمتن وليس في رواة الحديث شكل غيره
وكذلك النواس بن سمعان ليس في رواة الحديث غيره وهو من أكابر الصحابة
وفي التابعين من هذا الجنس جماعة منهم زر بن حبيش والمعرور بن سويد وحضين بن المنذر بالضاد المعجمة وفي أتباع التابعين والطبقة التي تليهم جماعة من الرواة ليس لأحد منهم سمي

ذكر النوع الحادي والأربعين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة الكنى للصحابة والتابعين وأتباعهم وإلى عصرنا هذا وقد صنف المحدثون فيه كتبا كثيرة وربما يشذ عنهم الشيء بعد الشيء وأنا ذاكر بمشيئة الله هنا ما يستفاد
أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمه هلال بن الحارث وكان يكون بحمص قال يحيى بن معين رأيت غلاما من ولده بها
أبو طالب اسمه عبد مناف هكذا ذكره أحمد بن حنبل عن الشافعي وأكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته وأكابر الصحابة كناهم مشهورة مخرجة في الكتب وهذه كنى جماعة من التابعين أخرجتها من سماعاتي
قال علي بن المديني قلت لأبي عبيدة معمر بن المثنى من اول من قضى

بالبصرة قال أبو مريم الحنفي استقضاه أبو موسى الأشعري قال علي واسمه إياس بن صبيح
سمعت محمد بن يعقوب يقول سمعت العباس بن محمد يقول سمعت يحيى بن معين يقول اسم أبي السليل ضريب بن نقير
أخبرنا محمد بن المؤمل قال حدثنا الفضل بن محمد قال حدثنا أحمد بن حنبل قال أبو سالم الجيشاني سيان بن هانئ
وهذه كنى جماعة من أتباع التابعين أخرجتها من سماعاتي إسماعيل بن كثير المكي كنيته أبو هاشم يحيى بن أبي كثير أبو نصر واسم أبي كثير نشيط صفوان بن سليم أبو عبد الله

ذكر النوع الثاني والأربعين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع من معرفة هذه العلوم معرفة بلدان رواة الحديث وأوطانهم وهو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه فأول من يلزمنا من ذلك أن نذكر تفرق الصحابة من المدينة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وانجلاءهم عنها ووقوعهم إلى نواح متفرقة وصبر جماعة من الصحابة بالمدينة لما حثهم المصطفى صلى الله عليه و سلم على المقام بها

ذكر من سكن الكوفة من الصحابة

علي بن أبي طالب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عبد الله بن مسعود خباب بن الأرت سهل بن حنيف سلمان الفارسي حذيفة بن اليمان البراء بن عازب النعمان بن بشير جرير بن عبد الله البجلي عدي بن حاتم الطائي سليمان بن صرد وائل بن حجر سمرة بن جندب خزيمة بن ثابت أبو الطفيل وغيرهم وهؤلاء أكثرهم دفنوا في الكوفة

ذكر من نزل مكة من الصحابة

الحارث بن هشام عكرمة بن أبي جهل عبد الله بن السائب المخزومي قارئ الصحابة بمكة عتاب بن أسيد وشيبة بن عثمان الحجبي وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وغيرهم

ذكر من نزل البصرة من الصحابة

عمران بن حصين أبو بزرة الأسلمي أبو زيد الأنصاري أنس بن مالك وتوفي وهو ابن مئة وسبع سنين وقرة بن إياس المزني وغيرهم

ذكر من نزل مصر من الصحابة

عقبة بن عامر الجهني عمرو بن العاص عبد الله بن عمرو عبد الله بن سعد بن أبي سرح محمية بن جزء عبد الله بن الحارث بن جزء وغيرهم

ذكر من نزل الشام من الصحابة

أبو عبيدة بن الجراح بلال بن رباح عبادة بن الصامت معاذ بن جبل سعد بن عبادة أبو الدرداء شرحبيل بن حسنة خالد بن الوليد عياض بن غنم الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو مدفون بالأردن واثلة بن الأسقع وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس وغيرهم

ذكر من نزل الجزيرة

عدي بن عميرة الكندي ووابصة بن معبد الأسدي وغيرهما

ذكر من نزل خراسان من الصحابة وتوفي بها

بريدة بن حصيب الأسلمي مدفون بمرو أبو برزة الأسلمي عبد الله بن خازم الأسلمي مدفون بنيسابور برستاق جوين

قثم بن العباس مدفون بسمرقند
قال أبو عبد الله وأما مدينة السلامة فإني لا أعلم صحابيا توفي بها إلا أن جماعة من التابعين وأتباع التابعين نزلوها وماتوا بها منهم هشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق بن يسار وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ولم أستجز إخلاء هذا الموضع من ذكر مدين السلام وشيبان بن عبد الرحمن تعصبا لها إذ هي مدينة العلم وموسم العلماء والأفاضل عمرها الله
فأما ذكر التابعين وأتباعهم فإنه يكثر لكني أذكر الجنس الثاني من معرفة أوطان رواة الأخبار بأحاديث أرويها وأذكر مواطن رواتها لتكون مثالا لسائر الروايات
أخبرنا إبراهيم بن عصمة العدل قال حدثنا أبي قال حدثنا عبدان عبد الله بن عثمان قال حدثنا أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
قال أبو عبد الله جابر بن عبد الله من أهل قباء مدني وأبو الزبير مكي وإبراهيم الصائغ وأبو حمزة وعبدان مروزيون وشيخنا وأبوه نيسابوريان فعلى الحافظ إذا أخذ الحديث أن يذكر أوطان رواته
ومن دقيق هذا العلم معرفة قوم من المحدثين تغربوا عن أوطانهم إلى بلاد شاسعة وطال مكثهم به فنسبوا إليها ومنهم الربيع بن أنس بصري من التابعين سكن مرو فنسب إليها وقد ذكره المراوزة في تواريخهم وعيسى بن ماهان أبو جعفر الرازي كوفي نزل الري ومات بها فنسب إليها ويوسف بن عدي كوفي

ورواياته كلها عن الكوفيين سكن مصر فغلب عليه الاشتهار بأهلها وليس له عنهم سماع وهذا مثال يكثر وبالقليل منه يستدل على كثيره من رزق الفهم

ذكر النوع الثالث والأربعين من علوم الحديث

هذا النوع من معرفة هذه العلوم معرفة الموالي وأولاد الموالي من رواة الحديث في الصحابة والتابعين وأتباعهم فقد قدمنا ذكر القبائل وهذا ضد ذلك النوع
ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم
فمنهم شقران كان حبشيا لعبد الرحمن بن عوف فوهبه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه وكان ممن شهد دفن النبي صلى الله عليه و سلم وألقى في قبره قطيفة والحديث به مشهور
ومنهم ثوبان وكان من سبي اليمن فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم وله حديث كثير
ومنهم رويفع وكان من سبي خيبر
ومنهم زيد بن حارثة من سبي العرب من كلب من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه فقيل زيد ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلت ( ادعوهم لآبائهم ) وكانت امرأته أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فولدت له أسامة بن زيد وأنسة
أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني بإسناده عن ابن شهاب قال في ذكر من شهد بدرا أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل اسمه إبراهيم زوجه

رسول الله صلى الله عليه و سلم مولاته سلمى فولدت له عبيد الله بن أبي رافع كاتتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم مويهبة وله رواية وضمرة وقد أعقب ومهران وله حديث وسفينة وسلمان
حدثنا الحسن بن يعقوب قال حدثنا يحيى بن أبي طالب عن علي بن عاصم بإسناده ذكر أن سلمان كان عبدا فلما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدين أتاه فأسلم فاتباعه النبي صلى الله عليه و سلم وأعتقه
وقد كان في التابعين وأتباعهم كثير من الأئمة وكانوا يعدون في الموالي
أخبرنا أبو العباس السياري قال حدثنا عيسى بن محمد بن عيسى قال حدثنا العباس بن مصعب قال خرج من مرو أربعة من أولاد العبيد ما منهم أحد إلا وهو إمام عصره عبد الله بن المبارك ومبارك عبد وإبراهيم بن ميمون الصائغ وميمون عبد والحسين بن واقد وواقد عبد وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري وميمون عبد
ذكر جماعة منهم رفيع أبو العالية الرياحي كان عبدا لامرأة من بني رياح فأعتقته وهو من كبار التابعين يسار أبو الحسن البصري كان عبدا للربيع بنت النضر عمه أنس بن مالك فأعتقته وأم الحسن خيرة ملاة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أيوب بن كيسان السختياني وكيسان مولى لعنزة فعلى المحدث أن يعرف الموالي من رواة حديثه

ذكر النوع الرابع والأربعين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة أعمار المحدثين من ولادتهم إلى وقت وفاتهم
وقد اختلفت الروايات في سن سيدنا المصطفى صلى الله عليه و سلم ولم يختلفوا أنه ولد عام الفيل وأنه بعث وهو ابن أربعين سنة وأنه أقام بالمدينة عشرا

وإنما اختلفوا في مقامه بمكة بعد المبعث فقالوا عشرا وقالوا اثنتي عشرة وقالوا ثلاث عشرة وقالوا خمسة عشرة فهذه نكتة الخلاف في سنه صلى الله عليه و سلم
ثم ذكر وفيات كثير من الرواة طبقة بعد طبقة وقال في آخر هذا النوع قد ذكرت طرفا من هذا النوع يعز وجوده وفيه إن شاء الله كفاية وتركت مشايخ بلدي فإنه مخرج في تاريخ النيسابوريين

ذكر النوع الخامس والأربعين من علوم الحديث

هذا النوع نه معرفة ألقاب المحدثين فإن فيهم جماعة لا يعرفون إلا بها ثم منهم جماعة غلبت عليهم الألقاب وأظهروا الكراهية لها فكان سفيان الثوري إذا روى عن مسلم البطين يجمع يديه ويقول مسلم ولا يقول البطين
قال أبو عبد الله وفي الصحاية جماعة يعرفون بألقاب يطول ذكرهم فمنهم ذو اليدين وذو الشمالين وذو العزة وذو الأصابع وغيرهم وهذه كلها ألقاب ولهؤلاء الصحابة أسام معروفة عند أهل العلم ثم بعد الصحابة في التابعين وأتباعهم من أئمة المسلمين جماعة ذوو ألقاب يعرفون بها
وقال الحاكم في آخر هذا النوع قد ذكرت في ألقاب المتأخرين بعض ما رويته عن شيوخي فأما الألقاب التي تعرف بها الرواة فأكثر من أن يمكن ذكرها في هذا الموضع وأصحاب التواريخ من أئمتنا رضي الله عنهم قد ذكروها فأغنى ذلك عن ذكرها في هذا الموضع

ذكر النوع السادس والأربعين من علوم الحديث

هذا النوع منه معرفة رواية الأقران من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين بعضهم عن بعض

الجنس الول منه الذي سماه بعض مشايخنا المدبج وهو ان يروي قرين عن قريبه ثم يروي ذلك القرين عنه
والجنس الثاني منه غير المدبج ومثاله ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زاتئدة عن زهي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دعا ثلاثا
قال أبو عبد الله زائدة بن قدامة وزهير بن معاوية قرينان إلا أني لا أحفظ لزهير عنه راوية

ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع منه معرفة المتشابه في قبائل الرواة وبلدانهم وأساميهم وكناهم وصنائعهم وقوم يروي عنهم إمام واحد فتشبه كناهم وأساميهم لأنها واحدة وقوم تتفق أساميهم وأسامي آبائهم فلا يقع التمييز بينهم إلا بعد المعرفة وهي سبعة أجناس قلما يقف عليها إلا المتبحر في الصنعة فإنها أجناس متفقة في الخط مختلفة في المعاني ومن لم يأخذ هذا العلم من أفواه الحفاظ المبرزين لم يؤمن عليه التصحيف فيها وأنا بمشيئة الله تعالى أستقصي في هذا النوع وأدع ذكر الاستشهاد بالأسانيد تحريا للاختصار
فالجنس الأول من هذه الأجناس معرفة المتشابه في القبائل فمن ذلك القيسيون والعيشيون والعنسيون والعبسيون
فالقيسيون بطن من تميم وهم رهط قيس بن عاصم المنقري وكل قبيلة من

قبائل العرب فيهم زعيم مشهور اسمه قيس ولعقب المسمى قيسا يقال قيسي
والعيشيون بصريون منهم عبد الرحمن بن المبارك وغيره
والعنسيون شاميون منهم عمير بن هانئ وهو تابعي وبلال بن سعد الزاهد وغيره من تابعي أهل الشام
والعبسيون كوفيون منهم عبيد الله بن موسى وغيره
الأزديون والأردنيون
فأما الأزديون فمنهم حماد بن زيد وجرير بن حازم وغيرهما
والأردنيون شاميون وفيهم كثرة
الساميون والشاميون فأما الساميون فولد سامة بن لؤي فيهم صحابيون تابعيون
فأما الشاميون فكثير
الجنس الثاني من هذا النوع معرفة المتشابه في البلدان
البلخي والثلجي البلخيون فيهم كثرة ومنهم جماعة من أتباع التابعين منهم سعدان بن سعيد وغيره ومنهم شقيق بن إبراهيم الزاهد الذي يضرب به المثل في الزهد ومنهم الحسن بن شجاع وكان أحمد بن حنبل يقول ما جاءنا من خراسان أحفظ من الحسن بن شجاع وقد روى عنه البخاري في الصحيح
واما أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي فإنه كثير الحديث كثير التصنيف رأيت عند أبي محمد بن أحمد بن موسى القمي خازن السلطان عن أبيه عن محمد بن شجاع كتاب المناسك في نيف وستين جزءا كبارا دقاقا
الجنس الثالث من هذا النوع المتشابه في الأسامي
شريح وسريج وشريج

شريح بن الحارث القاضي أبو أمية الكندي سمع علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود توفي سنة ثمان وسبعين وهو ابن مئة وسبع وعشرين سنة
سريج بن النعمان الجوهري سمع زهير بن معاوية وفليح بن سليمان روى عنه أحمد بن حنبل
شريح بن حيان روى عنه كعب بن سعيد البخاري الزاهد
عقيل وعقيل
عقيل بن أبي طالب وغيره وعقيل بن خالد الأيلي وغيره
أسيد وأسيد وأسيد أسيد بن صفوان روى عن علي بن أبي طالب قال عبد لاملك بن عمير وقد كان أسيد بن صفوان أدرك النبي صلى الله عليه و سلم
أسيد بن حضير صاحب رسول الله وغيره من المحدثين أسيد بضم الألف وتشديد الياء أسيد بن عمرو بن يثربي الأسيدي
الجنس الرابع من هذا النوع المتشابه في كنى الرواة
أبو إياس وأبو أناس
أبو إياس معاوية بن قرة المزني تابعي في آخرين
وأبو أناس جوية الأسدي من القراء روى عنه نعيم بن يحيى السعيدي أبو نضرة وأبو بصرة

أبو نضرة المنذر بن مالك تابعي راويه أبي سعيد الخدري
وأبو بصرة حميل بن بصرة صحابي
فأما أبو معبد فجماعة منهم صاحب عبد الله بن عباس
وأبو معيد حفص بن غيلان الدمشقي
الجنس الخامس من هذا النوع المتشابه في صناعات الرواة
الجزار والخراز والخزاز والجرار
أما الجزارون فمنهم شيخنا عبد الرحمن بن حمدان الهمذاني سمع المسند من إبراهيم بن نصر الراوي والمسند من هلال بن العلاء الرقي
فأما الخراز فعبد الله بن عون شيخ كبير من أهل العراق وأما أبو عثمان سعيد بن عثمان الخراز فحدثونا عنه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره
وأما الخزازون بالزايين فمنهم أبو عامر صالح بن رستم البصري الخزاز سمع الحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن أبي مليكة
وأما الجرار بالراءين فأبو مسعود الجرار الكوفي عنده عن الشعبي وإبراهيم النخعي
والبقال والنقال
البقال أبو سعد بن المرزبان الكوفي تابعي

والنقال الحارث بن سريج من كبار المحدثين وعدداه في البغداديين وهو الذي حمل كتاب الرسالة من يد الشافعي إلى عبد الرحمن بن مهدي
الجنس السادس من هذا النوع قوم من رواة الأخبار يروي عنهم راو واحد فتشتبه الناس كناهم وأساميهم
مثال ذلك أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وأبو إسحاق إسماعيل بن رجاء الزبيدي وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري قد رووا كلهم عن عبد الله بن أوفى وقد روى عنهم الثوري وشعبة
وينبغي لصاحب الحديث أن يعرف الغالب على روايات كل منهم فيتميز حديث هذا من ذلك والسبيل إلى معرفته أن الثوري وشعبة إذا رويا عن أبي إسحاق السبيعي لا يزيدان على أبي إسحاق فقط والغالب على رواية أبي إسحاق عن الصحابة البراء بن عازب وزيد بن أرقم فإذا روى عن التابعين فإنه يروي عن جماعة تروي عن هؤلاء وإذا رويا عن أبي إسحاق الشيباني فإنهما يذكران الشيباني في أكثر الروايات فإذا لم يذكرا ذلك فالعلامة الصحيحة أن ما يرويان عن أبي إسحاق عن الشعبي هو أبو إسحاق الشيباني دون غيره
وأما الهجري فإن شعبة أكثرهما عنه رواية وأكثر رواة الهجري عن أبي الأحوص الجشمي والسبيعي أيضا كثير الرواية عن أبيب الأحوص فلا يقع التمييز في ذلك إلا بالحفظ والدراية فإن الفرق بين حديث هذا وذاك عن أبي الأحوص يطول شرحه
وأما الزبيدي فإنهما في أكثر الروايات يسميانه ولا يكنيانه إنما يقولان إسماعيل بن رجاء وأكثر روياته عن أبيه وإبراهيم النخعي
وقد روى شعبة عن أبي بشر وأبي بشر وقلما يسمى واحد منهما
وأحدهما أبو بشر بيان بن بشر الأحمسي كوفي تابعي والآخر أبو بشر جعفر بن أبي وحشية وأبو وحشية إياس وهو بصري

والحافظ المميز إذا وجد الحديث عن شعبة عن أبي بشر عن قيس بن أبي حازم أو الشعبي علم انه بيان بن بشر وإذا وجد الحديث عن أبي بشر عن سعيد بن جبير علم أنه جعفر بن أبي وحشية
النوع السابع من هذا النوع قوم تتفق أساميهم وأسامي آبائهم ثم الرواة عنهم من طبقة واحدة من المحدثين فيشتبه التمييز بينهم
ومثال ذلك ربيع بن سليمان وربيع بن سليمان مصريان في عصر واحد أحدهما المرادي صاحب الشافعي والثاني الجيزي أبو أبي عبيد الله محمد بن الربيع الجيزي وإسنادهما متقارب
سمعت الفقيه أبا بكر الأبهري يقول سمعت أبا بكر بن داود يقول لأبي علي النيسابوري الحافظ يا أبا علي إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم من هم فقال أبو علي إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلي عن إبراهيم النخعي فقال أحسنت يا أبا علي

ذكر النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم وسراياه وعوثه وكتبه إلى ملوك المشركين وما يصح من ذلك وما يشذ وما أبلى كل واحد من الصحابة في تلك الحروب بين يديه ومن ثبت ومن هرب ومن جبن عن القتال ومن كر ومن تدين بنصرته صلى الله عليه و سلم ومن نافق وكيف قسم الغنائم وكيف جعل سلب القتيل بين الاثنين والثلاثة وكيف أقام الحدود في الغلول وهذه أنواع من العلوم لا يستغني عنها عالم
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا عمرو بن محمد العنقري قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال كنت إلى جنب زيد بن أرقم في يوم فطر فقلت له كم غزوت مع النبي صلى الله

عليه وسلم قال سبع عشرة فقلت كم غزا النبي صلى الله عليه و سلم قال تسع عشرة
قال أبو عبد الله قد أخبر زيد عن أكثر الأحوال التي شهدها وقال جابر بن عبد الله غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى وعشرين غزوة
أخبرنا أبو عبد الله محمد بت علي الصنعاني بمكة قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهر قال غزا النبي صلى الله عليه و سلم أربع وعشرين غزوة
قال أبو عبد الله وقد ذكر جماعة من الأئمة أن أصح المغازي كتاب موسى بن عقبة عن ابن شهاب فأخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني قال حدثنا جدي قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال قال ابن شهاب غزا رسول الله بدرا والكدر ماء لبني سليم ثم غزا غطفان بنخل ثم غزا قريشا وبني سليم بنجران ثم غزا يوم أحد ثم طلب العدو بحمراء الأسد ثم غزا قريشا لموعدهم فأخافوه ثم غزا بني النضير ثم غزا تلقاء نجد يريد محاربا وبني ثعلبة ثم غزوة ذات الرقاع ثم غزوة دومة ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني المصطلق بالمريسيع ثم ذات السلاسل من مشارف الشام ثم غزوة القرد وغزوة الجموح تلقاء أرض بني سليم وغزوة حسمى وغزوة

الطرف وغزوة وادي القرى فهذه غزوات رسول الله بأصح الأسانيد
فأما سرايا رسول الله فكثيرة وقد أخبرنا محمد بن إبراهيم الهاشمي قال حدثنا الحسين بن محمد القباني قال حدثني أحمد بن الحجاج قال حدثنا معاذ بن فضالة أبو زيد قال حدثني هشام عن قتادة أن مغازي رسول الله وسراياه كانت ثلاثا وأربعين
قال أبو عبد الله هكذا كتبناه وأظنه أراد السرايا دون الغزوات فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله وسراياه زيادة على المئة وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين
قال أبو عبد الله وهذا الموضع لا يسع من ذكر هذا العلم أكثر مما ذكرته
وهذه آداب رسول الله صلى الله عليه و سلم في المغازي التي كان يوصي بها أمراء الأجناد
أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ببغداد قال حدثنا محمد بن العباس الكابلي قال حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال حدثنا ابن أبي زائدة عن عمرو بن قيس عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه
أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث سرية أوصاهم بتقوى الله في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين ثم يقول اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلو ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا فانيا
وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهم أجابوك إليها

فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم فإن هم أجابوك وإلا فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبو فادعهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم وإن أرادوك على أن تعطيهم ذمة الله فلا تعطهم ذمة الله ولكن أعطهم ذممكم وذمم آبائكم فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم أهون عليكم أن تخفروا ذمم الله ورسوله

ذكر النوع التاسع والأربعين من معرفة علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب
فمنهم من أهل المدينة
محمد بن مسلم الزهري محمد بن المنكدر القرشي ربيعة بن أبي ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي سعد بن إبراهيم الزهري عبد الله بن دينار العدوي مالك بن أنس الأصبحي زيد بن أسلم العدوي زيد بن علي بن الحسين الشهيد جعفر بن محمد الصادق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خارجة بن زيد بن ثابت
ومن أهل مكة

إبراهيم بن ميسرة إسماعيل بن أمية مجاهد بن جبر عمرو بن دينار عبد الملك بن جريج عبد الله بن كثير القارئ قيس بن سعد
ومن أهل مصر
عمرو بن الحارث كثير بن فرقد خالد بن مسافر مخرج في الصحيحين وكان أمير مصر حيوة بن شريح التجيبي
ومن أهل الشام
إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي مكول الفقيه أبو معيد حفص بن غيلان شرحبيل بن مسلم الخولاني أم الدرداء الأنصارية
ومن اهل اليمن
حجر بن قيس المدري الضحاك بن فيروز الديلمي وهب وهمام ومعقل وعمر بنو منبه جماعتهم ثقات ومعقل أعزهم حديثا همام بن نافع الصنعاني عبد الله بن طاوس
ومن أهل اليمامة
ضمضم بن جوس اليمامي هلال بن سراج الحنفي يحيى بن أبي كثير
ومن أهل الكوفة صعصعة بن صوحان العبدي كميل بن زياد النخعي عامر بن شراحيل الشعبي سعيد بن جبير الأسدي إبراهيم النخعي أبو إسحاق السبيعي مسلم بن أبي عمران البطين سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش الأسدي مالك بن مغول البجلي سفيان الثوري عمر بن سعيد الثوري أخوه علي بن صالح بن حي الحسن بن صالح بن حي

ومن أهل الجزيرة ميمون بن مهران عمرو بن ميمون بن مهران سابق بن عبد الله البربري رقي زيد بن أبي أنيسة غالب بت عبيد الله الجزري
ومن أهل البصرة
أيوب بن أبي تميمة السختياني معاوية بن قرة المزني إياس بن معاوية بن قرة أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار واخواه شعبة بن الحجاج قتادة بن دعامة السدوسي ميمون بن سياه
ومن اهل واسط
أبو هاشم يحيى بن دينار الرماني خلف بن حوشب طلاب بن حوشب يوسف بن حوشب أصبغ بن يزيد الوراق وكان يكتب المصاحف
ومن أهل خراسان
محمد بن زياد قاضي مرو وعنده عن سعيد بن جبير وغيره أبو حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان إبراهيم بن أدهم الزاهد من أهل بلخ عبد الرحمن بن مسلم أبو مسلم صاحب الدولة قتيبة بن مسلم اتلأمير نصر بن سيار الأمير إسحاق بن وهب البخاري تابعي

ذكر النوع الخمسين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم جمع الأبواب التي يجمعها أصحاب الحديث وطلب الفائت منها والمذاكرة بها فقد حدثني محمد بن يعقوب بن إسماعيل الحافظ قال حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال
وقف المأمون يوما للآذان ونحن وقوف بين يديه إذ تقدم إليه غريب بيده محبرة فقال يا أمير المؤمنين صاحب حديث منقطع به فقال المأمون أيش تحفظ في باب كذا فلم يذكر فيه شيئا فما زال المأمون يقول حدثنا هشيم وحدثنا

حجاج بن محمد وحدثنا فلان حتى ذكر الباب ثم سأله عن باب ثان فلم يذكر فيه شيئا فذكره المأمون ثم نظر إلى أصحابه فقال أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث أعطوه ثلاثة دراهم
قال عبد الله قد روينا عن جماعة من أئمة الحديث أنهم استحبوا أن يبدأ الحديثي بجمع بابين الأعمال بالنيات ونضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأنا ذاكر بمشيئة الله تعالى بعد البابين الأبواب التي جمعتها وذاكرت جماعة من أئمة الحديث ببعضها
فمن هذه الأبواب ما مدخلها في كتاب الإيمان مثال ذلك سؤال عبد الله بن مسعود أي الذنب أعظم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده الدين النصيحة المستشار مؤتمن لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين من حسن إسلام المرء الأرواح جنود مجندة الحلال بين والحرام بين المعراج ستكون هنات وهنات قصة الخوارج لا تحاسدوا أخبار الرؤية أنزل القرآن على سبعة أحرف لا يجمع الله أمتي على ضلالة
ومن هذه الأبواب ما مدخلها في كتاب الطهارة مثالها لا يقبل الله صلاة بغير طهور المسح على الخفين الغسل يوم الجمعة إذا ولغ الكلب في الإناء
ومن هذه الأبواب أبواب في كتاب الصلاة رفع اليدين لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب الصلاة لأول وقتها ولوقتها سبعة يظلهم الله في ظله أخبار الوتر صلاة الليل مثنى مثنى إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة التكبير في العيدين يوم القوم أقرؤهم لكتاب الله صلاة القاعد طرق التشهد
ومن التفاريق في سائر الكتب اطلبوا الخير لا تذهب الأيام والليالي قصة الغار من كنت مولاه صوموا لرؤيته إن مما أدرك الناس ما عاب طعاما قط القضاء باليمين مع الشاهد أفضلكم من تعلم القرآن لأعطين الراية قصة المخدع من كتم علما قبض العلم مسند أبي العشراء الدارمي إذا أحب الله

عبدا حديث البراء أسلمت نفسي إليك قصة الطير قصة المفطر في رمضان أنت مني بمنزلة هارون من موسى السفر من العذاب طرق الحسن عن صعصعة كان إذا بعث سرية
من كذب علي متعمدا اللهم بارك لأمتي في بكورها إذا أتاكم كريم قوم تقتل عمارا الفئة الباغية ذكاة الجنين خطبة عمر بالجابية شر الناس من يخاف لسانه ليس الخبر كالمعاينة ليس بالكذاب من أصلح بين الناس إن أول ما نبدأ به أن نصلي ثم نذبح من صام رمضان وأتبعه بست الأيم أحق بنفسها من حفظ على أمتي أربعين حديثا
الكمأة من المن نعم الإدام الخل الخيل معقود في نواصيها الخير من قتل دون ماله فهو شهيد كل مسكر حرام إن من الشعر لحكمة قصة العرنيين صلاة في مسجدي هذا اختلاف الأخبار في تزويج ميمونة بنت الحارث الناس كإبل مئة دعوة ذي النون إن الله يحب ان تقبل رخصة أشد الناس بلاء الأنبياء إنه ليغان على قلبي المؤمن غر كريم

ذكر النوع الحادي والخمسين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة جماعة من الرواة لم يحتج بحديثهم في الصحيح ولم يسقطوا وهذا علم حسن فإن في رواة الأخبار جماعة بهذه الصفة
ومثال ذلك في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة لم يصح الطريق إليه من جهة الناقلين فلم يخرج له في الصحيحين وكذلك عتبة بن غزوان وأبو كبشة مولى رسول الله والأرقم بن أبي الأرقم وقدامة بن مظعون والسائب بن مظعون وشجاع بن وهب الأسدي وأبو حذيفة بن عتبة بن

ربيعة وعباد بن بشر وسلامة بن وقش في جماعة من الصحابة
إلا أني ذكرت هؤلاء رضي الله عنهم فإنهم من المهاجرين الذين شهدوا بدرا وليس لهم في الصحيح رواية إذ لم يصح إليهم الطريق ولهم ذكر في الصحيح من روايات غيرهم من الصحابة مثل قوله صلى الله عليه و سلم لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وما يشبه هذا
ومثال ذلك في التابعين محمدب ن طلحة بن عبيد الله محمد بن أبي بن كعب السائب بن خلاد بن السائب محمد بن أسامة بن زيد عمارة بن خزيمة بن ثابت سعيد بن سعد بن عبادة عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله إسماعيل بن زيد بن ثابت هؤلاء التابعون عن علو محالهم في التابعين وعلو محال آبائهم في الصحابة ليس في الصحيح ذكر لفساد الطريق إليهم لا لجرح فيهم وفي التابعين جماعة من هذه الطبقة
ومثال ذلك في أتباع التابعين إبراهيم بن مسلم الهجري عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي قيس بن الربيع الأسدي
ومثال ذلك في أتباع الأتباع مطلب بن زياد حماد بن شعيب سعيد بن زيد أخو حماد يعقوب بن إسحاق الحضرمي عائذ بن حبيب محمد بن ربيعة الكلابي إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني
ومثال ذلك في الطبقة الخامسة من المحدثين عون بن عمارة الغبري والقاسم بن الحكم العرني
ومثال ذلك في الطبقة السادسة من المحدثين أحمد بن عبد الجبار العطاردي الحارث بن أبي أسامة أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي إسماعيل بن الفضل

ومن أهل الكوفة
علقمة بن قيس النخعي وعامر بن شراحيل الشعبي والحسن بن صالح بن حي
ومن أهل البصرة
قتادة بن دعامة السدوسي وأبو العالية زياد بن فيروز وكهمس بن الحسن الهلالي وسعيد بن أبي هروبة في آخرين بعدهم
ومن أهل مصر
عبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وعبد الله بن وهب وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين وجماعة من المالكيين بعدهم وكذلك جماعة من أهل الشام وخراسان
قال أبو عبد الله وقد رأيت أن جماعة من مشايخي يرون العرض سماعا والحجة عندهم في ذلك ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك قال
بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاء رجل فذكر الحديث قال يا محمد إني سائلك فمشتد عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك فقال سل ما بدا لك فقال الرجل نشدتك بربك ورب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم نعم
قال أبو عبد الله احتج شيخ الصنعة أبو عبد الله بن إسماعيل البخاري في كتاب العلم من الجامع الصحيح بهذا الحديث في باب العرض على المحدث
أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني قال حدثنا جدي

قال سمعت إسماعيل بن أبي أويس سمعت خالي مالك بن أنس يقول قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق التقط لي مئة حديث من حديث ابن شهاب حتى رويها عنك عنه قال مالك فكتبتها ثم بعثت بها إليه فقيل لمالك أسمعها منك قال هو أفقه من ذلك
أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني مطرف بن عبد الله قال صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول لا يجزيه إلا السماع ويقول كيف لا يقنعك أن تأخذه عرضا والمحدث أخذه عرضا ولم لا تجوز لنفسك ان تعرض أنت كما عرض هو
حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا ابن أبي أويس قال سئل مالك عن حديثه أسماع هو فقال منه سماع ومنه عرض وليس العرض بأدنى عندنا من السماع
قال أبو عبد الله قد ذكرنا مذهب جماعة من الأئمة في العرض فإنهم أجازوه على الشرائط التي قدمنا ذكرها ولو عاينوا ما عايناه من محدثي زماننا لما أجازوه فإن المحدث إذ لم يعرف ما في كتابه كيف يعرض عليه
وأما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإن فيهم من لم ير العرض سماعا واختلفوا أيضا في القراءة على المحدث أهو إخبار أم لا وبه قال الشافعي المطلبي بالحجاز والأوزاعي بالشام والبويطي والمزني بمصر وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل بالعراق وعبد الله بن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه بالمشرق وعليه عهدنا أئمتنا وبه قالوا وإليه ذهبوا وإليه نذهب وبه نقول إن العرض ليس بسماع وغن القراءة على المحدث إخبار والحجة عندهم في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها وقوله صلى الله عليه و سلم تسمعون ويسمع

منكم في أخبار كثيرة
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن رسول صلى الله عليه و سلم قال نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها فوعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه
قال الشافعي فلما ندب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها إلى من يؤديها والأمر واحد دل على انه صلى الله عليه و سلم لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدي إليه لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا
قال أبو عبد الله والذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا مع غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان وما قرئ على المحدث فأجاز وهو حاضر أخبرنا فلان وما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها يقول فيه أنبأني فلان وما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة يقول كتب إلي فلان
سمعت أبا بكر إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه بالري يقول سألت أبا شعيب الحراني الإجازة لأصحابي بالري فقال أبو شعيب حدثنا جدي قال حدثنا موسى بن أعين عن شعبة قال كتب إلي المنصور بحديث ثم لقيته بعد ذلك فسألته عن ذلك الحديث فقال لي أليس قد حدثتك به إذا كتبت به إليك فقد حدثتك
حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال أخبرنا أبو تراب محمد بن سهل قال حدثنا أحمد بن داود بن قطن بن كثير قال حدثنا محمد بن معاوية قال سمعت

بقية يقول لقيتني شعبة ببغداد فقال لي لو لم ألقك لمت معك كتاب بجير بن سعد قال قلت لا قال إذا رجعت فاكتبه واختمه ووجه به إلي
هذا آخر ما انتقيناه من كتاب المعرفة في أصول الحديث للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري وقد أوردنا هنا جل ما أورده فيه من الفوائد المهمة في كل نوع من النواع واقتصرنا في المواضع التي تعددت فيها الأمثلة على أقل ما يمكن الاقتصار عليه رعاية لحال المبتدئ الذي توخينا أن يحصل له من مطالعة كتابنا هذا خط وافر من المعرفة بهذا الفن وفقنا الله سبحانه لما يحب ويرضى
وقد وقع إلينا حين الانتقاء نسخة كتبت في القاهرة في دار الحديث الكاملية سنة 634 وقرئت في قلعة الجبل على بعض أهل الأثر وهي منقولة من نسخة الحافظ المنذري المثبت عليها صورة سماعه في آخر كل جزء من اجزائها الخمسة من الشيخ الإمام أبي نزار ربيعة بن الحسن اليمني الحضرمي سنة 602
وهذا مثال جميع الجزء الأول من علم الحديث على الشيخ الإمام العالم أبي نزار ربيعة بن الحسن بن علي بن يحيى الحضرمي اليمني بحق سماعه له وقراءته على أبي المطهر الصيدلاني بإجازته من ابن خلف عن مصنفه بقراءة الشريف أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي القاسم الإدريسي الفقيه المحدث أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري وملهم بن فتوح بن بشارة الصوفي وعبد الباقي بن أبي محمد بن علي الخشاب وبركات بن ظافر بن عساكر وصح بمسجد المسمع بمصر يوم السبت من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وست مئة

وهذا مثال ما كتب في آخر الجزء الثاني بلغ السماع لجميع هذا الجزء على الشيخ الإمام العلام الزاهد أبي نزار ربيعة بن الحسن بن علي بن عبد الله بن يحيى بن أبي الشجاع الحضرمي بحق قراءته له على أبي المطهر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الصيدلاني بإجازته من الأديب أبي بكر أحمد بن أبي الحسن بن خلف الشيرازي بحق سماعه من الحاكم أبي عبد الله مصنفه صاحبه الفقيه المحدث عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري واختيار الدين أبو المناقب ملهم بن فتوح بن بشارة الصوفي وبركات بن ظافر بن عساكر بن عبد الله الأنصاري في نهار يوم السبت السادس من ربيع الآخر سنة اثنتين وست مئة والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد خير خلقه وآله وصحبه وسلم تسليما ا هـ
واعلم أن طرق نقل الحديث وتحمله من أهم مباحث هذا الفن وقد تعرض لها علماء الأصول في كتبهم وقد كتب فيها ابن الصلاح ما يشفي الغليل ولما كان ما ذكر في هذا النوع وهو النوع الثاني والخمسون الذي ختم به الحاكم كتابه داخلا فيها وكان هذا المبحث سهل المأخذ أحببنا أن لا تعرض له كما لم نتعرض في كثير من المواضع لأمثاله وغنما اكتفينا بدلالة الطالب على منزلته من الفن كي لا يزهد فيه وعلى مظان البحث عنه كي يرجع إليها عند حصول الداعي إلى ذلك
غير أن رأينا نذكر هنا شيئا مما قيل في الإجازة لفرط ولوع كثير من المتأخرين بها فنقول من أقسام الأخذ والتحمل الإجازة وهي دون السماع وهي تسعة أنواع
النوع الأول أن يجيز معينا لمعين كان يقول أجزت لك أو لكم الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي ونحو ذلك هذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة وقد اختلف فيها فقال بعض العلماء بجوازها وقال بعضهم بعدم جوازها

قال ابن الصلاح وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جزوازها ولا خالف فيها أهل الظاهر وإنما خلافهم في غير هذا النوع وزاد القاضي أبو الوليد الباجي فأطلق نفي الخلاف وقال لا خلاف في جواز الرواية بالإجاة من سلف الأمة وخلفها وادعى الإجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العمل بها
قلت هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعا من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال كان لاشافعي لا يرى الإجازة في الحديث قال الربيع وأنا أخالف الشافعي في هذا
وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة وروي هذا الكلام عن شعبة وغيره
وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصفهاني الملقب بأبي الشيخ والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي وحكى أبو نصر فسادها عمن لقيه قال أبو نصر جماعة من أهل العلم يقولون قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره قد أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح رواية من لم يسمع
قلت ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكانه يقول أجزت لك أن تكذب علي
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها وفي الاحتجاج لذلك غموض

ويتجه أن نقول إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره ها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وغنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يحب العمل به وإنه جار مجرى المرسل وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله اعلم
النوع الثاني أن يعين الشخص المجاز له دون الكتاب المجاز كأن يقول أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي وما أشبه ذلك
والخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما يوي بها بشرطه
النوع الثالث أن يجيز الغير بوصف العموم كأن يقول أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك
وهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز الإجازة واختلفوا في جوازه كان ذلك مقيدا بوصف خاص أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب كان يقول أجزت لطلبة العلم بمدينة كذا كذا
قال ابن الصلاح ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدي به انه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المتاخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله
النوع الرابع الإجازة للمجهول أو بالمجهول كأن يقول أجزت لمحمد بن

خالد الحموي وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم وهذه النسبة أو أجزت لفلان أن يروي عني بعض مسموعاتي أو كتاب السنن وهو يروي جملة من كتب السنن المعروفة
وهذه الإجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز غير عارف بهم فهذا غير قادح في صحة الإجازة كما لا يقدح في صحة السماع عدم معرفته بمن يحضر مجلسه للسماع منه
النوع الخامس الإجازة المعلقة بالشرط كأن يقول أجزت لفلان إن شاء فلان وقد اختلف فيها فقال قوم لا تجوز لأن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق وقال قوم هي جائزة وقد وقع ذلك من بعض أئمة الحديث فقد وجد بخط أبي بكر بن أبي خيثمة صاحب يحيى بن معين أجزت لأبي زكريا يحية بن مسلمة أن يروي عني ما أحب من تاريخي الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الأصبغ ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه مني وأذنت له في ذلك ولمن أحب من أصحابه فإن أحب أن تكون الإجازة لأحد بعد هذا فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا وكتبه أحمد بن أبي خيثمة بيده في شوال سنة ست وسبعين ومئتن
وممن وقع منهم ذلك حفيد يعقوب بن شيبة فقد قال في إجازة له يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قد أجزت لعمر بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه علي بن الحسن جميع ما فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره ولكل من أحب عمر فليرووه عني إن شاؤوا وكتبت لهم ذلك بخطي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة
ولو قال المجيز أجزت لمن يشاء فلان أو نحو فالأظهر البطلان لأن فيها جهالة وتعليقا ولو قال أجزت لمن يشاء الإجازة فهو مثل أجزت لمن يشاء فلان بل هذا أظهر في البطلان لأنها أشد في الجهالة والانتشار من حيث إنها علقت بمشيئة من لا يحصر عددهم

ولو قال أجزت لك كذا إن شئت روايته عني أو اجزت لك كذا إن شئت أن تروي عني أو أجزت لفلان إن شاء الرواية عني فالأظهر الأقوى أن ذلك إذ قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته وهو تصريح بمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة
النوع السادس الإجازة للمعدوم وهي على قسمني أحدهما أن يعطف المعدوم على الموجود كأن يقول أجزت لفلان ولمن يولد له والثاني أن يخصص المعدوم بالإجازة من غير عطف كأن يقول أجزت لفلان ولمن يولد له والثاني أن يخصص المعدوم بالإجازة من غير عطف كان يقول أجزت لمن يولد لفلان وهو أضعف من القسم الأول أقرب إلى الجواز
وحكى ابن الصلاح عن أبي نصر بن الصباغ أنه بين بطلانها قال ابن الصلاح وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لأن الأجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له ول قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح ذلك أيضا للمعدوم وهذا يوجب أيضا بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه
النوع السابع الإجازة لمن ليس بأهل حين الإجازة للأداء والأخذ عنه وذلك يشمل صورا لم يذكر ابن الصلاح منها إلا الصبي ولم يفرده بنوع بل ذكره في آخر الكلام على الإجازة للمعدوم
والإجازة للصبي إن كان مميزا فهي صحيحة كسماعه وقد نقل خلاف ضعيف في صحة سماعه غير أنه لا يعتد به وغن كان تغير مميز فقد اختلف فيه فقال بعضهم لا تصح الإجازة له كما يصح السماع له وقال بعضهم تصح الإجازة له وقال بذلك الخطيب واحتج له بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز له أن تيروي عنه والإباحة تصح للعاقل وغير العاقل وقال وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم

ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال
وأما الإجازة للكافر فقال الحافظ العراقي لم أجد فيها نقلا وقد تقدم نقلا وقد تقدم ان سماعه صحيح ولم أجد عن أحد من المتقدمين والمتأخرين الإجازة للكافر إلا أن شخصا من الأطباء ممن رأيته بدمشق ولم أسمع عليه يقال له محمد بن عبد السيد بن الديان سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري وكتب اسمه في طبقة السماع مع السامعين وأجاز ابن عبد المؤمن الصوري وكتب اسمه في طبقة السماع والإجازة بحضور الحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي وبعض السماع بقراءته وذلك في غير ما حديث منها جزء ابن نمير فلولا أن المزي يرى جواز ذلك ما أقر عليه ثم هدى الله ابن عبد السيد المذكور للإسلام وحدث وسمع منه أصحابنا ا هـ واما الإجازة للفاسق والمبتدع فهي أولى بالجواز من الإجازة للكافر ويؤديان إذا زال المانع
النوع الثامن إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك وقد اختلف فيها فقال بعضهم هي غر صحيحة وقال بعضهم هي صحيحة
قال ابن الصلاح ينبغي أن يبني هذا علة ان الإجازة في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو هي إذن فإن جعلت في حكم الإخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه وغن جعلت إذنا انبنى هذا على الخلاف في تصحيح الإذن في باب الوكالة فيما لم يملكه الموكل بعد مثل ان يوكل في بيع العبد الذي يريد ان يشتريه وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح بطلان هذه الإجازة
وعلى هذا يتعين على من يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته مثلا أن

يبحث حتى يعلم ان ذاك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل تاريخ هذه الإجازة
وأما إذا قال أجزت لك ما صح وما يصح عندك من مسوعاتي فهذا ليس من هذا القبيل وقد فعله الدارقطني وغيره وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة انه سمعه قبل الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية
النوع التاسع إجازة الجاز كأن يقول أجزت لك مجازاتي أو أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته
وقد منع من ذلك بعضهم وصنف فيه جزءا وذلك لأن الإجازة ضعيفة فيشتد ضعفها باجتماع إجازتين
والمشهور الذي عليه العمل أن ذلك جائز وقد حكى الخطيب تجويز ذلك عن الدارقطني وأبي العباس بن عقدة وغيرهما وقد فعله الحاكم في تاريخه وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة وربما تابع بين ثلاث منها
وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لشيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ لشيخه أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى شيئا من مسموعات شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين انه مما كان قد صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه والذي أجازه على ذلك الوجه ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه وتقييده ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره
هذه أنواع الإجازة المجردة وبقي نوع آخر وهي الإجازة المقرونة بالمناولة وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق ولها صور أعلاها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعه مقابلا به ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم يملكه إياه أو يقول له خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو ذلك
وقد ذكر البخاري الحجة على صحة المناولة في كتاب العلم في باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان حيث قال واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه و سلم حيث كتب لأمير السرية كتابا وقال لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا فلا بلغ ذلك المكان قرأه على الناس أخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه و سلم
حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يمزقوا كل ممزق
ووجه الدلالة في الأول أن النبي صلى الله عليه و سلم ناول أمير السرية كتابا بدون أن يقرأه عليه فجاز له الإخبار بما في الكتاب بمجرد المناولة ووجه الدلالة في الثاني أن النبي صلى الله عليه و سلم ناول رسوله الكتاب ولم يقرأ عليه فجاز أن يسند ما فيه إليه ويقول هذا كتاب رسول الله وتقوم الحجة به على المبعوث إليه كما لو شافههم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك وينبني على ذلك أن الشيخ إذا ناول الطالب كتابا جاز له أن يروي عنه ما فيه
هذا والمناولة المقرونة بالإجازة حالة محل السماع عند جماعة من أئمة

الحديث وقد غلا بعضهم فجعلها أرفع من السماع لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت لما يدخل من الوهم عل السامع والمسمع والصحيح أنها منحطة عن السماع من الشيخ والقراءة عليه
وأما المناولة المجردة عن الإجازة كأن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله هذا من حديثي أو سماعي ولا يقول اروه عني ولا أجزت لك روايته عني ونحو ذلك فهذه رواية مختلة لا تجوز الرواية بها وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها
والمشهور في فعل الإجازة أن يعدي باللام فيقال أجزت لفلان وأجاز بعضهم أن يقال أجزت فلانا قال ابن الصلاح روينا عن أبي الحسن أحمد بن فارس الأديب المصنف رحمه الله أنه قال قال معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال منه استجزت فلانا فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك او ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه
قلت فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى نظيره ا هـ
وما رواه ابن الصلاح عن ابن فارس هو مما ذكره في جزء له صغير سماه مأخذ العلم وقد أورد ذلك في باب الإجازة وقد رأيت أن أورد نبذا منه مما يتعلق بما نحن فيه إتماما للفائدة

فأما الإجازة فأن يكتب العالم أو يكتب عنه بأمره إني أجزت لفلان أن يروي عني ما صح عنده من حديثي او مؤلفاتي وما أشبه هذا من الكلام فذلك أيضا في الجواز والقوة كالذي ذكرناه في المناولة وغيرها وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والحسن بن عمارة وابن جريح وغيرهم من العلماء
والدليل على صحة الإجازة ما حدثنا علي بن مهرويه حدثنا أحمد بن أبي خيثمة حدثنا أحمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا محمد بن إسحاق قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بن جحش بن رياب وأصحابه وبعث معهم كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فمضى لما آمره به فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فقال عبد الله وأصحابه سمعا وطاعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فمضوا ولقوا بنخلة لقريش فقتلوا عمرو بن الحضري كافرا وغنموا ما كان معهم من تجارة لقريش
وهذا الحديث وما أشبهه من كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة في الإجازة لأن عبد الله وأصحابه عملوا بما كتب له رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير ان يكلمهم بشيء فكذلك العالم إذا أجاز لطالب العلم فله أن يروي ويعمل بما صح عنده من حديثه وعلمه
وبلغنا أن ناسا يكرهون الإجازة إن اقتصر عليها بطلت الرحل وقعد الناس عن طلب العلم ونحن لسنا نقول إن طالب العلم يقتصر على الإجازة فقط ثم لا يسعى لطلب علم ولا يرحل لكنا نقول الإجازة لمن كان له في القعود عن الطلب عذر من قصور نفقة أو بعد مسافة أو صعوبة مسلك
فأما أصحاب الحديث فما زالوا يتجشمون المصاعب ويركبون الأهوال ويفارقون الأوطان وينأون عن الأحباب آخذين بالذي حث عليه رسول الله

صلى الله عليه و سلم في الذي حدثناه سليمان بن يزيد عن محمد بن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن سليمان حدثنا كثير بن شنظير عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم طلب العلم فريضة على كل مسلم

صلة مهمة يتعلق معظمها بالصحيح والحسن

اعلم أن بعض العلماء قد سلك في بيان هذا الفن وحصر أقسامه المشهورة وتعريفها مسلكا صار قريبا قريب المدرك وقد أحببت أن نتبع أثره في ذلك موردين لباب ما أورده مع زيادات يقتضيها المقام وربما وقع في أثناء ذلك تكرار لبعض ما سبق لأمر يحمل عليه فنذكره من غير إشارة وقد آن أن نشرع في ذلك فنقول
الخبر إما ان يرويه جماعة يبلغون في الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه أولا فالأول المتواتر والثاني الآحاد
والمتواتر ليس من مباحث علم الإسناد لأن علم الإسناد علم يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه من حيث صفات رواته وصيغ أدائهم ليعمل به أو يترك
والمتواتر صحيح قطعا فيجب الأخذ به من غير توقف وهو يفيد العلم بطريق اليقين والمتواتر يندر أن يكون له إسناد مخصوص كما يكون لأخبار الآحاد لاستغنائه بالتواتر عن ذلك وإذا وجد له إسناد معين لم يبحث عن أحوال رجاله بخلاف خبر الآحاد فإن فيه الصحيح وغير الصحيح والصحيح منه لا يحكم له بالصحة على طريق اليقين نعم قد تقترن قرائن تفيد العلم بالصحة
ولا بد ف خبر الآحاد ان يكون له إسناد معين يبحث فيه عن أحوال رجاله وصيغ أدائهم ونحو ذلك ليعلم المقبول منه من غيره فانحصر البحث هنا في خبر الآحاد
وخبر الأحاد إن كانت رواته في كل طبقة ثلاثة فأكثر يسمى مشهورا

وإن كانت رواته في بعض الطبقات اثنين ولم تنقص في سائرها عن ذلك يسمى عزيزا
وإن انفرد في بعض الطبقات أو كلها راو واحد يسمى غريبا
والمشهور عندهم أنه لا يشترط في المشهور والعزيز التعدد في الطبقة الأولى فيسمون الحديث مشهورا إذا رواه في كل طبقة ثلاثة فأكثر وإن كان من رواه من الصحابة أقل من ثلاثة ويسمون الحديث عزيزا إذا رواه في بعض الطبقات اثنان ولم تنقص رواته في سائرها عن ذلك وإن كان الراوي له من الصحابة واحدا فقط
والغريب إن كانت الغرابة فيه في أصل السند يسمى الفرد المطلق ويقال له أيضا الغريب المطلق وإن كانت الغرابة فيه في غير أصل السند يسمى الفرد النسبي ويقال له أيضا الغريب النسبي والمراد بأصل السند أوله
وقد عرفت آنفا أن الغريب ما ينفرد بروايته شخص في أي موضع كان من مواضع السند وأن انفراد الصحابي فقط بالحديث لا يوجب الحكم له بالغرابة
فالفرد المطلق هو ما ينفرد بروايته عن الصحابي واحد من التابعين وذلك كحديث النهي عن بيع الولاء فإنه تفرد به عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر
وقد يتفرد به راو عن ذلك المتفرد وذلك كحديث شعب الإيمان فإنه تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم وفي مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني أمثلة كثيرة لذلك
والفرد النسبي هو ما ينفرد بروايته واحد ممن بعد التابعين وذلك بأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم ينفرد بالرواية عن واحد منهم أو أكثر واحد
ويقل إطلاق اسم الفرد على الفرد لانسبي وغنما يطلق عليه في الغالب اسم الغريب قال الحافظ ابن حجر إن أهل الاصطلاح قد غايروا بين الفرد والغريب

من حيث كثر الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان ولا يسوغ الحكم بالتفرد إلا بعد الاعتبار والاعتبار هو تتبع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء لذلك الحديث الذي يظن أنه فرد ليعلم هل لرواية متابع أو هل له شاهد أم لا ومظنة معرفة الطرق التي يحصل بها المتابعات والشواهد وينتفي بها التفرد كتب الأطراف
قال العراقي الاعتبار أن تأتي إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث لتعرف هل شاركه في ذلك الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا فإن يكن شاركه أحد ممن يعتبر بحديثه أي يصلح أن يخرج حديثه للاعتبار به والاستشهاد به سمي حديث هذا الذي شاركه تابعا وسيأتي بيان من يعتبر بحديثه في مراتب الجرح والتعديل
وإن لم تجد أحدا تابعه عليه عن شيخه فانظر هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه متابعا له أم لا فإن وجدت أحدا تابع شيخ شيخه عليه فرواه كما رواه فسمه أيضا تابعا وقد يسمونه شاهدا
وإن لم تجد فافعل ذلك فيمن فوقه إلى آخر الإسناد حتى في الصحابي فكل من وجد له متابع فسم حديث الذي شاركه تابعا وقد يسمونه شاهدا
فإن لم تجد لأحد ممن فوقه متابعا عليه فانظر هل أتى بمعناه حديث آخر فسم ذلك الحديث شاهدا وإن لم تجد حديثا آخر يؤدي معناه فقد عري من المتابعات والشواهد فالحديث إذا فرد
قال ابن حبان وطريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن

وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم فأي ذلك وجد يعلم به أن الحديث يرجع إليه وإلا فلا انتهى
قلت فمثال ما عدمت فيه المتابعات من هذا الوجه من وجه يثبت ما رواه الترمذي من رواية حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أراه رفعه أحبب حبيبك هونا ما الحديث قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه قلت أي من وجه يثبت وقد رواه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث عن ابن سيرين عن أبي هريرة ا هـ
مثال ما وجد له تابع وشاهد ما روى مسلم والنسائي من رواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا فلم يذكر فيه أحد من أصحاب عمرو بن دينار فدبغوه إلا ابن عيينة وقد رواه إبراهيم بن نافعالمكي عن عمرو فلم يذكر الدباغ
فنظرنا هل نجد أحدا تابع شيخه عمرو بن دينار على ذكر الدباغ فيه عن عطاء أم لا فوجدنا أسامة بن زيد الليثي تابع عمرا عليه روى الدارقطني والبيهقي من طريق ابن وهب عن أسامة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأهل شاة ماتت ألا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به قال البيهقي وهكذا رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء فكانت هذه متابعات لرواية ابن عيينة
ثم نظرنا فوجدنا له شاهدا وهو ما رواه مسلم وأصحاب السنن من رواية عبد الرحمن بن وعلة المصري عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما إهاب دبغ فقد طهر

والمتابعة إن حصلت للراوي نفسه فهي المتابعة التامة وإن حصلت لشيخه فمن فوقه فهي المتابعة القاصرة
والشاهد إن كان يشبه متن الحديث الفرد في اللفظ والمعنى فهو الشاهد باللفظ وغن كان يشبهه في المعنى فقط فهو لاشاهد بالمعنى والشاهد متن يروى عن صحابي آخر يشبه متن الحديث الفرد
وقد أورد الحافظ ابن حجر مثالا تجتمع فيه المتابعة التامة والمتابعة القاصرة والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى وهو ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة الثلاثين
وقد ظن قوم أن هذا الحديث بهذا الفظ قد تفرد به الشافعي عن مالك فعدوه في غرائبه لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ فإن غم عليكم فاقدروا له فنظرنا فوجدنا للشافعي متابعا وهو عبد الله القعنبي أخرجه البخاري عنه عن مالك بلفظ الشافعي فهذه متابعة تامة وقد دل على أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا
ووجدنا عبد الله بن دينار قد توبع فيه عن ابن عمر من وجهين أحدهما ما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر فذكر الحديث وفي آخره فإن غمي عليكم فاقدروا ثلاثين والثاني ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن جده ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين فهذه متابعة لكنها قاصرة
وله شاهدان احدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن

شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وثانيهما من حديث ابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابنة عباس بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر سواء وهو فأكملوا العدة ثلاثين فهذا شاهد باللفظ وما قبله شاهد بالمعنى

تنبيهات

التنبيه الأول يسمى حديث الذي شارك الراوي فيه تابعا وقد يسمى شاهدا وأما الشاهد فلا يسمى تابعا وقال بعضهم إن التابعيختص بما كان باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم غيره والشاهد يختص بما كان بالمعنى كذلك وقال الجمهور ما أتى عن ذلك الصحابي فتابع وما أتى عن صحابي آخر فشاهد فعندهم أن رواية ابن وعلة المذكورة تكون متابعة لعطاء وما رواه يكون متابعا لا شاهدا
ويقال للتابع المتابع المكسر قال بعضهم قد طلق المتابع على الشاهد والشاهد على المتابع والخطب في ذلك سهل إذ المقصود الذي هو التقوية حاصل بكل منهما فإذا قامت قرينة تدل على المقصود لم يكن في ذلك بأس غير أن الغالب استعمال كل منهما في معناه الذي يسبق إلى الذهن
التنبيه الثاني أنه لا انحصار للمتابعات والشواهد في الثقة ولذا قال ابن الصلاح واعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواخد وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به
قال بعض العلماء وإنما يدخلون الضعفاء لكون المتابع لا اعتماد عليه وإنما الاعتماد على من قبله وقال بعضهم إنه لا انحصار له في ذلك بل قد يكون كل من المتابع والمتابع عليه إلا أن باجتماعهما تحصل القوة

التنبيه الثالث قد عرفت أنهم قسموا خبر الآحاد إلى ثلاثة أقسام مشهور وعزيز وغريب وهذا التقسيم إنما هو بالنظر إلى عدد الرواة ولما كان كل قسم من هذه الأقسام لا يخلو من صحيح وغير صحيح عادوا انيا فقسموه بالنظر إلى هذه الجهة إلى مقبول ومردود ثم قسموا كل واحد منهما إلى أقسام
وقد آن أوان الشروع في ذلك مرجئين البحث عن الشاذ الذي يعد قسما من أقسام الفرد الذي كنا في صدده وكذلك المنكر إلى الموضع الذي يليق بهما فيما سيأتي فنقول
خبر الآحاد ينقسم إلى قسمين نقبول ومردود فالمقبول هو ما دل دليل على رجحان ثبوته في نفس الأمر والمردود ما لم يدل على رجحان ثبوته في نفس الأمر
فإن قلت يدخل في تعريف المردود الخبر الذي لا يترجح ثبوته ولا عدم ثبوته بل يتساوى في الأمران قلت نعم واعتذر عن ذلك من أدخله فيه بأن موجبه لما كان التوقف صار كالمردود فألحق به لا لوجود ما يوجب الرد بل لعدم وجود ما يوجب القبول ومن جعله قسما مستقلا عرف المردود بأنه الخبر الذي دل دليل على رجحان عدم ثبوته في نفس الأمر
وعرف الخبر المتوقف فيه بأنه الخبر الذي لم يدل دليل على رجحان ثبوته ولا على رجحان عدم ثبوته وهذا هو الخبر المشكوك فيه وهو كثير جدا تكاد تكون أفراده أكثر من أفراد القسمين الآخرين وحكم هذا القسم التوقف فيه البتة إلى أن يوجد ما يلحقه بأحد القسمين المذكورين
والمقبول ينقسم لى أربعة أقسام صحيح لذاته وصحيح لغيره وحسن لذاته وحسن لغيره وذلك لأن الحديث إن اشتمل من صفات القبول على أعلى

مراتبها فهو الصحيح لذاته وإن لم يشتمل على أعلى مراتبها فإن وجد فيه ما يجبر ذلك القصور الواقع فيه فهو الصحيح لا لذاته بل لغيره وهو العاضد
وقد مثل ذلك ابن لاصلاح بحديث محمد بنعمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم يبالسواك عند كل صلاة فإن محمد بن عمرو من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فلما انضم إلى ذلك كونه روي من وجه آخر أمنا بذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فالتحق الإسناد بدرجة الصحيح
وإن لم يوجد فيه ما يجبر ذلك القصور الواقع فيه فهو الحسن لذاته وإن كان الحديث ما يقتضي التوقف فيه لكن وجد ما يرجح جانب قبوله فهو الحسن لا لذاته بل لغيره وهو العاضد وذلك نحو أن يكون في الإسناد مستور الحال إذا كان غير مغفل ولا كثير الخطأ في الرواية ولا متهم بالكذب ونحوه من منافيات العدالة فإذا ورد من طريق آخر زال التوقف فيه وحكم بحسنه لا لذاته بل للعاضد
فالصحيح هو ما اتصل إسناده بنقل عدل ضابط عن مثله من أوله إلى منتهاه وسلم من شذوذ وعلة
واحترزوا بالقيد الأول وهو قولهم ما اتصل إسناده عما لم يتصل إسناده وهو المنقطع والمعضل والمرسل عند من لا يحتج به
وبالقيد الثاني وهو قولهم بنقل عدل عن نقل مجهول العين أو الحال أو المعروف بعدم العدالة
وبالقيد الثالث وهو قولهم ضابط غير الضابط وهو المغفل وكثير الخطأ
وبالقيد الرابع وهو قولهم وسلم من شذوذ وعلة ما لم يسلم من ذلك وهو الشاذ والمعلل

قال بعضهم الأخضر أن يقال بنقل ثقة عن مثله لأن الثقة عندهم هو من جمع بين العدالة والضبط
وأجيب بأن الثقة قد ةيطلق على من كان عدلا في دينه وإن كان غير محكم الضبط والتعريف ينبغي أن يجتنب فيه الألفاظ التي ربما أوقعت في اللبس
وهذا التعريف إنما هو للصحيح لذاته وهو الذي ينصرف اسم الصحيح إليه عند الإطلاق
والحسن ما اتصل إسناده بنقل عدل عن مثله من أوله إلة منتهاه وكان في رواته مع كونهم موسومين بالضبط من لا يكون قويا فيه وسلم من شذوذ وعلة
والمراد بالحسن هنا الحسن لذاته وهو كالصحيح لذاته في كل شيء إلا في أمر واحد وهو تمام الضبط فإن الصحيح لذاته لا بد أن يكون كل واحد من رواته تام الضبط والحسن لذاته لا بد أن يكون في رواته من لا يكون تام الضبط وقد ظهر لك أن المراد بالضابط في تعريف الصحيح التام الضبط وقد اختار بعضهم التصريح بذلك دفعا للالتباس
والحسن لذاته إذا ورد من طريق آخر مساو للطريق الذيورد منه أو أرجح ارتفع إلى درجة الصحيح لغيره فإن ورد من طريق أدنى من الطريق الذي ورد منه لم يحكم له بالصحة وذلك كأن يرد من طريق الحسن لغيره إلا أن يتعدد هذا الطريق
والحاصل أن الحسن لذاته يرتفع عن درجته إلى درجة الصحيح إذا ورد من طريق واحد يكون مساويا لطريقة أو راجحا عليه أو من طرق متعددة ولو كان كل واحد منها منحطا عنه
وأما قول الحافظ المنذري هذا حديث حسن صحيح بلاجمع بين الوصفين معا فللعلماء في مراده أقوال نكتفي هنا بإيراد أحدها وهو أن الحديث الموصوف بذلك إن لم يكن له إلا إسناد واحد فوصفه بالوصفين معا يكون

إما بالنظر إلى تردد الناظر في حال الرواة هل هم ممن بلغ درجة رواة الصحيح فيحكم على ما رووه بالصحة أم هم ممن قصر عن تلك الدرجة فيحكم على ما رووه بالحسن
وإما بالنظر إلى اختلاف أئمة الحديث في ذلك فكأنه يقةل هذا حديث حسن عند قوم صحيح عند قوم
وعلى الوجهين يكون ما قيل فيه صحيح فقط أقوى مما قيل فيه حسن صحيح لأنه يشعر بالجزم بخلاف ما قيل فيه حسن صحيح لأنه يشعر إما بتردد الفكر فيه بين الصحة والحسن وإما باختلاف الأئمة فيه
وإن كان الحديث الموصوف بالوصفين معا له إسنادين يكون إطلاقهما معا عليه بالنظر إلى حال الإسناد فكأنه يقول هذا حديث حسن بالنظر إلى أحد الإسنادين وصحيح بالنظر إلى الإسناد الاخر وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح أقوى مما قيل فيه صحيح فقط هذا إذا كان له إسناد واحد فإن كان له أيضا إسنادان لم يتعين ذلك لاحتمالان يكون كل منهما على شرط الصحيح فيكون أقوى مما قيل فيه حسن صحيح فإذا كان له إسنادان وجب البحث لأولا عن حالهما فإذا عرف الحكم برجحان ما يقضي الحال برجحانه
فإن قيل إن الترمي قد صرح بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
يقال إن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا وغنما عرف نوعا خاصا منه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى وذلك أنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب

وتعريفه إنما وقع على ما يقول فيه حسن فقط ويدل على ذلك ما قاله في آخر كتابه وهو ما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا فكل حديث يروى لا يكون راويه متهما بكذب ويروى من غير وجه نحو ذلك ولا يكون شاذا فهو عندنا حديث حسن
فعرف بهذا إنما عرف ما يقول فيه حسن فقط وأما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرفه كما لم يعرف ما يقول فيه صحيح أو غريب وكأنه ترك ذلك لشهرته عند أهل الفن واقتصر على تعريف ما يقول فيه حسن فقط إما لخفائه وإما لأنه اصطلاح له جديد لم يكن من قبل فوجب تعريفه من قبله ليعرف ما أراد به
ويتفاوت الصحيح الرتبة بسبب تفاوت الأوصاف المقتضية للصحة في القوة فمن الرتبة العليا في ذلك ما روي بإسناد أطلق عليه بعض الأئمة أنه أصح الأسانيد كالزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وكمحمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني عن علي وكإبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود
ويليها في الرتبة مثل رواية بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن أبيه أبي موسى ومثل رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس
ويليها في الرتبة مثل رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ومثل رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها وفي التي تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة وهي مقدمة على رواية من يعد ما ينفرد به حسنا كمحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقس على هذا ما يشبهه

وقد اختلف في أصح الأسانيد فقال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر
وقال إسحاق بن راهويه أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروي نحوه عن أحمد بن حنبل
وعن خلف بن هشام البزار أنه قال سألت أحمد بن حنبل أي الأسانيد أثبت فقال أيوب عن نافع عن ابن عمر
وقال معمر وروي أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي
وفي هذه المسألة أقوال أخر مذكورة في المبسوطات
والمختار أنه لا يحكم لإسناد بأنه أصح الأسانيد كلها إذ لا يمكن أن يحكم لكل راو ذكر فيه بأنه قد حاز أعلى صفات القبول من العدالة والضبط ونحوهما عل وجه لا يوازيه فيه أحد من الرواة الموجودين في عصره ولذلك اضطربت أقوال من خاض في ذلك إذ ليس لديهم دليل مقنع واكثر الأقوال المذكورة في ذلك متكافئة يعسر ترجيح بعضها على بعض في الأكثر فالحكم حينئذ على إسناد معين بأنه أصح الأسانيد على الإطلاق مع عدم اتفاقهم فيه ترجيح بلا مرجح
قال بعض الحفاظ ومع ذلك يمكن للناظر المتقن ترجيح بعضها على بعض من حيث حفظ الإمام الذي رجح وإتقانه وإن لم يتهيأ ذلك على الإطلاق فلا يخلو النظر فيه من فائدة لأن مجموع ما نقل عن الأئمة من ذلك يفيد ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحدهم
وهذا حيث لم يكن مانع ولذلك قال أبو بكر البرديجي أجمع أهل النقل صحة أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة منرواية مالك وابن عيينة ومعمر ما لم يختلفوا فإذا اختلفوا توقف فيها

هذا ولما كان لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن كذلك قصر الأئمة الحكم عل الإسناد فقط ولا يحفظ عن أحد منهم أنه قال إن الأحاديث المروية بإسناد كذا من الأسانيد التي حكم لها بأنها أصح من غيرها هي أصح الأحاديث
فإن كان ولا بد من الحكم فينبغي تقييد كل ترجمة بصحابيها أو بالبلدة التي منها أصحاب تلك الترجمة بأن يقال أصح أسانيد فلان كذا وأصح أسانيد أهل بلدة كذا وكذا فإنه أقل انتشارا وأقرب إلى الحصر بخلاف الأول فإنه في أمر واسع شديد الانتشار والحاكم فيه على خطر من الخطأ والخطأ فيه أكثر من الخطأ في مثل قولهم ليس في الرواة من اسمه كذا سوى فلان
وعلى ذلك يقال أصح أسانيد ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر وأصح أسانيد ابن مسعود سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود وأصح أسانيد أنس بن مالك مالك عن الزهري ولهما من الرواة جماعة فأثبت أصحاب ثابت حماد بن زيد وقيل حماد بن سلمة وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل هشام الدستوائي
وأصح أسانيد المكيين سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر وأصح أسانيد اليمانيين معمر عن همام عن أبي هريرة وأثبت أسانيد المصريين الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر وأصح أسانيد الكوفيين يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن الحارث بن سويد عن علي
ومن الرتبة العليا ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحهما وذلك لجلالة شأنهما في هذا العلم وتقديمها على غيرهما فيه وفرط عنايتهما بتمييز الصحيح

من غيره وتلقي علماء الحديث لكتابيهما بالقبول حتى حكموا في الجملة على كون ما روياه أصح الصحاح
ولم يختلفوا في هذا الأمر وغنما اختلفوا في أمر آخر وهو ان ما روياه هل يفيد العلم أم لا فذهب ابن الصلاح ومن نحا نحوه إلى أنه يفيد علم اليقين واستثنى من ذلك أحرفا يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد كالدارقطني وغيره قال وهي معروفة عند أهل هذا الشأن
واستثنى بعضهم أيضا ما وقع التعارض بين مدلوليه مما اتفق وقوعه في كتابيهما وذلك لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم وهذا حيث لم يظهر رجحان أحدهما على الآخر فإن ظهر ذلك كان الحكم للراجح وصار مفيدا للعلم
وذهب الجمهور إلى أن ما روياه يفيد الظن ما لم يتواتر وذلك لأن شأن الآحاد إفادة الظن ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما وتلقي الأمة لهما بالقبول إنما يقتضي وجوب الأخذ بما فيهما من غير بحث لالتزامهما إخراج الصحيح فقط وفرط براعتهما في معرفته بخلاف غيرهما فإن منهم من لم يلتزم إخراج الصحيح فقط ومنهم من التزم ذلك غير أنه ليس له من البراعة في ذلك ما لهما
فلم يتعين وجوب العمل بما في غير كتابيهما إلا بعد البحث والنظر فإن تبينت صحته وجب الأخذ به وإلا فلا فظهر أن إجماع العلماء على وجوب الأخذ بما فيهما إن ثبت الإجماع لا يدل على إجماعهم على القطع بأنه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم فإن الأمة مأمورة بالعمل بالظن حيث لا يطلب القطع والظن قد يخطئ
هذا وقد قسم الجمهور الحديث الصحيح بالنظر إلى تفاوت الأوصاف المقتضية للصحة فيه إلى سبعة أقسام كل قسم منها أعلى مما بعده
القسم الأول ما أخرجه البخاري ومسلم ويعبر عنه أهل الحديث بقولهم هذا حديث متفق عليه أو على صحته ومرادهم بالاتفاق عليه اتفاق الشيخين لا اتفاق الأمة وقال ابن الصلاح يلزم من اتفاقهما اتفاقهم لتلقيهم له بالقبول
القسم الثاني ما انفرد به البخاري

القسم الثالث ما انفرد به مسلم
القسم الرابع ما هو على شرطهما مما لم يخرجه واحد منهما
القسم الخامس ما هو على شرط البخاري مما لم يخرجه
القسم السادس ما هو على شرط مسلم مما لم يخرجه
القسم السابع ما ليس على شرطهما ولا شرط واحد منهما ولكن صححه أحد الأئمة المعتمدين في ذلك
وترجيح كل قسم من هذه الأقسام السبعة على ما بعده إنما هو من قبيل ترجيح الجملة على الجملة لا ترجيح كل واحد من أفراده على كل واحد من أفراد الآخر ولذلك ساغ أن يرجح بعض ما في قسم من الأقسام على ما قبله إذا وجد ما يقتضي الترجيح وذلك كما لو كان الحديث عند مسلم مشهورا فإنه يقدم على ما في البخاري إذا لم يكن كذلك وكما لو كان الحديث الذي لم يخرجاه من ترجمة وصفت بكونها من أصح الأسانيد كمالك عن نافع عن ابن عمر فإنه يقدم على ما انفرد به أحدهما مثلا لا سيما إذا كان في إسناده من فيه مقال
وأما تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم فقد صرح به الجمهور يوجد من أحد التصريح بعكسه ولو صرح أحد بذلك لرده عليه شاهد العيان فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأسد وشرطه فيها أقوى وأشد
أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة واكتفى مسلم بالمعاصرة وأما ما أراد مسلم إلزام البخاري به من أنه يلزمه أن لا يقبل العنعنة أصلا فليس بلازم لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرة كان من المستبعد في رواياته احتمال أن لا يكون سمع منه وإذا فرض ذلك كان مدلسا والمسألة مفروضة في غير المدلس

وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددا من الرجال الذين تكلم من رجال البخاري فإن الذين انفرد البخاري بهم أربع مئة وبضعة وثمانون رجلا تكلم بالضعف في ثمانين منهم والذين انفرد بهم مسلم ست ومئة وعشرون رحلا تكلم في الضعف في مئة وستين منهم
والذين انفرد البخاري بهم ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه لقيهم وخبرهم وخبر حديثهم بخلاف مسلم فأكثر من انفرد به ممن تكلم فيه من المتقدمين ولا شك أن المرء أعرف بحديث شيوخه من حديث غيرهم ممن تقدم عنه على أن البخاري لم يكثر من إخراج أحاديث من تكلم فيهم من رجاله بخلاف مسلم
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال ونحو ذلك فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على مسلم فإن ما انتقد عليهما بلغ مئتين وعشرين حديثا اشتركا في اثنين وثلاثين منها واختص البخاري منها بثمانية وسبعين ومسلم بمئة وإن كان الانتقاد في أكثر ما انتقد من أحاديثهما مبنيا على علل ليست بقادحة
وأما رجحان نفس البخاري على نفس مسلم في صناعة الحديث فذلك مما لا ريب فيه وقد كان مسلم تلميذه وخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتتبع آثاره
وقد أشار تقي الدين بن تيمية إلى هذه المسألة في كتاب منهاج السنة حيث قال إن التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول وكذلك في عصرهما ما صححاه إلا مواضع يسيرة نحو عشرين حديثا انتقدها عليهما طائفة من الحفاظ وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم

وقد انتصر طائفة لهما فيها وطائفة قررت قول المنتقد والصحيح التفصيل فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب مثل حديث أم حبيبة وحديث خلق الله التربة يوم السبت وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد فما في كتابه لفظ منتقد إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد
وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم فلم يبهرج فيها إلا دراهم يسيرة ومع هذا فهي مفيدة ليست مغشوشة محضة فهذا إمام في صنعته والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر والمقصود أن أحاديثهما نقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم ورواها خلائق لا يحصى عددهم إلا الله فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح والله سبحانه هو الحفيظ يحفظ هذا الدين كما قال الله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
هذا وكما يتفاوت الصحيح بالنظر إلى الأوصاف المقتضية للصحة فيه يتفاوت الحسن بالنظر إلى الأوصاف المقتضية للحسن فيه
وأعلى مراتب الحسن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن إسحاق عن التيمي وأمثال ذلك
ويتلو ذلك رواية الحارث بن عبد الله وعاصم بن ضمرة وحجاج بن أرطاة ونحوهم ممن اختلف في تحسين حديثه وتضعيفه
قال بعض الباحثين إن الذي له مراتب إنما هو الحسن لذاته وأما الحسن

لغيره فلا مراتب له لكن في عبارات أهل الفن ما يدل على أن له أقساما متعددة فإنهم كروا أن الحسن لغيره
يشمل ما كان في رواته سيئ الحفظ ممن كثر منه الغلط او الخطأ أو مستور لم ينقل فيه جرح ولا تعديل أو نقل فيه الأمران معا ولم يترجح أحدهما على الآخر أو مدلس بالعنعنة لعدم منافاة ذلك اشتراط نفي الاتهام بالكذب
ويشمل أيضا ما فيه إرسال من إمام حافظ لا يشترط الاتصال أو انقطاع بين ثقتين حافظين
ولأجل كون ما ذكر موجبا للتوقف عن الاحتجاح به اشترطوا فيه أن لا يرد من طريق آخر مساو لطريقة أو فوقه لترجيح أحد الاحتمالين المتساويين الموجبين للتوقف وذلك لأن سيئ الحفظ مثلا يحتمل أن يكون ضبط ما روى ويحتمل أن لا يكون ضبطه فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من طريق آخر غلب على الظن أنه ضبط وكلما كثر المتابع قوي الظن
وما ذكر من عدم اشتراط الاتصال في الحسن لغيره هو المطابق لما في جامع الترمذي الذي هو أول من عرف هذا النوع وأكثر من ذكره فقد حكم لأحاديث بالحسن مع وجود الانقطاع فيها
وذكر بعض العلماء أن بعض الأحاديث الضعيفة إذا كثرت طرقها قوي بعضها بعضا وصارت بذلك من قبيل الحسن فيحتج بها وقد نحا نحو ذلك ابن لاقطان حيث قال هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن
واستحسن ذلك الحافظ ابن حجر وصرح في موضع آخر بأن الضعيف الذي ضعفه ناشئ عن سوء الحفظ إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن ولكنه هو متوقف في شمول الحسن المسمى بالصحيح عند من لا يفرق بينهما

وقد أشار العلامة أبو الفتح تقي الدين محمد بن دقيق العيد الاقتراح إلى التوقف في إطلاق الاحتجاج بالحسن حيث قال إن ها هنا أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت في الراوي فإن كان هذا الحديث المسمى بالحسن مما قد وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول فهو صحيح وإن لم توجد فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا
اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي وهو أن يقال إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحا وأدناها يسمى حسنا وحينئذ يرجع الأمر إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة والمر في الاصطلاح قريب لكن من أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سماه أهل الحديث حسنا ويتحقق وجود الصفات التي يجب معها قبول الرواية في تلك الأحاديث ا هـ
وممن كان لا يحتج بالحسن أبو حاتم الراوي فإنه سئل عن حديث فحسنه فقيل له أتحتج به فقال إنه حسن فأعيد عليه السؤال مرارا وهو لا يزيد على قوله إنه حسن ونحوه أنه سئل عن عبد ربه بن سعيد فقال إنه لا بأس به فقيل له أتحتج بحديثه فقال هو حسن الحديث الحجة سفيان وشعبة
وقد وجد في كلامهم إطلاق الحسن على الغريب قال إبراهيم النخعي كانوا إذا اجتمعوا كرهوا أن يخرج الرجل حسان أحاديثه قال ابن السمعاني إنه عنى الغرائب ووجد للشافعي إطلاقه في المتفق على صحته ولابن المديني في الحسن لذاته وللبخاري في الحسن لغيره
وقد وجد إطلاقه مرادا به المعنى اللغوي كما وقع لابن عبد البر حيث روى في كتاب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية

وطلبه عبادة الحديث بطوله وقال هذا حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي أراد بالحسن حسن اللفظ لأنه من رواية موسى البلقاوي وهو كذاب نسب إلى الوضع عن عبد الرحيم العمي وهو متروك
قال بعض العلماء يلزم على هذا ان يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن ولك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا عل اصطلاحهم
وقال بعضهم يلزم على هذا أن يوصف كل حديث ثابت بذلك لأن الأحاديث كلها حسنة الألفاظ بليغة
والظاهر ان المراد بالحسن في مثل عبارة ابن عبد البر ما يميل إليه ذو الطبع السليم إذا طرق سمعه وجود شيء ينكر فيه فإن أكثر الأحاديث التي يرويها الضعفاء يجد السامع منها حزازة في نفسه ولذلك قال بعضهم إن الحديث المنكر ينفر منه قلب طالب العلم في الغالب
وفي الجملة حيث اختلف صنيع الأئمة في إطلاق لفظ الحسن فلا يسوغ إطلاق القول بالاحتجاج به إلا بعد النظر في ذلك فما كان منه منطبقا على الحسن لذاته فهو مقبول يسوغ الاحتجاج به وما كان منه منطبقا على الحسن لغيره ففيه تفصيل فإن ورد من طرق يحصل من مجموعها ما يترجح به جانب القبول قبل واحتج به وما لا فلا وهذه أمور جملية لا ينجلي أمرها إلا بالمباشرة
ومن الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول الجيد والقوي والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت والمشبه
فأما الجيد فقد سوى بعضهم بينه وبين الصحيح وقد وقع في كلام الترمذي حيث قال في الطب هذا حديث جيد حسن وقال بعضهم إنه وإن كان بمعنى صحيح لكن الجهبذ من المحدثين لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه درجة الصحيح فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح

وكذا القوي
وأما الصالح فإنه شامل للصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار
وأما المعروف فهو مقابل المنكر
وأما المجود والثابت فيشملان الصحيح والحسن
وأما المشبه فيطلق على الحسن وما يقاربه فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح قال أبو حاتم أخرج عمرو بن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا ثم أخرج بعد أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا
تنبيه قول الحفاظ هذا حديث صحيح الإسناد دون قولهم هذا حديث صحيح وقولهم هذا حديث حسن الإسناد دون قولهم هذا حديث حسن لأنه قد يصح الإسناد أو يحسن لثقة رجاله دون المتن لشذوذ او علة فإن اقتصر على ذلك إمام معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه لأن الأصل هو عدم الشذوذ والعلة
وقال بعض العلماء الذي لا يشك فيه أن الإمام منهم لا يعدل عن قوله صحيح إلى قوله صحيح الإسناد إلا لأمر ما وعلى كل حال فالتقييد بالإسناد ليس صريحا في صحة المتن أو ضعفه
ويشهد لعدم التلازم ما رواه النسائي من حديث أبي بكر بن خلاد عن محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة تسحروا فإن في السحور بركة قال هذا حديث منكر وإسناده حسن
وقد أورد الحاكم في مستدركه غير حدث يحكم على إسناده بالصحة وعلى

المتن بالوهاء لعلته أو شذوذه وقد فعل نحو لك كثير من المتقدمين وممن فعل ذلك من المتأخرين الحافظ المزي فإنه تكرر منه الحكم بصلاحية الإسناد ونكارة المتن
وزيادة راوي الصحيح والحسن تقبل مطلقا إن لم تكن منافية لرواية من لم يذكرها لأنها حينئذ كالحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره فإن كانت منافية لها بحيث يلزم قبولها رد الرواية الأخرى بحث عن الراجح منهما فإن كان الراجح منهما رواية من لم يذكر تلك الزيادة لمزيد ضبطه أو كثرة عدده أو غير ذلك من موجبات الرجحان ردت تلك الزيادة وإن كان الراجح منهما رواية من ذكر تلك الزيادة قبلت وإن لم ترجح إحداهما على الأخرى بوجه ما وهو نادر اختلف في ذلك فقال بعضهم تقبل وقال بعضهم يتوقف فيها
وقد اشتهر عن جمع من العلماء إطلاق القول بقبول زيادة الثقة مع أن قبولها مقيد بما ذكر آنفا ولعلهم إنما سكتوا عن ذلك اكتفاء بما ذكروا في تعريف الصحيح والحسن من اعتبار السلامة من الشذوذ فيهما وفسروا الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه فلو قبلوا زيادة الثقة مع منافاتها لرواية من هو أوثق منه كانوا قد أخلوا بما شرطوه من السلامة من الشذوذ وفي ذلك من التناقض الجلي ما لا يخفى على أمثالهم
وأما الذين لم يطلقوا القول في قبول زيادة الثقة فكثير منهم من أئمة الحديث المتقدمين عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني فقد نقل عنهم اعتبار الترجيح في الزيادة وغيرها
ومنهم ابن خزيمة فإنه قيد قبول الزيادة باستواء الطرفين في الحفظ والإتقان فإن كان الساكت عددا أو واحدا أحفظ منه أو لم يكن هو حافظا وإن كان صدوقا فإن الزيادة لا تقبل

وقد نحا نحوه ابن عبد البر فإنه قال في التمهيد إنما تقبل الزيادة إذا كان راويها أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ فإن كانت من غير حافظ ولا متقن فلا التفات إليها
ومنهم ابن السمعاني فإنه قيد القبول بما إذا لم يكن الساكتون ممن لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة أو لم تكن مما تتوفر الدواعي على نقله
وقد وقع في رسالة الإمام الشافعي في الأصول ما يشير إلى أن زيادة الثقة ليست مقبولة عنده مطلقا فإنه قال في أثناء كلامه على ما يعتبر به حال الراوي في الضبط ما نصه وسكون إذا شرك أحدا من الحفاظ لم يخالفه فإن خالفه فوجد حديثه أنقص كان في ذلك دليل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما وصفت أضر ذلك بحديثه ا هـ
فقد جعل زيادة العدل الذي يختبر ضبطه غير مقبولة إذا خالفت رواية الحافظ بل مضرة بحديثه لدلالتها على قلة ضبطه وتحريه بخلاف نقصه من الحديث لدلالته على تحريه فإذا كانت زيادة العدل الذي لم يعرف ضبطه بعد غير مقبولة إذا خالفت رواية الحافظ تكون زيادة الثقة غير مقبولة إذا خالفت رواية من هو أوثق منه رعاية للراجح في الموضعين
فإن تصورت أن نسبة العدل الذي لم يعرف ضبطه بعد إلى الحافظ ليست كنسبة الثقة إلى من هو أوثق منه بل بينهما فرق ظاهر فافرض المسألة في حديث ورد من طريقين رجال أحدهما من الدرجة العليا في رواة الصحيح ورجال الآخر من الدرجة الدنيا في رواة الحسن غير أنه وقعت في روايتهم زيادة منافية لما وقع في الرواية الأخرى التي إسنادها من أعلى الأسانيد فهل تتصور أن من يرد الزيادة في المسألة السابقة يتوقف في رد الزيادة هنا وبما ذكرنا يظهر لك قوة ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من دلالة كلام الإمام الشافعي على أن زيادة الثقة ليست مقبولة عنده مطلقا

الشاذ والمحفوظ والمنكر والمعروف

اختلفوا في حد الحديث الشاذ فقال جماعة من علماء الحجاز هو ما روى الثقة مخالفا لما رواه الناس وعبارة الشافعي في ذلك ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وهو مشعر بأن المخالفة الثقة لمن هو أرجح منه وإن كان واحدا كافية في الشذوذ
وقال أبو يعلى الخليلي الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به فلم يشترط في الشاذ تفرد الثقة بل مطلق التفرد
وقال الحاكم الشاذ هو الحديث الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة فلم يشترط فيه مخالفة الناس وذكر أنه يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه من إدخال حديث في حديث أو وهم راو فيه أو وصل مرسل ومحو ذلك والشاذ لم يوقف فيه على علة لذلك
قال بعض العلماء وهذا مشعر بأنه أدق من المعلل فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن وكان في الذروة العليا من الفهم الثاقب والحفظ الواسع
ومن أوضح أمثلته ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد بن غنام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح

كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى وقال صحيح الإسناد قال البيهقي عندهما والشذوذ مناف للصحة كما عرفت في حد الصحيح مع أن في الصحيحين أحاديث كثيرة ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وذلك كحديث إنما الأعمال بالنيات وحديث النهي عن بيع الولاء وهبته وغير ذلك
وقد ذكر ابن الصلاح في أمر الشاذ تفصيلا أورده بعد ان أنكر على الخليلي والحاكم ما أتيا به من الإطلاق فيه فقال
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما تفرد به شاذا مردودا وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في ذلك الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا عن حيز الصحيح
ثم هو بعد ذلك دائر مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وغن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان أحدهما الحديث الفرد المخالف والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف ا هـ
وقد حاول بعضهم الجواب عن الحاكم فقال إن مقتضى كلامه أن في الصحيح الشاذ وغير الشاذ فلا يكون الشذوذ عنده منافيا للصحة فقال إن مقتضى كلامه أن في الصحيح الشاذ وغير الشاذ فلا يكون الشذوذ عنده منافيا للصحة مطلقا ويدل على ذلك أنه ذكر في أمثلة الشاذ حديثا أخرجه البخاري في صحيحه من الوجه الذي حكم عليه

بالشذوذ ويؤيد ذلك ما ذكره الحاكم في الشاذ من أنه ينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على لك وما في الصحيحين من ذلك ليس مما ينقدح في نفس الناقد أنه غلط
وأما الخليلي فإن الجواب عنه وإن كان ليس سهلا كالجواب عن الحاكم فإنه يمكن أن يقال إنه ليس في كلامه ما يمنع تسمية ما ذكر من الأحاديث السابقة ونحوها صحيحا ولا ينافي ذلك قوله إنه يتوقف فيه ولا يحتج به ألا ترى أنهم يقولون إن الحديثين الصحيحين إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح أحدهما على الآخر توقف فيهما فالتوقف في الحديث لعارض لا يمنع من تسميته صحيحا
والشذوذ ونحوه يطلق غالبا على ما يتعلق بالمتن لوجود ما يقتضي لك فيه أو في طريقة وقد يطلق على ما يتعلق بالمتن أو السند وعليه يقال الشذوذ هو مخالفة الثقة لمن هو أرجح منه سواء كانت بالزيادة أو النقص في المتن أو السند
مثال الشذوذ في المتن ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه
قال البيهقي خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه من فعل النبي صلى الله عليه و سلم لا من قوله وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ
ومن أمثلة الشاذ من الأحاديث حديث يوم عرفة وأيام التشريق أيام أكل وشرب فإن المحفوظ في ذلك إنما هو أيام التشريق أيام أكل وشرب وقد جاء الحديث من جميع الطرق على هذا الوجه
وأما زيادة يوم عرفة فيه فإنما بها موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر غير أن هذا الحديث وهو حديث موسى قد حكم بصحته ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال إنه على شرط مسلم والترمذي وقال إنه حسن

صحيح وكأنهم جعلوها من قبيل زيادة الثقة التي ليس فيها شيء من المنافاة لإمكان حملها علا حاضري عرفة فإن الصوم مكروه لهم في ذلك اليوم وغن كان مستحبا لغيرهم
ومثال الشذوذ في السند ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل له أحد فقالوا لا إلا غلام أعتقه فجعل صلى الله عليه و سلم ميراثه له فإن حماد بن زيد رواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره فقال أبو حاتم المحفوظ حديث ابن عيينة مع كون حماد من أهل العدالة والضبط ولكن رجح رواية من هم أكثر عددا منه
هذا من قبيل في الشاذ ويقال لمقابله وهو الراجح من متن أو سند المحفوظ وفي تسمية بذلك إشارة إلى أن الشاذ لما كان أقرب إلى وقوع الخطأ والوهم فيه من مقابله الراجح عليه بمنزلة غير المحفوظ
والمعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح أنه ما يرويه الثقة مخالفا لمن هو أرجح منه
وأما المنكر فقد اختلف أيضا في حده والمعتمد فيه بحسب الاصطلاح أنه ما يرويه غير الثقة مخالفا لمن هو أرجح منه
فهما متباينان لا يصدق أحدهما على شيء مما يصدق عليه الآخر وهما يشتركان في اشتراط المخالفة ويمتاز الشاذ عنه بكون راويه ثقة ويمتاز المنكر عن الشاذ بكون راويه غير ثقة
وقال بعض أهل الأثر إذا تفرد الصدوق بما لا متابع له فيه ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في الصحيح ولا الحسن قيل لما تفرد به شاذ

وهذا هو أحد القسمين منه فإن خولف مع ذلك كان ما تفرد به أشد في الشذوذ وربما سماه بعضهم منكرا وإن كان عنده من الضبط ما يشترط في الصحيح أو الحسن لكنه خالف من هو أرجح منه قيل لما تفرد به شاذ وهذا هو القسم الثاني من الشاذ وهذا هو الذي شاع إطلاق اسم الشاذ عليه
وإذا تفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه خاصة أو نحوهم ممن لا يحكم لحديثهم بالقبول بغير عاضد يعضده بما لا متابع له وشاهد قيل لما تفرد به منكر وهذا هو أحد قسمي المنكر وهو الذي وجد إطلاق المنكر عليه لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي
فإن خولف مع ذلك كان ما تفرد به أجدر بإطلاق اسم المنكر عليه مما قبله وهذا هو القسم الثاني من المنكر وهو الذي شاع عند الأكثرين إطلاق اسم المنكر عليه
وذكر مسلم في مقدمة صحيحة ما نصه وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحدث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ولم تكد توافقها فإن الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة ا هـ
قال الحافظ ابن حجر والرواة الموصوفون بهذا هم المتركون فعل هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة وهذا هو المختار وجعل ابن الصلاح المنكر بمعنى الشاذ وسوى بينهما وقسم الشاذ كما ذكرنا ذلك آنفا إلى قسمين وأشار إلى التسوية بينهما في بحث المنكر حيث قال
بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي أنه قال المنكر هو الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه

التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ وعند هذا نقول المنكر ينقسم إلى قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه ا هـ
وقد أنكر عليه بعض العلماء التسوية بينهما وانتصر له بعضهم فقال قد أطلقوا في غير موضع النكارة على رواية الثقة مخالفا لغيره ومن ذلك حديث نزع الخاتم حيث قال أبو داود هذا حديث منكر مع أنه من رواية همام بن يحيى وهو ثقة احتج به أهل الصحيح وفي عبارة النسائي ما يفيد في هذا الحديث بعينه أنه يقابل المحفوظ والمعروف ليسا بنوعين حقيقين تحتهما أفراد مخصوصة عندهم
وأجيب بأن الأولى في مراعاة الأكثر الغالب في الاستعمال عند جمهور أهل الاصطلاح هذا ما قيل في المنكر
ويقال لمقابله وهو الراجح من متن أو سند المعروف
مثال المنكر من جهة المتن ما رواه النسائي وابن ماجة من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أو رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول غاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق
قال النسائي هذا حديث منكر تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف فقال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان لا يحتج به وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال ابن عدي أحاديثه مستقيمة سوى أربعة عد منها هذا

ومثال المنكر من جهة الإسناد ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن بان عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أقام الصلاة وآتى الكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة
قال أبو حاتم هو منكر لأن غير حبيب من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا وهو المعروف
وينقسم المقبول أيضا إلى مأخوذ به وغير مأخوذ به وذلك لأنه لا يخلو من أن يسلم من معارضة حديث آخر يضاده أولا
فإن سلم من ذلك قيل له المحكم وحكمه الأخذ بلا توقف وأمثلته كثيرة منها لا يقبل الله صلاة بغير طهور وحديث إنما الأعمال بالنيات
وإن لم يسلم من معارضة حديث آخر يضاده فلا يخلو من أن يكون معارضه مقبولا أولا فإن كان غر مقبول فالحكم للمقبول إذ لا حكم للضعيف مع القوي وإن كان مقبولا فلا يخلو من أن يمكن بينهما بغير تعسف أولا فإن أمكن الجمع بينهما بغير تعسف أخذ بهما معا لظهور أن لا تضاد بينهما عند إمعان النظر ونما هو بالنظر لما يبدو في أول وهلة ويقال لهذا النوع مختلف الحديث وللجمع بين الأحاديث المختلفة فيه تأويل مختلف الحديث وهو أمر لا يقوم به حق القيام غير أفراد من العلماء الأعلام الذين لهم براعة في أكثر العلوم لا سيما الحديث والفقه والأصول والكلام وللإمام الشافعي فيه مصنف جليل من جملة كتب الأم وهو أول من صنف في ذلك
قال ابن الصلاح وإنما يكمل للقيام بمعرفة مختلف الحديث الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه الغواصون على المعاني الدقيقة واعلم أن ما يذكر في

هذا الباب ينقسم إلى قسمين
أحدهما أن يمكن الجمع بين الحديثين ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيهما فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك القول بهما معا ومثاله حديث لا عدوى ولا طيرة مع حديث لا يورد ممرض على مصح وحديث فر من المجذوم فرارك من الأسد
ووجه الجمع بينهما أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه بمرضه ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب
ففي الحديث الأول نفى صلى الله عليه و سلم ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن ذلك يعدي بطبعه ولهذا قال فمن أعدى الأول وفي الثاني أعلم بأن الله سبحانه جعل ذلك سببا لذلك ولهذا الحديث أمثال كثيرة وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى إن لم يكن قد أحسن فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه قصر باعه فيها وأتى بما غيره أولى وأقوى
وقد روينا عن محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام أنه قال لا أعرف أنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما
القسم الثاني أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما وذلك على ضربين أحدهما أن يظهر كون أحدهما ناسخا والاخر منسوخا فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ
والثاني أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ أيهما والمنسوخ أيهما فيفزع حينئذ إلى الترجيح ويعمل بالأرجح منهما والأثبت كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر ولتفصيلها موضع غير هذا ا هـ
وإنما شرطوا في مختلف الحديث ان يمكن فيه الجمع بغير تعسف لأن الجمع

مع التعسف لا يكون إلا بحمل الحديثين المتعارضين معا أو أحدهما على وجه لا يوافق منهج الفصحاء فضلا عن منهج البلغاء في كلامهم فكيف يمكن حينئذ نسبة ذلك إلى أفصح الخلق على الإطلاق ولذلك جعلوا هذا في حكم ما لا يمكن فيه الجمع وقد ترك بعضهم ذكر هذا القيد اعتمادا على كونه مما لا يخفى
وقد أنكر كثير من المحققين كل تأويل بعيد وإن لم يتبين فيه التعسف حتى توقفوا في كثير من الأخبار التي رواها الثقات لأمر دعاهم إلى ذلك مع انهم لو أولوها كما فعل غيرهم لزال سبب التوقف ولكن لما رأوا التأويل فيها لا يخلو عن بعد لم يلتفتوا إليه ومنهم العلامة تقي الدين بن تيمية فإنه مع كونه كابن حزم في شدة الميل إلى التمسك بالآثار متى لاحت عليها أمارة من أمارت الصحة
حكم بغلط الراوي في رواية وأنه ينشئ للنار خلقا وذلك في حديث تخاصم الجنة والنار إلى ربهما المذكور في البخاري في باب إن رحمة الله قريب من المحسنين وقال إن الصواب في ذلك ما رواه في موضع آخر وهو وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا غير أن الراوي سبق لسانه إلى النار عوضا عن الجنة
مع أن كثيرا من العلماء ذهبوا إلى تأويله مع معارضته في الظاهر لقوله سبحانه وتعالى ( ولا يظلم ربك أحدا ) وذلك للتخلص من نسبة الغلط إلى الراوي فقال بعضهم المراد بالخلق ما يكون من غير ذوي الأرواح وذلك كأحجار تلقي في النار وذلك لئلا يلزم أن يعذب أحد بغير ذنب وقال بعضهم لا مانع أن يكون المنشأ للنار من ذوي الأرواح غير أنهم لا يعذبون بها وذلك كما في خزنتها من الملائكة وثم تأويلات أخرى لا يليق ذكرها إلا بمن لا يعرف قدر القول الفصل
وحكم بوهم الراوي في زيادة ولا يرقون وفي الحديث الذي ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب إنهم لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى

ربهم يتوكلون وهذه الزيادة وهي ولا يرقون وقعت في إحدى روايات مسلم
واستدل على كونها وهما بكون الراقي محسنا إلى أخيه وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم وقد سئل عن الرقي من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه وقال لا بأس بالرقي ما لم يكن شركا
وجعل الفرق بين الراقي والمسترقي أن الراقي محسن نافع والمسترقي ملتفت إلى غير الله بقلبه مع انه يمكن تخصيص الراقي هنا بمن كان معتمدا على رقيته معتقدا عظم نفعها للمسترقي ملتفتا إلى ذلك كما هو مشاهد في بعض الرقاة عرف أخذ به وكان هو الناسخ والآخر هو المنسوخ
مثال ذلك ما رواه مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال إنما جعل الله الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون
وما رواه مالك أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في مرضه فأتى أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن كما أنت فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر ا هـ
فلما كانت صلاة النبي صلى الله عليه و سلم قاعدا والناس خلفه قياما في

مرضه الذي مات فيه عرفنا أن أمره الناس بالجلوس في سقطته عن الفرس كان قبل ذلك فتكون صلاته قاعدا والناس خلفه قياما ناسخة لأن يجلس الناس بجلوس الإمام وموافقة لما أجمع عليه الناس من أن الصلاة قائما إذا أطاقها المصلي وقاعدا إذا لم يطق ذلك وأن ليس للمطيق القيام منفردا أن يصلي قاعدا فيصلي المريض خلف الإمام الصحيح قاعدا والإمام قائما ويصلي الإمام المريض جالسا ومن خلفه من الأصحاء قياما يصلي كل منهما فرضه كما لو كان منفردا ولو استخلف الإمام غيره كان حسنا
وقد وهم بعض الناس وقال لا يؤمن أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم جالسا واحتج بحديث رواه منقطعا عن رجل مرغوب عن الرواية عنه لا يثبت بمثله حجة على أحد فيه لا يؤمن أحد بعدي جالسا
وإن كان متعلق الحديثين مما لا يمكن وقوع النسخ فيه كالخبر المحض أو كان مما يمكن وقوع النسخ فيه كالأمر والنهي ولكن لم يعرف المتأخر منهما نظر في المرجحات فإن وجد في أحدهما ما يقتضي رجحانه على الآخر أخذ به وترك الآخر فإن لم يوجد ذلك وجب التوقف فيهما
أما القسم الأول وهو ما لا يمكن وقوع النسخ فيه فلأن التعارض فيه بين الحديثين إنما يكون بالتناقض والتناقض بين الخبرين يدل على أن أحدهما كذب قطعا تفلا يكون صادرا من النبي صلى الله عليه و سلم ولما كان غير متعين وجب التوقف في كل منهما في أمر الدين وأمر التوقف هنا مما لا يظن أنه توقف فيه أحد يعرف
وقد بلغ الإفراط في الاحتياط ببعض المعتزلة وهو أبو بكر بن كيسان الأصم البصري إلى أن قال كما ذكره ابن حزم لو أن مئة خبر ثبت أنها كلها صحاح إلا واحد منها لا يعرف بعينه أيها هو فإن الواجب التوقف عن جميعها
وأما القسم الثاني وهو ما يمكن وقوع النسخ فيه فلأن التعارض فيه بين

الحديثين لما لم يوقف على طريق إزالته وهو معرفة الناسخ منهما أو الراجح تعين المصير إلى التوقف لعدم وجود طريق إلى غير ذلك
وأما الجمع بينهما فغير ممكن لإفضائه إلى التكليف بالمحال وقيل بالتخيير وقيل غير ذلك
ومبحث التعارض والترجيح من أهم مباحث أصول الفقه وأصبعها وقد أطلق العلماء في ميدانه الفسيح الأرجاء أعنة أقلامهم فمن أراد الاستيفاء فعليه بالكتب المبسوطة فيه غير أنه ينبغي له أن يختار منها الكتب التي لأربابها براعة في نحو الأصول

فوائد تتعلق بمبحث التعارض والترجيح

الفائدة الأولى

ذهب كثير من العلماء إلى أنه يمتنع أن يرد في الشرع متكافئان في نفس الأمر بحيث لا يكون لأحدهما مرجح مع تعارضهما من كل وجه وبه قال العنبري وابن السمعاني وقال هو مذهب الفقهاء وحكاه عن أحمد بن حنبل القاضي وأبو الخطاب من أصحابه وهو المنقول عن الشافعي
قال الصيرفي في شرح الرسالة صرح الشافعي بأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ وإن لم نجده
وذهب الأكثرون إلى أن ذلك غير ممتنع بل هو جائز وواقع وقد اختلفوا على فرض وقوع التعادل في نفس الأمر مع عجز المجتهد عن الترجيح بينهما وعدم وجود دليل آخر فقيل إنه يخير وقيل إن الدليلين يتساقطان ويطلب الحكم من موضع آخر أو يرجع إلى عموم أولي البراءة الأصلية ونقل ذلك عن أهل

الظاهر وأنكر على ابن حزم نسبته إليهم وقال إنما هو قول بعض شيوخنا وهو خطا بل الواجب الأخذ بالزائد إذا لم يقدر على استعمالهما جميعا
وقيل إن كان التعارض بين حديثين تساقطا ولا يعمل بواحد منهما وإن كان بين قياسين يخير بينهما
وقيل بالتوقف واستبعده بعضهم وقال كيف يتوقف لا إلى غاية وأمد إذ لا يرجى فيه ظهور الرجحان وإلا لم يكن مما فرض فيه التعادل في نفس الأمر بخلاف ما فيه التعادل بالنظر إلى ظاهر الحال فإنه يرجى فيه ظهور المرجح فيعقل التوقف فيه إلى أن يظهر المرجح
وقيل يؤخذ بالأشد وقيل يصار إلى التوزيع إن أمكن تنزيل إحدى الأمارتين على أمر والأمارة الأخرى على أمر آخر
وقيل إن الحكم فيه كالحكم قبل ورود الشرع فتجيئ فيه الأقوال المشهورة في ذلك
وقد نسب القول المذكور وهو القول بتكافؤ الأدلة إلى القائلين بأن كل مجتهد مصيب ولذا قال بعض العلماء إن الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يتعين عند من يقول إن المصيب في الفروع واحد وأما من يقول إن كل مجتهد مصيب فلا يتعين عنده الترجيح لاعتقاده أن الكل صواب
وقد أنكر كثير من العلماء هذا القول
قال العلامة أبو إسحاق إبراهيم الشاطبي في كتاب الموافقات التعارض إما أن يعتبر من جهة ما في نفس الأمر وإما من جهة نظر المجتهد
أما من جهة ما في نفس الأمر فغير ممكن بإطلاق وقد مر آنفا في كتاب الاجتهاد من ذلك في مسألة أن الشريعة على قول واحد ما فيه كفاية

وأما من جهة نظر المجتهد فممكن بلا خلاف إلا أنهم إنما نظروا فيه بالنسب إلى كل موضع لا يمكن فيه الجمع بين الدليلين وهو صواب فإنه إن أمكن الجمع فلا تعارض كالعام مع الخاص والمطلق مع القيد وأشباه ذلك
وقال في كتاب الاجتهاد في المسألة الثالثة الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف كما أنها في أصولها كذلك
والدليل عليه أمور
أحدها أدلة القرآن من ذلك قوله تعالى ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) فنفى أن يقع فيه الاختلاف البتة ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلى الشريعة كثيرة كلها قاطع في أنها لا اختلاف فيها
الثاني أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ إنما هو فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال وإلا لما كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا والفرض خلافة
فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لإثبات الناسخ والمنسوخ من غير نص قاطع فيه فائدة وكان الكلام في ذلك كلاما فيما لا يجني ثمرة إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما ابتداء ودواما استنادا إلى أن الاختلاف أصل من أصول الدين لكن هذا باطل بإجماع على أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة وهكذا القول في كل دليل مع معارضة كالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد وما أشبه ذلك
الثالث أنه لو كان في الشريعة مساغ للخلاف لأدى إلى تكليف ما لا يطاق

لأن الدليلين إذا فرضنا تعارضهما وفرضناهما مقصودين معا للشارع فإما أن يقال إن المكلف مطلوب بمقتضاهما أو لا أو مطلوب بأحدهما دون الآخر والجميع غير صحيح
فالأول يقتضي افعل لا تفعل لمكلف واحد من وجه واحد وهو عين التكليف بما لا يطاق
والثاني باطل لأنه خلاف الفرض إذ الفرض توجه الطلب بهما فلم يبق إلا الأول فليزم منه ما تقدم لا يقال إن الدليلين بحسب شخصين أو حالين لأنه خلاف الفرض وهو أيضا قول واحد لا قولان لأنه إذا انصرف كل دليل إلى جهة لم يكن ثم اختلاف وهو المطلوب
الرابع أن الأصوليين اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكن الجمع وأنه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين جزافا من غير نظر في ترجيحه على الآخر والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على ثبوت الخلاف أصلا شرعيا لصحة وقوع التعارض في الشريعة لكن لك فاسد فما أدى إليه مثله
الخامس أنه شيء لا يتصور لأن الدليلين المتعارضين إذا قصدهما الشارع مثلا لم يحصل مقصوده لأنه إذا قال في الشيء الواحد افعل لا تفعل فلا يمكن أن يكون المفهوم منه طلب الفعل لقوله لا تفعل لقوله لا تفعل ولا طلب تركه لقوله افعل فلا يحصل للمكلف فهم التكليف فلا يتصور توجهه على حال والأدلة على ذلك كثيرة لا يحتاج فيها إلى التطويل انتهى باختصار قليل ثم أورد بعد ذلك اعتراضات من طرف المخالفين وأجاب عنها

وقال الفخر في المحصول اختلفوا في أنه هل يجوز تعادل الأمارتين فمنع الكرخي منه مطلقا وجوزه الباقون
ثم المجوزون اختلفوا في حكمه عند وقوعه فعند القاضي أبي بكر منا وأبي علي وأبي هاشم من المعتزلة حكمه التخيير وعند بعض الفقهاء حكمه أنهما يتساقطان ويجب الرجوع إلى مقتضى العقل
والمختار أن نقول تعادل الأمارتين إما أن يقع في حكمين متنافيين والفعل واحد وهو كتعارض الأمارتين على كون الفعل قبيحا ومباحا وواجبا وإما أن يكون في فعلين متنافيين والحكم واحد نحو وجوب التوجيه إلى جهتين قد غلب في ظنه أنهما جهة القبلة
أما القسم الأول فهو جائز في الجملة لكنه غير واقع في الشرع
إما أنه جائز في الجملة فلأنه يجوز أن يخبرنا رجلان بالنفي والإثبات وتستوي عدالتهما وصدق لهجتهما بحيث لا يكون لأحدهما مزية على الآخر
وأما أنه في الشرع غير واقع فالدليل عليه أنه لو تعادلت أمارتان على كون هذا الفعل محظورا أو مباحا فإما أن يعمل بهما معا أو يتركا معا أو يعمل بأحدهما دون الثانية وهو محال لأنهما لما كانتا في نفسيهما بحيث لا يمكن العمل بهما البتة كان وضعهما عبثا والعبث غير جائز على الله تعالى
وأما الثالث وهو أن يعمل بإحداهما دون الأخرى فإما أن يعمل بإحداهما على التعيين أولا على التعيين والأول باطل لأنه ترجيح من غير مرجح فيكون ذلك قولا في الدين بمجرد التشهي وإنه غير جائز والثاني أيضا باطل لأنا إذا خيرناه بين الفعل والترك فقد أبحنا له الفعل فيكون ترجيحا لأمارة الإباحة بعينها على أمارة الحظر ولك هو القسم الذي تقدم إبطاله فثبت أن القول بتعادل الأمارتين في

حكمين متنافيين والفعل واحد يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة فوجب ان يكون باطلا
ثم قال وأما القسم الثاني وهو تعادل الأمارتين في فعلين متنافيين والحكم واحد فهذا جائز ومقتضاه التخيير والدليل على جوازه وقوعه في صور
إحداها قوله عليه الصلاة و السلام في زكاة الإبل في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فمن ملك مئتين فقد ملك أربع خمسينات وخمس أربعينات فإن أخرج الحقات فقد أدى الواجب إذ عمل بقوله في كل خمسين حقه وإن اخرج بنات اللبون فقد عمل بقوله في كل أربعين بنت لبون وليس أحد اللفظين أولى من الآخر
وثانيتها من دخل الكعبة فله أن يستقبل أي جانب منها شاء لأنه كيف فعل فهو مستقبل شيئا من الكعبة
وثالثتها أن الولي إذا لم يجد من اللبن لا ما يسد رمق أحد رضيعيه ولو قسمه عليهما أو منعهما لماتا ولو سقى أحدهما مات الآخر فها هنا هو مخير بين أن يسقي هذا فيهلك ذاك أو ذاك فيهلك هذا ولا سبيل التخيير
ورابعتها أن ثبوت الحكم في الفعليين المتنافيين نفس إيجاب الضدين وذلك يقتضي إيجاب فعل الضدين كل واحد منهما بدلا من الآخر
واحتج الخصم على فساد التخيير بأن أمارة وجوي كل واحد من الفعلين اقتضت وجوبه على وجه لا يسوغ الإخلال به والتخيير بينه وبين ضده يسوغ الإخلال به فالقول بالتخيير مخالف لمقتضى الأمارتين معا
والجواب أن اارة وجوب الفعل تقتضي وجوبه قطعا فأما المنع من الإخلال به على كل حال فموقوف على عدم الدلالة على قيام غيره مقامه وإذا كان كذلك لم يكن التخيير مخالفا لمقتضى الأمارتين ا هـ

وقد اعترض على الفخر في هذا الموضع بعض من يقول بوقوع التعارض في كلام الشارع على جهة التكافؤ فأتى بما لا يخرج عن دائرة الخيال واكتفى بذلك عن الإتيان بمثال

الفائدة الثانية

قد ذكر ابن حزم في كتاب الإحكام في أصول الأحكام مبحث التعارض وبين فيه مسلكه فأحببت إيراد ما ذكره على طريق التلخيص قال

فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص

قال علي إذا تعارض الحديثان أو الآيتان أو الآية والحديث فيما يظن من لا يعلم ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك لأنه ليس بعض ذلك بأولى بالاستعمال من بعض ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ولا آية أولى بالطاعة من آية أخرى مثلها كل من عند الله عز و جل وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال
قال علي ولا خلاف بين المسلمين في أنه لا فرق بين وجوب طاعة قول الله عز و جل ( وأقيموا الصلاة ) وبين وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمره أن يصلي المقيم ظهرا والمسافر ركعتين وأنه ليس ما في القرآن من ذلك بأوجب ولا أثبت مما جاء من ذلك منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه و سلم وإن كانوا قد اختلفوا في كيفية الطريق التي بها يصح النقل فقط
فإذا ورد النصان كما ذكرنا فلا يخلو ما يظن به التعارض منهما وليس تعارضا من أحد أربعة أوجه لا خامس لها
الوجه الأول أن يكون أحدهما أقل معاني من الآخر أو يكون أحدهما حاظرا والآخر مبيحا أو يكون أحدهما موجبا والآخر نافيا فالواجب ها هنا أن يستثنى الأقل معاني من الأكثر معاني وذلك

3 - ثل امر الله عز و جل بقطع يد السارق والسارقة جملة مع قوله عليه الصلاة و السلام لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا فوجب استثناء سارق أقل من ربع دينار من القطع وبقي سارق ما عدا ذلك على وجوب القطع عليه
ومثل قوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) مع إباحته المحصنات من نساء أهل الكتاب بالزواج فكن بذلك مستثنيات من جملة المشركات وبقي سائر المشركات على التحريم
ومثل أمره عليه الصلاة و السلام أن لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت وأذن للحائض أن تنفر قبل أن تودع فوجب استثناء الحائض من جملة النافرين
فقد رأينا في هذا المسائل استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني ولا نبالي في هذا الوجه كنا نعلم أي النصين ورد أولا أو لا نعلم ذلك وسواء كان الأكثر معاني ورد أولا أو ورد آخرا كل ذلك سواء ولا يترك واحد منهما للآخر ولكنهما يستعملان معا كما ذكرنا
الوجه الثاني أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر فهذا يظنه قوم تعارضا وتحيروا في ذلك فأكثروا وخبطوا العشواء وليس في شيء من ذلك تعارض وقد بينا غلطهم في هذا الكتاب في كلامنا في باب دليل الخطاب وذلك مثل قوله عز و جل ( وبالوالدين إحسانا ) وقوله في موضع آخر ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) فكان أمره تعالى بالإحسان إلى الوالدين غير معارض للإحسان إلى سائر الناس وإلى البهائم بل هو بعضه وداخل في جملته
وقد غلط قوم في هذا الباب فظنوا قوله عليه الصلاة و السلام في سائمة الغنم كذا معارضا لقوله في مكان آخر في كل أربعين شاة وليس كما ظنوا بل الحديث الذي فيه ذكر السائمة هو بعض الحديث الآخر وداخل في عمومه والزكاة واجبة في السائمة بالحديث الذي فيه ذكر السائمة وبالحديث الآخر معا والزكاة واجبة في غير السائمة بالحديث الآخر خاصة

وكذلك غلط قوم آخرون فظنوا قوله تعالى ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) معارضا لقوله تعالى ( فكلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) ولقوله تعالى ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم )
وظن قوم أن قوله تعالى ( أو دما مسفوحا ) معارض لقوله تعالى لا ( حرمت عليكم الميتة والدم ) وليس كذلك على ما قدمنا قبل لأنه ليس في شيء من النصوص التي ذكرنا نهي عما في الآخر
ليس في حديث السائمة نهي عن أن يزكي غير السائمة ولا أملا بها فحكمها مطلوب من غير حديث السائمة
ولا في إخباره تعالى بأنه خلق الخيل لتركب وزينة نهي عن أكلها وبيه \ عها ولا إباحة لهما فحكمهما مطلوب من مكان آخر
ولا في تحريمه تعالى الدم المسفوح إخبار بأن ما عدا المسفوح حلال بل هو كله حرم بالآية الأخرى كما قلنا إنه ليس في أمره تعالى بالإحسان إلى الآباء نهي عن الإحسان إلى غيرهم ولا أمر به فحكم الإحسان إلى غير الآباء مطلوب من مكان آخر ومن فرق بين شيء من هذا الباب فقد تحكم بلا دليل وتكلم بالباطل بغير علم ولا هدى من الله تعالى قال علي فهذا وجه
والوجه الثالث أن يكون أحد النصين فيه أمر بعمل ما معلق بكيفية ما أو بزمان ما أو مكان ما أو شخص ما أو عدد ما ويكون في النص الآخر نهي عن عمل ما بكيفية ما أو في زمان ما أو مكان ما أو عدد ما أو عذر ما ويكون في كل واحد من العملين المذكورين اللذين أمر بأحدهما ونهي عن الآخر شيء ما يمكن أن يستثنى من الآخر وذلك بأن يكون على ما وصفنا في كل نص من النصين المذكورين حكمان فيكون بعض ما ذكر في أحد النصين عاما

لبعض ما ذكر في النص الآخر ولأشياء أخر معه ويكون الحكم الثاني الذي في النص الثاني عاما أيضا لبعض ما ذكر في هذا النص الآخر ولأشياء أخر معه
قال علي وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص ومن أغمضه وأصعبه ونحن بمثل من ذلك أمثلة تعين بحول الله وقوته على فهم هذا المكان اللطيف ليعلم طالب العلم الحريص عليه وجه العمل في ذلك إن شاء الله عز و جل وما وجدنا أحدا قبلنا شغل باله في هذا المكان بالشغل الذي يستحقه هذا الباب فإن الغلط والتناقض يكثر فيه جدا إلا من سدده الله بمنة ولطفه لا إله لا هو
فمن ذلك أمره عليه الصلاة و السلام بالإنصات للخطبة وفي الصلاة مع قوله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها ) فنظرنا في النصين المذكورين فوجدنا الإنصات عاما يشمل كل كلام سلاما كان أو غيره ووجدنا ذلك في وقت خاص وهو وقت الخطبة والصلاة ووجدنا في النص الثاني إيجاب رد السلام وهو بعض الكلام في كل حالة على العموم
فقال بعض العلماء معنى ذلك أنصت إلا عن السلام الذي أمرت بإفشائه ورده في الخطبة وقال بعضهم رد السلام وسلم إلا أن تكون منصتا للخطبة أو في الصلاة
قال علي فليس أحد الاستثنائين أولى من الثاني فلا بد من طلب الدليل من غيرهما وقال وغنما صرنا إلى إيجاب رد السلام وابتدائه في الخطبة دون الصلاة لأن الصلاة قد ورد فيها نص بين بأنه عليه الصلاة و السلام فيها فلم يرد بعد أن كان يرد وأنه سئل عن ذلك فقال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه أحدث أن لا تكلموا في الصلاة أو كلاما هذا معناه
وليس امتناع رد السلام في الصلاة موجبا أن لا يرد أيضا في الخطبة لأن الخطبة ليست صلاة ولم يلزم فيها استقبال القبلة ولا شيء مما يلزم في الصلاة وأما

الخطبة فإنا نظرنا في أمرها فوجدنا المعهود والأصل إباحة الكلام جملة ثم جاء النهي عن الكلام في الخطبة وجاء الأمر برد السلام واجبا فكان النهي عن الكلام زيادة عل معهود الأصل وشريعة واردة قد تيقنا لزومها وكان رد السلام وإفشاؤه أقل معاني من النهي عن الكلام فوجب استثناؤه فصرنا بهذا إلى الترتيب الذي ذكرنا القسم الأول منه آنفا
قال علي ونقول قطعا إنه لا بد ضرورة في كل ما كان هكذا من دليل قائم بين البرهان على الصحيح من الاستثنائين والحق من الاستعمالين لأن الله قد تكفل بحفظ دينه فلو لم يكن ها هنا دليل لائح وبرهان واضح لكان ضمان الله خائنا وهذا كفر لمن أجازه فصح أنه لا بد من وجوده لمن يسره الله تعالى لفهمه وبالله التوفيق
الوجه الرابع أن يكون أحد النصين حاظرا لما أبيح في النص الآخر بأسره قال علي فالواجب في هذا النوع أن ننظر إلى النص الموافق لما كنا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه ونأخذ بالآخر لا يجوز غير هذا أصلا
وبرهان ذلك أنا على يقين من أننا قد كنا على ما في ذلك الحديث الموافق لمعهود الأصل ثم لزمنا يقينا العمل بالأمر الوارد بخلاف ما كنا عليه بلا شك فقد صح عندنا يقينا إخراجنا عما كنا عليه ثم يصح عندنا نسخ ذلك الأمر الزائد الوارد بخلاف معهود الأصل ولا يجوز أن نترك يقينا بشك ولا أن نخالف الحقيقة للظن وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) وقال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون )
ولا يحل أن يقال فيما صح وورد الأمر به هذا منسوخ إلا بيقين ولا يحل أن يترك أمر قد تيقن وروده خوفا أن يكون منسوخا ولا أن يقول قائل لعله منسوخ كيف ونحن على يقين مقطوع به من أن المخالف لمعهود الأصل هو الناسخ بلا شك
وبرهان ذلك ما ذكرناه آنفا من ضمان الله تعالى حفظ الشريعة والذكر المنزل

فلو جاز أن يكون ناسخ من الدين مشكلا بمنسوخ حتى لا يدري الناسخ من المنسوخ أصلا لكان الدين غير محفوظ وقد صح بيقين لا إشكال فيه نسخ الموافق لمعهود الأصل من النصين بورود النص الناقل عن تلك الحال
فمن ذلك أمره عليه الصلاة و السلام أن لا يشرب أحد قئما وجاء الحديث بأنه عليه الصلاة و السلام شرب قائما فقلنا نحن علي يقين من أنه كان الأصل أن يشرب كل أحد كما شاء من قيام أو قعود أو اضطجاع ثم جاء النهي عن الشرب قائما بلا شك فكان مانعا مما كنا عليه من الإباحة السالفة ثم لا ندري أنسخ ذلك بالحديث الذي فيه إباحة الشرب قائما أم لا فلم يحل لأحد ترك ما قد تيقن أنه أمر به خوفا أن يكون منسوخا فإن صح النسخ بيقين صرنا إليه ولم نبال زائدا كان على معهود الأصل أم موافقا له
كما فعلنا في الوضوء مما مست النار فإنه لولا أنه روى جابر أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار لأوجبنا الوضوء من كل ما مست النار ولكن ما صح انه منسوخ تركناه
وأما من تناقض فأخذ مرة بحديث قد ترك مثله في مكان آخر وأخذ بضده فذو بنيان هار يخاف أن ينهار به في النار
قال علي وغن أمدنا الله بعمر وأيدنا بعون من عنده فسنجمع في النصوص التي ظاهرها التعارض كتبا كافية من غيرها فهذه الوجوه هي التي فيها الغموض وقد بيناها بتوفيق الله عز و جل
وها هنا وجه خامس ظنه أهل الجهل معارضا ولا تعارض فيه أصلا ولا إشكال وذلك ورود حديث بحكم ما في وجه ما وورود حديث آخر بحكم آخر في ذلك الوجه بعينه فظنه قوم تعارضا وليس كذلك ولكنهما جميعا مقبولان ومأخوذ بهما
ونحو ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق ابن مسعود

بالتطبيق في الركوع وروي من طريق أبي حميد وضع الأكف على الركب فهذا لا تعارض فيه وكلا الأمرين جائز أي ذلك فعله المرء حسن
قال علي إلا أن يأتي أمر بأحد الوجهين فيكون حينئذ مانعا من الوجه الآخر وقد جاء الأمر بوضع الأكف على الركب نصا مانعا من التطبيق على ما بينا من أخذ الزائد المتيقن في حال وروده ومنعه ما كان مباحا قبل ذلك وقد وجدنا أمرا ثابتا بالأخذ بالركب فخرج عن هذا الباب وصح أن التطبيق منسوخ بيقين على ما جاء عن سعد أننا كنا نفعله ثم نهينا عنه وأمرنا بالأخذ بالركب
وهذا إنما هو في الأفعال الصادرة منه عليه الصلاة و السلام لا في الأوامر المتدافعة ومثل ذلك ما روي من نهيه عليه الصلاة و السلام عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها مع قوله تعالى وقد ذكر ما حرم من النساء ثم قال ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) فكان نهي النبي صلى الله عليه و سلم مضادا إلى ما نهرى الله عنه في هذه الآية
وقد سقط هنا قوم أساؤوا النظر جدا فقالوا إن ذكر بعض ما قلنا في نص ما وعدم ذكره في نص آخر دليل على سقوطه وهذا ساقط جدا لأنه لا يلزم تكرير كل شريعة في كل آية وفي كل حديث ولو لزم ذلك لبطلت جميع شرائع الدين أولها عن آخرها لأنها غير مذكورة في كل آية ولا في كل حديث
فصح أنه لا تعارض ولا اختلاف في شيء من القرآن والحديث الصحيح وأنه كله متفق وبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض أو ضرب الحديث بالقرآن وصح أن ليس شيء من كل ذلك مخالفا لسائره علمه من علمه وجهله من جهله إلا أن الذي ذكرنا من العمل هو القائم في بديهة العقل والذي يقود إليه مفهوم اللغة التي خوطبنا بها في القرآن والحديث وبالله التوفيق
فكل ذلك كلفظة واحدة وخبر واحد موصول بعضه ببعض ومضاف بعضه إلى بعض ومبني بعضه على بعض إما بعطف وإما باستثناء وهذان

الوجهان أعني العطف والاستثناء يوجبان الأخذ بالزائد أبدا وقد بين ذلك النبي عليه الصلاة و السلام في حلة عطارد إذ قال لعمر إنما يلبس هذه من لا خلاق له ثم بعث إليه حلة سيراء فأتاه عمر فقال يا رسول الله أبعثت إلي هذه وقد قلت في حلة عطارد ما قلت إني لم أبعثها إليك لتلبسها وفي بعض الأحاديث إنما بعثت إليك بها لتصيب بها حاجتك أو كلاما هذا معناه
ففي هذا الحديث تعليم عظيم لاستعمال الأحاديث والنصوص والأخذ بها كلها لأنه صلى الله عليه و سلم أباح ملك الحلة من الحرير وبيعها وهبتها وكسوتها النساء وأمر عمر أن يستثني من ذلك اللباس المذكور في حديث النهي فقط وأن لا يتعدى ما أمر إلى غيره وأن لا تعارض بين أحكامه
وفي هذا الحديث أن حكمه عليه الصلاة و السلام في عين ما حكم على جميع نوع تلك العين لأنه إنما وقع الكلام على حلة سيراء كان يبيعها عطارد ثم أخبر عليه الصلاة و السلام أن ذلك الحكم جار في كل حلة حرير وأخبر أن ذلك الحكم لا يتعدى إلى غير اللباس وهذا هو قولنا في عموم الحكم وإبطال القياس
هذا ما قاله ابن حزم ولم يقتصر على ذلك بل وصله بتتمة فقال

فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص

قال علي وذهب بعض أصحابنا إلى ترك الحديثين إذا كان أحدهما حاظرا والآخر مبيحا أو كان أحدهما موجبا والآخر مسقطا قال فيرجع حينئذ إلى ما كنا نكون عليه لو لم يرد ذانك الحديثان
قال علي وهذا خطأ من جهات
أحدها أننا قد أيقنا أن الأحاديث لا تتعارض وإذا بطل التعارض فقد بطل الحكم الذي يوجبه التعارض إذ كل شيء بطل سببه فالمسبب فيه باطل بضرورة الحس والمشاهدة

الثاني أنهم يتركون كلا الخبرين والحق في أحدهما بلا شك فإذا تركوهما جميعا فقد تركوا لاحق يقينا في أحدهما ولا يحل لأحد أن يترك الحق اليقين أصلا
الثالث أنهم لا يفعلون ذلك في الآيتين اللتين إحداهما حاظرة والأخرى مبيحة أو إحداهما موجبة والثانية نافية بل يأخذون بالحكم الزائد ويستثنون الأقل من الأكثر وقد بينا فيما سلف أنه لا فرق في وجوب ما جاء في القرآن وبين وجوب ما جاء في كلام النبي عليه الصلاة و السلام
قال علي وكان في حجتهم في ذلك إن أحد الخبرين ناسخ بلا شك ولسنا نعلمه بعينه فلما لم نعلمه لم يجز لنا أن نقدم عليه بغير علم فندخل في قوله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) الآية
قال علي وهذه الحجة فاسدة من وجهين أحدهما أنهم يلزمهم مثل ذلك في الآيتين وهم لا يفعلون لك والوجه الثاني أنه لا يجوز أن يقال في خبر ولا آية إن هذا منسوخ إلا بيقين ويكفي من بطلان هذا الذي احتجوا به أننا على يقين من أن الحكم الزائد على معهود الأصل رافع لما كان الناس عليه قبل وروده فهو الناسخ بلا شك ونحن على شك هل نسخ ذلك الحكم بحكم آخر يردنا إلى ما كنا عليه أم لا فحرام ترك اليقين للشكوك وبالله التوفيق
قال علي وقد سبق خاطر أبي بكر محمد بن داود إلى ما ذهبنا إليه إلا أنه رحمه الله اخترم قبل إنعام النظر في ذلك وذلك أنه قال في كتاب الوصول والعمل في الخبرين المتعارضين كالعمل في الآيتين ولا فرق
قال علي وقال بعض أهل القياس نأخذ بأشبه الخبرين بالكتاب والسنة
قال علي وهذا باطل لأنه ليس الذي ردوا إليه حكم هذين الخبرين أولى بأن يؤخذ به من الخبرين المردودين إليه بل النصوص كلها سواء في وجوب الأخذ بها والطاعة لها فإذ قد صح ذلك بيقين فماذا الذي جعل بعضها مردودا وبعضها

مردودا إليه وما الذي أوجب أن يكون بعضها أصلا وبعضها فرعا وبعضها حاكما وبعضها محكوما فيه
فإن قال الاختلاف الواقع في هذين هو الذي حط درجتهما إلى أن يعرضا على غيرهما قال علي وهذه دعوى مفتقرة إلى برهان لأنه ليس الاختلاف لكونهما معروضا على غيهما لأن الاختلاف باطل فظنهم أنه اختلاف ظن فاسد يكذبه قول الله عز و جل ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) فإذ قد أبطل الله تعالى الاختلاف الذي جعلوه سببا لعرض الحديثين على سنة أخرى أو آية أخرى فقد وجب ضرورة أن يبطل مسببه الذي هو العرض وهذا برهان ضروري
قال علي وإذا كانت النصوص كلها سواء في باب وجوب الأخذ بها فلا يجوز تقوية أحدهما بالآخر وغنما ذلك من باب طيب النفس وهذا هو استحسان الباطل وقد أنكره بعضهم على بعض
قال علي وقد رجح بعض أصحاب القياس أحد الخبرين على الآخر بترجيحات فاسدة نذكرها إن شاء الله ونبين غلطهم فيها فمن ذلك أن قالوا إذا كان أحد الخبرين معمولا به والآخر غير معمول به رجحنا بذلك الخبر المعمول به على غير المعمول به
قال علي وهذا باطل لما نذكره بعد هذا إلا أننا نقول ها هنا جملة لا يخلو الخبر قبل أن يعمل به من أن يكون حقا واجبا أو باطلا فإن كان حقا واجبا لم يزده العمل به قوة لأنه لا يكن أن يكون حق أحق من حق آخر في أنه حق وإن كان باطلا فالباطل لا يحقه أن يعمل به
قال علي وقالوا إن كان أحد الخبرين حاظرا والآخر مبيحا فإنا نأخذ بالحاظر وندع المبيح
قال علي وهذا خطأ لأنه تحكم بلا برهان ولو عكس عاكس

فقال بل نأخذ بالمبيح لقوله تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ولقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ولقوله تعالى ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) أما كان يكون قوله أقوى من قولكم ولكنا لا نقول ذلك بل نقول إن كل أمر من الله تعالى لنا فهو يسر وهو رفع الحرج وهو التخفيف ولا يسر ولا تخفيف ولا رفع حرج أعظم من شيء أدى إلى الجنة ونجى من جهنم سواء كان حظرا أو إباحة
وقال في فصل آخر وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم ويكون الإجماع على خلافه قال دليل على أنه منسوخ
قال علي وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين أحدهما أو ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ولا سبيل له إلى وجوده أبدا والثاني أن الله تعالى قال ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فما تكفل الله عز و جل به فهو غير ضائع أبدا والوحي ذكر والذكر محفوظ بالنص فكلامه عليه الصلاة و السلام محفوظ بحفظ الله عز و جل فلو كان الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ كما ذكر لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ
قال علي ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح وإما بآية متلوة ويكون الاتفاق على النسخ المذكور ثبت إلا أننا نقول لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا منقولا إلينا محفوظا عندنا وإنما الذي منعنا منه أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظا فهذا باطل عندنا معدوم البتة

الفائدة الثالثة

قد عرفت فيما سبق أن الحديثين إذا لاح بينهما التعارض ابتدئ أولا بالجمع بينهما فإن لم يمكن ذلك نظر هل هما مما يمكن وقوع النسخ فيه أم لا فإن كانا مما يمكن وقوع النسخ فه بحث عن المتأخر منهما فإن وقف عليه جعل ناسخا وأخذ به

وترك الآخر وغن كانا مما لا يمكن وقوع النسخ فيه أو كانا مما يمكن وقوع النسخ فيه لكن لم يوقف عل المتأخر منهما بحث عن الراجح منهما فإن عرف أخذ به وترك الآخر وإن لم يعرف الراجح منهما تعين التوقف فيهما
قال الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب اللمع في باب القول في ترجيح أحد الخبرين على الآخر وجملته أنه إذا تعارض خبران وأمكن الجمع بينهما وترتيب أحدهما على الآخر في الاستعمال فعل وإن لم بمكن وأمكن نسخ أحدهما بالآخر فعل على ما بينته في باب بيان الأدلة التي يجوز التخصيص بها وما لا يجوز فإن لم يمكن ذلك رجح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح
وقد أورد بعض العلماء هنا إشكالا وهو أن البحث هنا غنما هو في تعارض الحديثين المقبولين وقد سبق قريبا أن الحديث المقبول إذا عارضه حديث غير مقبول أخذ بالمقبول وترك الآخر إذ لا حكم لضعيف مع القوي وما ذكر في هذا الموضع يدل على أن الخبرين المقبولين قد يكون أحدهما راجحا والآخر مرجوحا وقد لا يظهر وجه الترجيح فيتوقف فيهما
وقد تقرر أن الثقة إذا خالفه من هو أرجح منه سمي حديثه شاذا والشاذ من المردود وأن الحديث إذا وقع الخلاف فيه بالإبدال في متنه أو سنده ولا مرجح سمي حديثه مضطربا والمضطرب من المردود
وذهب بعض العلماء إلى تقديم الترجيح ثم الجمع ثم النسخ وذهب آخرون إلى تقديم الترجيح ثن النسخ ثم الجمع وقد ذكر بعض من ذهب إلى تقديم الترجيح على ما سواه أن العقول مطبقة على تقديم الراجح على غيره فتقديم غيره عليه هدم لقواعد الأصول وأما هذه الأصول فهي من تصرفات العقول

فكل من أبدى فيها وجها معقولا قبل منه وإن خالف المشهور الذي عليه الجمهور
نعم يسوغ تأويل المرجوح بعد تقديم الراجح عليه بحمله على الراجح عليه من غير أن ينقص شيئا من معناه وليس هذا من قبيل الجمع فإن الجمع هو أن يحمل كل منهما على بعض معناه
وأما قول من قال الإعمال أولى من الإهمال فإن أراد الإعمال ولو مع رجحان غيره عليه فممنوع وإن أراد الإعمال مع تساوي الحديثين فمسلم
وقال بعض المرجحين لهذا القول الملخص من التعارض من وجهين
أحدهما ما يرجع إلى الركن بأن لم يكن بين الدليلين مماثلة كنص الكتاب والخبر المتواتر مع خبر الواحد والقياس أو خبر الواحد مع القياس لأن شرط قبول خبر الواحد والقياس أن لا يكون ثمة نص من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع بخلافه
وكذا إذا كان لأحد الخبرين من الآحاد أو لأحد القياسين رجحان على الآخر بوجه من وجوه الترجيح لأن العمل بالراجح واجب عند عدم التيقن بخلافه ولا عبرة للمرجوح بمقابلة الراجح
ولكن هذا إنما يستقيم بين خبري الواحد وبين القياسين لأن كلا منهما ليس بدليل موجب للعلم وإنما يوجب الظن أو علم غالب الرأي وهذا يحتمل التزايد من حيث القوة بوجوه الترجيح
فأما بين النصين كتابا وسنة متواترة في حق الثبوت فلا يتصور الترجيح لن العلم بثبوتهما قطعي والعلم القطعي لا يحتمل التزايد في نفسه من حيث الثبوت وإن كان يحتمله من حيث الجلاء والظهور إلا إذا وقع التعارض في وجبهما بأن كان أحدهما محكما والآخر فيه احتمال فالمحكم أولى
وثانيهما ما يرجع إلى الشرط بأن لا يثبت التنافي بين الحكمين ويتصور

الجمع بينهما لاختلاف المحل والحال والقيد والإطلاق والحقيقة والمجاز واختلاف الزمان حقيقة أو دلالة
وبيانه أن النصين إذا تعارضا ولم يكن أحدهما خاصا والآخر عاما فإما أن لا يكون بينهما زمان يصلح للنسخ ففي الخاصين يحمل أحدهما على قيد أو حال أو مجاز ما أمكن وفي العامين من وجه يحمل على وجه يتحقق الجمع بينهما وفي العامين لفظا يحمل أحدهما على بعض والآخر على بعض آخر أو على القيد والإطلاق
وأما أن يكون بينهما زمان يصلح للنسخ بأن كان المكلف يتمكن من الفعل والاعتقاد أو من الاعتقاد لا غير على الاختلاف فيه فيمكن العمل بالطريقين بالتناسخ والتخصيص والتقييد والحمل على المجاز في العامين والخاصين فأصحاب الحديث يرون العمل بطريق التخصيص والبيان أولى والمعتزلة يرون العمل بالنسخ أولى
وقال مشايخنا وهو اختيار أبي منصور الماتريدي ينظر في عمل الأمة في ذلك فإن حملوه على النسخ يجب العمل به وإن حملوه لى التخصيص يجب العمل به وإن لم يعرف عمل الأمة في ذلك على أحد الوجهين أو استوى عملهم فيه بأن عمل بعضهم على أحد الوجهين وبعضهم على الوجه الآخر فيرجع في ذلك إلى شهادة الأصول فيعمل بالوجه الذي شهدت به
وإن كان أحدهما خاصا والآخر عاما فإن عرف تاريخهما وبينهما زمان يصح فيه النسخ فإن كان الخاص سابقا والعام متأخرا نسخ الخاص به وإن كان العام سابقا والخاص متأخرا نسخ من العام بقدر الخاص ويبقى الباقي وإن وردا معا وكان بينهما زمان لا يصح فيه النسخ يبني العام على الخاص فيكون المراد من العام ما وراء المخصوص وهذا قول مشايخ العراق والقاضي أبي زيد ومن تابعه من ديارنا
وقال الشافعية يبنى العام على الخاص في الفصلين حتى إن الخاص السابق

يكون مبنيا للعام اللاحق فيكون المراد من العام ما وراء قدر المخصوص بطريق البيان
والجواب فيه على قول مشايخ سمرقند كذلك إذا لم يكن بينهما زمان يصلح للنسخ لأنه لا يندفع التناقض إلا بهذا الطريق فأما إذا كان زمان يصلح للنسخ فقالوا يتوقف في حق الاعتقاد ويعمل بالنص العام بعمومه ولا يبنى على الخاص ا هـ
وقد ذكر كثير من علماء الأصول أن الدليلين المتعارضين قد يكونان متقارنين في الورود عن الشارع وبينوا الحكم في ذلك فقالوا وإن تقارن المتعارضان فإن تعذر الجمع بينهما بحث عن الراجح منهما فإن لم يعلم تعين المصير إلى التخيير
ولم يتعرضوا لذكر النسخ هنا لما أن من شرطه التراخي بينهما فإذا تقارنا الورود لم يمكن جعل أحدهما ناسخا والآخر منسوخا
وقد استشكل بعض العلماء ذلك فقال إن التقارن بين المتنافيين لا يتصور في كلام الشارع لأنه تناقض لا يليق بمنصبه بل لا بد أن يكون أحدهما متأخرا إلا أنه ربما جهل التاريخ
وقد أجاب عن ذلك بعضهم فقال يجوز
أن يراد بالتقارن هنا التقارن في زمن التكلم بالنسة إليه تقدس وتعالى على الوجه المتصور في حقه إذ لا يلزم عليه تناقض لأنه لا يلزم أن يكون ذلك الزمان زمان النسبة
وأن يراد به التقارن في النزول على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام إذ لا يلزم عليه تناقض لما ذكر
وأن يراد به التقارن في الورود أي الوصول إلينا أي إلى الطبقة الأولى منا الآخذين عنه عليه أفضل الصلاة والسلام إن تصور تقارن ذلك إذ لا يلزم عليه تناقض أيضا لما ذكر

وأن يراد به التعاقب بالنسبة لزمان المتكلم أو زمان النزول أو زمان الولود خصوصا في الأخير ومن المشهور ان تقارن الأقوال مع اتحاد القائل الحادث ليس إلا بمعنى التعاقب
هذا ولعل الأسبق إلى الفهم من كلامهم أن المدار في التقارن بمعناه الظاهر أو بمعنى التعاقب وغيره بالنسبة للكتاب على زمان النزول وبالنسبة للسنة على زمان الورود أي التكلم منه عليه أفضل الصلاة والسلام
على أن لقائل أن يقول إن التقارن بين المتنافيين لا يلزم على الإطلاق أن يكون تناقضا محذورا لجواز أن يكون للتخيير بينهما أو لحكمة أخرى
فإن قلت حمل التقارن على التعاقب لا يصح هنا لأن مقتضاه النسخ ولم يذكر في أحكام هذا القسم
قلت قد يمنع أن مقتضاه ذلك بناء على اعتبار التراخي في النسخ انتهى ما أجاب به وليته لو أتى بمثال ليعلم أن هذه المسألة ليست محصورة في دائرة الخيال كثير من المسائل المفروضة التي لا ينالها سوى الوهم لا سيما إن كانت بعيدة عن الفهم
وقد وقع في كتب أصول الفقه مسائل كثيرة مبنية على مجرد الفرض وهي ليست داخلة فيه وكثيرا ما أوجب ذلك حيرة المطالع النبيه حيث يطلب لها أمثلة فيرجع بعد الجد والاجتهاد ولم يحظ بمثال واحد
فينبغي الانتباه لهذا الأمر ولما ذكره بعض العلماء وهو أن كل مسألة تذكر في أصول الفقه ولا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية أو لا تكون عونا في ذلك فهي غير داخلة في أصول الفقه وذلك أن هذا العلم لم يختص بإضافته إلى الفقه إلا لكونه مفيدا له ومحققا للاجتهاد فيه فإذا لم يفد ذلك لم يكن أصلا له
ويخرج على هذا كثير من المسائل التي تكلم عليها المتأخرون وأدخلوها فيه كمسألة ابتداء وضع اللغات ومسألة الإباحة هل هي تكليف أم لا ومسألة أمر

المعدوم ومسألة كان النبي صلى الله عليه و سلم متعبدا بشرع من قبله أم لا
وكذلك كل مسألة ينبني عليها فقه إلا أنه لا يحصل من الخلاف فيها خلاف في فرع من فروع الفقه مثل مسألة الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة كما في كفارة اليمين فقيل إن الأمر بذلك يوجب واحدا منها لا بعينه وقيل إنه يوجب الكل فعل الكل فقيل الواجب أعلاها وإن تركها فقيل يعاقب على أدناها فهذه المسألة وما أشبهها من المسائل التي فرضوها مما لا ثمرة له في الفقه غير داخلة في أصوله
وقد رأيت في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الحديث للحافظ الحازمي عبارة ربما كان لها موقع عظيم هنا في المقدمة في بيان شروط النسخ ومنها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ فعلى هذا يعتبر الحكم الثاني فإنه لا يعدو أحد القسمين إما أن يكون متصلا أو منفصلا
فإن كان متصلا بالأول لا يسمى نسخا إذ من شرط النسخ التراخي وقد فقد ها هنا لأن قوله عليه الصلاة و السلام لا تلبسوا القمص ولا السرويلات ولا الخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين وغن كان صدر الحديث يدل على منع لبس لخفاف وعجزه يدل على جوازه وهما حكمان متنافيان غير أنه لا يسمى نسخا لانعدام التراخي فيه ولكن هذا النوع يسمى بيانا
وإن كان منفصلا نظرت هل يمكن بينهما فإن أمكن الجمع جمع 1

البلخي أبو بكر بن أبي خيثمة إسحاق بن الحسن الحربي سهل بن عمار العتكي
قال أبو عبد الله جميع من ذكرناهم في هذا النوع بعد الصحابة والتابعين فمن بعدهم قوم قد اشهروا بالرواية ولم يعدوا في الطبقة الأثبات المتقنين الحفاظ

ذكر النوع الثاني والخمسين من علوم الحديث

هذا النوع من هذه العلوم معرفة من رخص في العرض على العالم ورآه سماعا ومن رأى بالإجازة من بلد إلى بلد إخبارا ومن أنكر ذلك ورأى شرح الحال فيه عند الرواية
وبيان العرض أن يكون الراوي حافظا متقنا فيقدم المستفيد إليه جزءا من حديثه أو أكثر من ذلك فيناوله فيتأمل الراوي حديثه فإذا خبره وعرف أنه من حديثه قال للمستفيد قد وقفت على ما ناولتنيه وعرفت الأحاديث كلها وهذه رواياتي عن شيوخي فحدث بها عني فقال جماعة من أئمة الحدي إنه سماع منهم من أهل المدينة
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة حكاه مالك عن شيوخه عنه وأبو عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن زهرة الزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ويحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري وهشام بن عروة بن الزبير القرشي ومحمد بن عمرو بن علقمة الليثي ومالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي وعبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الأندراوردي في جماعة بعدهم
ومن أهل مكة
مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم وسفيان بن عيينة الهلالي ومسلم بن خالد الزنجي في جماعة بعدهم

الفائدة الثانية

قد عرفت أن هذا الفن يبحث فيه عن مصطلح أهل الأثر قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي في أول شرح ألفيته التي لخص فيها كتاب ابن الصلاح في هذا الفن وبعد فعلم الحديث خطير وقعه كبير نفعه عليه مدار أكثر الأحكام وبه يعرف الحلال والحرام ولأهله اصطلاح لا بد للطالب من فهمه فلهذا ندب إلى تقديم العناية بكتاب في علمه ا هـ
فهذا الفن مدخل لعلم الحديث وقد سماه بعضهم بعلم دراية الحديث وعرفه بقوله علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف ورفع ووقف وقطع وعلو ونزول وكيفية التحمل والأداء وصفات الرجال وما أشبه ذلك
وقد اختصره بعضهم فقال علم يعرف به أحوال الراوي والمروي من حيث القبول والرد وقد نظمه الجلال السيوطي في ألفيته فقال
( علم الحديث ذو قوانين تحد ... يدرى بها أحوال متن وسند )
( فذانك الموضوع والمقصود ... أن يعرف المقبول والمردود )
وقد فسر بعضهم التعريف المذكور فقال قوله علم يمكن أن يراد به القواعد والضوابط كقولك كل حديث صحيح يسوغ الاحتجاج به والباء في قوله يعرف به للسببية واللام في قوله حال الراوي والمروي للجنس إذ لا يعرف بهذا العلم حال الراوي المعين أو المروي المعين وإنما يعرف به حال غير المعين

وترى ويجوز فيها التنوين وتركه قال تعالى ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) أي واحدا بعد واحد بفترة بينهما وتواتر الخبر مجيء المخبرين به واحدا بعد واحد من غير اتصال

وهاهنا مسائل مهمة تتعلق بهذا المبحث

المسألة الأولى

قد عرفت مما سبق أن الخبر لا يسمى متواترا إلا إذا وجد فيه أمران
أحدهما أن يكون ذلك الخبر مما يدرك بالحس ويكون مستند المخبرين هو الإحساس به على وجه اليقين وذلك مثل أن يقولوا رأينا زيد يفعل كذا وسمعنا عمرا يقول كذا فإن كان الخبر مما لا يدرك بالحس لا يسمى متواترا ولا يفيد العلم وإن كان المخبرون به لا يحصون كثرة فلو استدل مستدل على حدوث العالم بأن أناسا لا يحصرون يقولون بحدوثه وقابله القائل بقدمه بمثل دليله وقال إن أناسا لا يحصرون يقولون بقدمه فمثل هذه المسألة يجب أن يرجع فيها إلى الاستدلال بأمر آخر
الثاني أن يكون عدد المخبرين به بلغ في الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه فإن لم يبلغ المخبرون به هذا المبلغ لم يسم ذلك الخبر متواترا وإن أفاد العلم بسبب أمر آخر يدل على صدقه ومن ثم قال بعضهم المتواتر هو خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه فاحترز بقوله بنفسه عن الخبر الذي علم صدقه بأمر آخر كقرينة دلت على صدق من أخبر به
تتمة قد يكون الناقلون للخبر طبقة واحدة وهي الجماعة التي استندت في الإخبار إلى الإحساس بالمخبر به وهي المثبتة لأصل الخبر فإذا تلقينا الخبر عنها فالأمر ظاهر وقد يكون الناقلون للخبر طبقتين وذلك فيما إذا تلقينا الخبر عن جماعة تلقت الخبر عن الجماعة التي استندت في الإخبار إلى الإحساس بالمخبر به ويشترط في

2

- سمعت أبا زرعة وذكر حديثا حدثنا به عن الأويسي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر ضرب لليهود والنصارى والمجوس إقامة ثلاث ليال بالمدينة يتسوقون ويقضون حوائجهم
قال أبو زرعة في الموطأ مالك عن نافع عن أسلم أن عمر
والصحيح ما في الموطأ
26 - سألت علي بن الحسين بن الجنيد عن حديث رواه سعيد بن سلام العطار عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في قوله من استطاع إليه سبيلا

قال الزاد والراحلة
قال هذا حديث باطل

علل أخبار رويت في الغزو والسير

27 - سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حجاج عن إسماعيل عن قيس عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة

قال أبي الكوفيون سوى حجاج لا يسندونه
ومرسل أشبه
28 - سألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن شيبان عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن عبد الله بن حوالة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال يخندون أجنادا

قال هو صحيح حسن غريب
29 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال وفد الله ثلاثة الغازي والحاج والمعتمر

قال أبي ورواه سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن مرداس الجندعي عن كعب قوله ورواه عاصم عن أبي صالح عن كعب قوله

المبحث الثالث في الحديث الضعيف

قال بعض العلماء الحديث هو ما لم يجمع صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن
وقال بعضهم الأولى في حده أن يقال هو ما لم يبلغ مرتبة الحسن
ولا يخفى أن ما يكون نازلا عن مرتبة الحسن يكون عن مرتبة الصحيح أنزل فلا احتياج إذا إلى ذكر الصحيح في حده
وقد قسموا الضعيف إلى أقسام جعلوا جعلوا لبعضها لقبا خاصا به لوجود الداعي إليه وذلك كالمرسل والمنقطع والمعضل والمعلل والشاذ والمضطرب وتركوا بعضها غفلا لعدم الداعي إلى ذلك
وقد حاول بعضهم حصر أقسامه فنظر في شروط القبول وهي شروط الصحيح والحسن فوجدها ستة وهي اتصال السند حيث لم ينجبر المرسل بما يؤيده وعدالة الرواة والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستورا لم تعرف أهليته وليس متهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ والسلامة من العلة القادحة
ثم نظر في الضعيف فرأى أن منه ما يفقد شرطا فقط ومنه ما يفقد شرطين ومنه ما يفقد أكثر من ذلك فتبين له بهذا النظر أقسام كثيرة تبلغ فيما ذكره بعض من عني بأمرها اثنين وأربعين قسما

وقال بعد إيرادها قسما قسما هذه أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع وقد تركت من الأقسام التي يظن انقسامه إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام وهي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في الإسناد لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة فلا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ
ويمكن الزيادة في هذه الأقسام وذلك بأن ينظر إلى فقد العدالة مثلا فيجعل باعتبار ما يدخل تحته أنواعا فإنه يشمل ما يكون بكذب الراوي أو تهمته بذلك أو فسقه أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله فإذا لوحظ كل واحد منها على حدة ولوحظ مثل ذلك في مثله زادت الأقسام زيادة كثيرة
وقد تصدى بعضهم لذلك غير أنه أبان أن تلك الأقسام تنقسم إلى ثلاثة أنواع نوع منها لم يتحقق وجوده ولا إمكانه ونوع منها تحقق إمكانه دون وجوده ونوع منها قد تحقق إمكانه ووجوده
وقد صرح غير واحد بقلة فائدة هذا التقسيم وذلك لأن المراد به إن كان معرفة مراتب الضعيف فليس فيه ما يفيد ذلك
فإن قيل إنه قد يفيد ذلك لأن هذا التقسيم يعرف به ما فقد كل قسم من الشروط فإذا وجدنا قسمين قد فقد أحدهما من الشروط أكثر حكمنا عليه بأنه أضعف
قيل إن هذا الحكم لا يسوغ على إطلاقه فقد يكون الأمر بالعكس وذلك كفاقد الصدق فإنه أضعف مما سواه وإن كان فاقدا للشروط الخمسة الباقية
وإن كان المراد به تخصيص كل قسم باسم فالقوم لم يفعلوا ذلك فإنهم لم يسموا منها إلا القليل كما ذكرنا آنفا ولم يتصد المقسم نفسه لذلك
وإن كان المراد به معرفة كم قسما يبلغ بالبسط فهذه فائدة لا تستوجب هذه النصب
ويمكن أن يقال فائدة ذلك حصر الأقسام ليبحث عما وقع منها مما لم يقع ومعرفة منشأ الضعيف في كل قسم

وأما قول بعضهم إنه قد خاض في تقسيمه أناس ليسوا من أهل هذا الشأن فتعبوا وأتعبوا ولو قيل لأطولهم يدا في ذلك ايتنا بمثال مما ليس له لقب خاص لبقي حائرا فهو ضعيف لأن التقسيم إذا لم يكن فيه ما يعترض به عليه يقبل من أي مقسم كان وعدم معرفته ببعض أمثلة الأقسام التي لم يتحقق وجودها بعد لا يضره ويكفيه أن يقول قد قمت بطرف من المسألة وهو بيان الأقسام وبقي طرف آخر منها تركته لغيري وهو البحث في أمثلة كل قسم وبيان ما وقف عليه منها
وقد أفرد ابن الجوزي عن الضعيف نوعا آخر سماه المضعف
وهو الذي لم يجمع على ضعفه بل فيه إما في المتن أو في المسند تضعيف لبعض أهل الحديث وتقوية لآخرين منهم وهو أعلى مرتبة من الضعيف المجمع عليه
ومحل هذا فيما إذا لم يترجح أحد الأمرين أو كان التضعيف هو المرجح ولا فقد وقع في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري أشياء من هذا القبيل
وذكر النووي في شرح مسلم عن ابن الصلاح أنه قال شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة
قال وهذا حد الصحيح
فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث
وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط أو بينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض الرواة مستورا أو كان الحديث مرسلا
وقد يكون سبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها وهو الأغلب في ذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح فإذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم
وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى ابن عباس وإسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم
قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه المدخل في معرفة المستدرك عدد من أخرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربع مئة وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح ست مئة وخمسة وعشرون شيخا
وأما قول مسلم في صحيحه في باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ليس كل شي صحيح عندي وضعنه هاهنا يعني في كتابه هذا الصحيح وإنما وضعت

هاهنا ما أجمعوا عليه
فمشكل
فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه
قال الشيخ وجوابه من وجهين
أحدهما أن مراده أنه لم يضع فيه إلا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعض الأحاديث عند بعضهم
والثاني أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلف الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو إسنادا ولم يرد ما كان اختلافهم فيه إنما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من كلامه فإذا ذكر لما سئل عن حديث أبي هريرة فإذا قرأ فأنصتوا
هل هو صحيح فقال هو عندي صحيح
فقيل لم لم تضعه هاهنا فأجاب بالكلام المذكور

ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها لصحتها عنده وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقد استدركت وعللت
وقال بعضهم أراد مسلم بالإجماع في قوله وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه
إجماع أربعة من أئمة الحديث أحمد بن حنبل وابن معني وعثمان بن أبي شيبة وسعيد بن منصور الخرساني
وذكر النووي في موضع آخر منه أن مسلما انتقد عليه روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الدرجة الثانية التي ليست من شرط الصحيح
ثم نقل عن ابن الصلاح أنه أجاب عن ذلك من أوجه
أحدهما أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده
ولا يقال إن الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك
وقد قال الخطيب البغدادي وغيره ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت فيهم الطعن المؤثر مفسر السبب
الثاني أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبعه بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة ينبه على فائدة فيما قدمه
الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ عليه بعد

أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب ذكر أبو عبد الله الحاكم أنه اختلط بعد الخمسين ومئتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك
الرابع أن يعلو بالشيخ الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل هذا الشأن في ذلك
وذكر في موضع آخر منه وهو مما يناسب ما نحن فيه من وجه أن مسلما أشار في مقدمة صحيحه إلى أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام
الأول ما رواه الحفاظ المتقنون
والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان
والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني
وأما الثالث فلا يعرج عليه
ثم قال وقد اختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الإمامان الحافظان الحاكم أبو عبد الله وصاحبه أبو بكر البيهقي إن المنية قد اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني وإنه إنما ذكر القسم الأول
قال القاضي عياض وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فإنك إذا نظرت تقسيم مسلم في كتابه الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الأول حديث الحفاظ وأنه إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان

مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته وبقي من اتهمه بعضهم وزكاه بعضهم فلم يذكره هنا
ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بأسانيد الثانية منها على طريق الإتباع للأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب للقسم الأول شيئا وذكر أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة
وكذلك فعل البخاري
فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في مقدمة كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه
فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والإتباع حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة
ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاثة الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي اطرحها
وكذلك علل الأحاديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وذكر تصحيف المصحفين وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وإدخاله في كتابه كل ما وعد به
قال القاضي وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيي فيه من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفا لا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب
ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم أن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قرأه على الناس
والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق صاحب المغازي وأمثالهما
والثالث يدخل فيه من الضعفاء فإنك إذا

تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه فتأمله تجده كذلك إن شاء الله تعالى
هذا آخر كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره ظاهر جدا

تقسيم الحديث الضعيف إلى أقسامه المشهورة على طريقة المحدثين

وقد أحببنا أن نقسم الحديث الضعيف إلى أقسامه المشهورة المأخوذة بالاستقراء والتتبع متبعين لآثار القوم فإن ذلك أقرب إلى الطبع وأعظم في النفع
وقد بينا فيما سبق أن الحديث ينقسم إلى قسمين مقبول ومردود وأن المقبول هو الصحيح والحسن والمردود هو الضعيف وبينا شروط القبول
ولا يخفى أن معرفة شروط القبول توجب معرفة سبب الرد إذ سبب الرد ليس إلا فقد شرط من شروط القبول فأكثر
وقد أرجع بعضهم سبب الرد إلى أمرين أحدهما عدم الاتصال في السند
والثاني وجود أمر في الراوي يوجب طعنا
وعدم الاتصال هو سقوط راو من الرواة من السند ويقال لهذا السقوط انقطاع وللحديث الذي سقط من سنده راو فأكثر الحديث المنقطع ويقابله الحديث المتصل وهو الذي لم يسقط من سنده راو من الرواة
ويدخل تحت المنقطع بهذا المعنى المنقطع الذي سيأتي ذكره فإذا قسم من أقسامه
والأمور التي يوجب كل واحد منها الطعن في الراوي عشرة الكذب والتهمة به وفحش الغلط والغفلة والوهم والمخالفة والفسق والجهالة والبدعة وسوء الحفظ
وإذا عرف هذا نقول الحديث الضعيف هو ما وجد فيه شيء مما يوجب الرد

وموجب الرد وهو بعينه موجب الضعف أمران أحدهما سقوط راو من الرواة من إسناده والثاني وجود أمر في الراوي يوجب طعنا فيه فعلى ذلك يكون الحديث الضعيف نوعين
أحدهما ما يكون موجب الرد فيه سقوط راو من الرواة من سنده
وثانيهما ما يكون موجب الرد فيه وجود أمر في الراوي يوجب طعنا فيه
أما النوع الأول وهو الحديث الضعيف الذي يكون موجب الرد فيه سقوط راو من الرواة من سنده فهو أربعة أقسام المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع وذلك لأن السقوط إما أن يكون من مبادي السند أو من آخره بعد التابعي أو من غير ذلك
فالأول المعلق والثاني المرسل والثالث إن كان الساقط فيه اثنين فصاعدا مع التوالي فهو المعضل وإلا فهو المنقطع
فالمعلق هو الحديث الذي سقط من أول سنده راو فأكثر كقول البخاري قال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم -

( الله أحق أن يستحيى منه )

قال الحافظ ابن حجر ومن صور المعلق أن يحذف منه جميع السند ويقال مثلا قال ص -

ومنها أن يحذف منه إلا الصحابي أو إلا الصحابي والتابعي معا ومنها أن

يحذف من حدثه ويضيفه إلى من فوقه فإن كان من فوقه شيخا لذلك المصنف فقد اختلف فيه هل يسمى تعليقا أم لا والصحيح في هذا التفصيل فإذا عرف بالنص أو الاستقراء أن فاعل ذلك مدلس قضي به وإلا فتعليق
وإنما ذكر التعليق في قسم المردود للجهل بحال المحذوف وقد يحكم بصحته إن عرف بأن يجيء مسمى من وجه آخر فإن قال جمع من أحذفه ثقات جاءت مسألة التعديل على الإبهام والجمهور لا يقبل حتى يسمى لكن قال ابن الصلاح هنا إن وقع الحذف في كتاب التزمت صحته كالبخاري فما أتى فيه بالجزم حمل

على أنه ثبت إسناده عنده وإنما حذف لغرض من الأغراض وما أتى فيه بغير الجزم ففيه مقال
وقد أوضحت أمثلة ذلك في النكت على ابن الصلاح
والمرسل هو الحديث الذي سقط من آخر سنده من بعد التابعي وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا أو فعل كذا أو فعل بحضرته كذا ونحو ذلك

وإنما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف لاحتمال أن يكون غير صحابي وإذا كان ذلك احتمل أن يكون ضعيفا وإذا كان ثقة احتمل أن يكون روى عن تابعي آخر يكون ضعيفا وهكذا
وقد وجد بالاستقراء رواية ستة أو سبعة من التابعين بعضهم عن بعض وهذا أكثر ما وجد في هذا النوع
فإن عرف من عادة التابعي الذي أرسل الحديث أنه لا يرسل إلا عن ثقة فمذهب الجمهور التوقف فيه لاحتمال أن يكون من أرسله عنه ضعيفا عند غيره وإن كان ثقة عنده فالتوثيق في الرجل المبهم غير كاف عندهم ومع ذلك فثم احتمال آخر وإن كان بعيدا وهو أن يكون الإرسال في ذلك الموضع قد جرى على خلاف عادته بسبب ما
وإن عرف من عادته أنه يرسل عن الثقات وغيرهم لم يقبل مرسله اتفاقا
هذا ولما كان المرسل مما عني بأمره المؤلفون في أصول الفقه أو أصول الحديث أحببنا أن نفيض فيه هنا فنقول ذكر العلماء في حده ثلاثة أقوال
القول الأول وهو المشهور أن المرسل ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

سواء كان من كبار التابعين كعبيد الله بن عدي بن الخيار وقيس بن أبي حازم

وسعيد بن المسيب وأمثالهم أو من صغار التابعين كالزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم
القول الثاني أنه ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

فعلى هذا لا يسمى ما رفعه صغار التابعين مرسلا ولكن منقطعا

قال ابن الصلاح قول

الزهري وابن أبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

حكى ابن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من

الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين
قلت وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلا والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم
قال بعض العلماء لم أر التقييد بالكبير صريحا في كلام أحد من المحدثين وأما تقييد الشافعي المرسل الذي لم يقبل إذا اعتضد بأن يكون من رواية التابعي الكبير فليس فيه دلالة على أن ما يرفعه التابعي الصغير لا يسمى مرسلا
على أن الشافعي قد صرح بتسمية ما يرفعه من دون كبار التابعين مرسلا وذلك في قوله ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة
وقد اعترض على ابن الصلاح هنا من وجهين أحدهما في قوله قبل الوصول إلى التابعي
فإن الصواب في ذلك أن يقال قبل الوصول إلى الصحابي وقد تبع في ذلك الحاكم
الثاني في إشعاره بأن الزهري لم يلق من الصحابة إلا الواحد والاثنين مع أنه قد لقي من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وربيعة بن عباد وعبد الله بن جعفر والسائب بن يزيد وسنين أبو جميلة وأبو الطفيل ومحمود بن الربيع والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر
ولم يسمع من عبد الله بن جعفر بل رآه رؤية وقيل إنه سمع من جابر وقد سمع من محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبي مالك القرظي وهم مختلف في صحبتهم
وأنكر أحمد ويحيى سماعه من أبي عمر وأثبته علي بن المديني

القول الثالث أنه ما سقط راو من إسناده فأكثر من أي موضع كان
فعلى هذا يكون المرسل والمنقطع بمعنى واحد
والمعروف في الفقه وأصوله أن ذلك يسمى مرسلا إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم -
وقال الحاكم في كتاب المعرفة إن الإرسال مخصوص بالتابعين
وخالف ذلك في الدخل فقال هو قول التابعي أو تابعي التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وبينه وبين الرسول قرن أو قرنان ولا يذكر سماعه من الذي سمعه يعني في

رواية أخرى
وقد أطلق المرسل على المنقطع من أئمة الحديث أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني وقد صرح البخاري في حديث لإبراهيم النخعي عن أبي سعيد الخدري بأنه مرسل لكون إبراهيم لم يسمع من أبي سعيد وصرح هو وأبو داود في حديث العون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود بأنه مرسل لكونه لم يدرك ابن مسعود
وأما قول بعض أهل الأصول المرسل قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فالمراد به ما سقط منه التابعي مع الصحابي أو ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك
ولو حمل على الإطلاق لزم بطلان اعتبار الأسانيد وترك النظر في أحوال الرواة وهو بين الفساد ولذا خصه بعضهم بأهل الأعصار الأول يعني القرون الفاضلة
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام إن الإرسال رواية الراوي عمن لم يسمع منه
وعليه فتكون رواية من روى عمن سمع منه ما لم يسمع منه بأن يكون بينهما واسطة فيها ليست من قبيل الإرسال بل من قبيل التدليس فيكون في حد المرسل أربعة أقوال
وهذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف في الاصطلاح ولا مشاحة فيه

والمرسل اسم مفعول من قولهم أرسل الحديث إرسالا
والإرسال في الأصل الإطلاق وعدم التقييد تقول أرسلت الطائر إذا أطلقته وأرسلت الكلام إرسالا إذا أطلقته من غير تقييد وسمي هذا النوع من الحديث بالمرسل لإطلاق الإسناد فيه وعدم تقييده براو يعرف
وقد فرق أهل الأثر هنا بين الاسم والفعل عند الإطلاق نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في شرح النخبة حيث قال إن أهل الاصطلاح غايروا بين الفرد والغريب من حيث كثرة الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي
وهذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما
وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان
وقريب من هذا اختلافهم في المنقطع والمرسل هل هما متغايران أم لا فأكثر المحدثين على التغاير لكنه عند إطلاق الاسم وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط فيقولون أرسله فلان سواء كان مرسلا أم منقطعا ومن ثم أطلق غير واحد ممن لم يلاحظ مواضع استعمالهم على كثير من المحدثين أنهم لا يغايرون بين المرسل والمنقطع
وليس كذلك لما حررناه وقل مننبه على النكتة في ذلك
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالمرسل اختلافا شديدا لا يتسع للبحث فيه مثل هذا الكتاب
قال الحافظ السيوطي وقد تلخص في ذلك عشرة أقوال يحتج به مطلقا لا يحتج به مطلقا يحتج به إن أرسله أهل القرون الثلاثة يحتج به إن لم يرو إلا عن عدل يحتج به إن أرسله سعيد فقط يحتج به إن اعتضد يحتج به إن لم يكن في الباب سواه هو أقوى من المسند يحتج به ندبا لا وجوبا يحتج به إن أرسله صحابي

ونقل عن القاضي أبي بكر أنه قال لا أقبل المرسل ولا في الأماكن التي قبلها الشافعي حسما للباب بل ولا مرسل الصحابي إذا احتمل سماعه من تابعي
قال والشافعي لا يوجب الاحتجاج به في هذه الأماكن بل يستحبه كما قال أستحب قبوله ولا أستطيع أن أقول الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل
وقال غيره فائدة ذلك أنه لو عارضه متصل قدم عليه ولو كان حجة مطلقا تعارضا لكن قال البيهقي مراد الشافعي بقوله أستحب أختار هذا
والحديث المرسل ضعيف لا يحتج به عند جمهور المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول والنظر وذلك للجهل بحال الساقط من السند فإنه يحتمل أن يكون غير صحابي وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفا
وإن اتفق أن يكون المرسل لا يروي إ لا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف
وقال بعض الأئمة الحديث المرسل صحيح يحتج به وقيد ابن عبد البر ذلك بما إذا لم يكن مرسله ممن لا يحترز ويرسل عن غير الثقات فإن كان فلا خلاف في رده
وقال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتلكم فيها وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المسند فالمرسل يحتج به وليس هو مثل المتصل في القوة
وقال ابن جرير أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المئتين
قال ابن عبد البر كأنه يعني أن الشافعي أول من رده
وقد انتقد بعضهم قول من قال إن الشافعي أول من ترك الاحتجاج بالمرسل فقد نقل ترك الاحتجاج عن سعيد بن المسيب وهو من كبار التابعين ولم ينفرد هو بذلك بل قال به من بينهم ابن سيرين والزهري
وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين أنه قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قيل سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
وقد ترك الاحتجاج بالمرسل ابن مهدي ويحيى القطان وغير واحد ممن قبل الشافعي والذي يمكن نسبته إلى الشافعي في أمر المرسل هو زيادة البحث عنه والتحقيق فيه
وقد روى الشافعي عن عمه قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به وذلك أني أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدث به عمن أثق به أو أسمعه من رجل أثق به قد حدث به عمن لا أثق به
وهذا كما قال ابن عبد البر يدل على أن ذلك الزمان كان يحدث فيه الثقة وغيره
وأخرج العقيلي من حديث ابن عون قال ذكر أيوب السختياني لمحمد بن سيرين حديثا عن أبي قلابة فقال أبو قلابة رجل صالح ولكن عمن ذكره أبو قلابة
وأخرج في الحلية من طريق ابن مهدي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعدما تاب إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرنا له حديثا
قال الحافظ ابن حجر هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمرسل إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الإسلام والصحابة متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه فربما سمع الرجل الشيء فحدث به ولم يذكر من حدثه به تحسينا للظن فيحمله عنه غيره ويجيء الذي يحتج بالمنقطعات فيحتج به مع كون أصله ما ذكرت

وأما مراسيل الصحابة فحكمها حكم الموصول على المشهور الذي ذهب إليه الجمهور قال ابن الصلاح ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة

والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول
قال الحافظ العراقي وفي قوله لأن روايتهم عن الصحابة
نظر والصواب أن يقال لأن غالب روايتهم إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين
وسيأتي في كلام ابن الصلاح في رواية الأكابر عن الأصاغر أن ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين وروى كعب أيضا عن التابعين
ولم يذكر ابن الصلاح خلافا في مرسل الصحابي
وفي بعض كتب الأصول أنه لا خلاف في الاحتجاج به
وليس بجيد فقد قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني إنه لا يحتج به
والصواب ما تقدم
ونقل القاضي عبد الجبار عن الشافعي أن الصحابي إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا قبل إلا إن علم أنه أرسله

وكذا نقله ابن بطال في شرح البخاري
وهذا خلاف المشهور من مذهبه فقد ذكر ابن برهان في الوجيز أن مذهبه في المراسيل أنه لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة ومراسيل سعيد وما انعقد الإجماع على العمل به
وأما مراسيل من أحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

غير مميز كعبيد الله بن عدي بن الخيار فلا يمكن أن يقال إنها مقبولة

كمراسيل الصحابة لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي والكل مقبول
واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين بعيد بخلاف مراسيل هؤلاء فإنها عن التابعين بكثرة فقوي احتمال أن يكون الساقط غير صحابي وجاء احتمال كونه غير ثقة

وقد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم -

فقال الغزالي في المستصفى إنها أربعة وهو قول غريب

وقد قلده في ذلك جماعة
وعن يحيى القطان ويحيى بن معين وأبي داود صاحب السنن أنها تسعة
وذكر بعض المتأخرين أنها دون العشرين لكن من طرق صحاح
وقد اعتنى الحافظ ابن حجر بجمع الصحاح والحسان منها فزادت عنده على الأربعين
وهذا سوى ما هو في حكم السماع كحكاية حضور فعل أمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم -
وقد عقد ابن حزم في كتاب الإحكام فصلا يتعلق بالمرسل فقال فيه قال أبو محمد المرسل من الحديث هو الذي سقط بين أحد رواته وبين النبي صلى الله عليه وسلم -

ناقل واحد فصاعدا

وهو المنقطع أيضا
وهو غير مقبول ولا تقوم به حجة لأنه عن مجهول
وقد قدمنا أن من جهلنا حاله ففرض علينا التوقف عن قبول خبره وعن قبول شهادته حتى نعلم حاله
وسواء قال الراوي حدثنا الثقة أو لم يقل لا يجب أن نلتفت إلى ذلك إذ قد يكون عنده ثقة من لا يعلم من جرحته ما يعلم غيره وقد قدمنا أن الجرح أولى من التعديل
وقد وثق سفيان الثوري جابرا الجعفي وجابر قد عرف من حاله ما عرف ولكن قد خفي أمره على سفيان فقال بما ظهر منه إليه
ومرسل سعيد بن المسيب ومرسل الحسن البصري وغيرهما سواء لا يؤخذ منه شيء
وقد ادعى بعض من لا يحصل ما يقول أن الحسن البصري كان إذا حدثه بالحديث أربعة من الصحابة أرسله
قال فهو أقوى من المسند
قال أبو محمد وقائل هذا أترك خلق الله لمرسل الحسن وحسبك بالمرء سقوطا أن يضعف قولا يعتقده ويعمل به ويقوي قولا يتركه ويرفضه

وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وهو حي وقد كان في عصر الصحابة منافقون ومرتدون فلا يقبل حديث قال راويه

فيه عن رجل من الصحابة أو حدثني من صحب رسول الله حتى يسميه ويكون معلوما بالصحة الفاضلة قال الله عز و جل ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم )
وقد ارتد قوم ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم -

كعيينة بن حصن والأشعث بن قيس وعبد الله بن أبي سرح

ولقاء التابع لرجل من أصاغر الصحابة شرف وفخر عظيم فأي معنى يسكت عن تسميته لو كان ممن حمدت صحبته
ولا يخلو سكوته من أحد وجهين أنه لم يعرف من هو ولا عرف صحة دعواه الصحبة أو لأنه كان من بعض من ذكرنا
حدثنا عبد الله بن يوسف عن أحمد بن فتح عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن علي عن مسلم بن الحجاج حدثنا يحيى بن يحيى أنبأنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق وكان خال ولد عطاء قال أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر فقالت بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة العلم في الثوب وميثرة الأرجوان وصوم رجب كله فأنكر ابن عمر أن يكون حرم شيئا من ذلك
فهذه أسماء وهي صاحبة من قدماء الصحابة وذوات الفضل منهم قد حدثها بالكذب من شغل بالها حديثه عن ابن عمر حتى استبرأت ذلك فصح كذب ذلك المخبر
فواجب على كل أحد أن لا يقبل إلا من عرف اسمه وعرفت عدالته وحفظه
قال أبو محمد والمخالفون لنا في قبول المرسل هم أترك خلق الله للمرسل إذا خالف مذهب صاحبه ورأيه
ولو تتبعنا ما تركوا من الأحاديث المرسلة لبلغ ذلك

أزيد من ألفين وإنما أوقعهم في الأخذ بالمرسل أنهم تعلقوا بأحاديث مرسلات في بعض مسائلهم فقالوا فيها بالأخذ بالمرسل ثم تركوه في غير تلك المسائل وإنما غرض القوم نصر المسألة الحاضرة بما أمكن من باطل أو حق ولا يبالون بأن يهدموا من ذلك ألف مسألة لهم ثم لا يبالون بعد ذلك بإبطال ما صححوه في هذه المسألة إذا أخذوا في الكلام في أخرى
فما أحد ينصح نفسه يثق بحديث مرسل أصلا
وقال بعض الحفاظ ممن ينحو نحو ابن حزم في عدم التقيد بقول من الأقوال قد تنازع الناس في قبول المراسيل وفي ردها
وأصح الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود ومنها الموقوف فمن علم من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف
وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا
وإذا كان المرسل قد ورد من وجهين وكان كل من الروايين قد أخذ العلم عن غير شيوخ الآخر فهذا يدل على صدقه فإن من أخبر بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأن واحدا منهما لم يستفد ذلك من الآخر فإنه يعلم أن الأمر كذلك
ولنختم هذا المبحث بكلام الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه إمام الكلام روى البيهقي في المدخل عن شيخه الحاكم عن الأصم عن الربيع عنه أنه قال المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي ص

- اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث
فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قبل عنه وحفظه

وإن انفرد بإسناد حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك

ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم
فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -

قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن النبي ص

- كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل إن شاء الله تعالى وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما يروي عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه ووجد أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا منهم قبول مرسله
قال وإن وجدت الدلائل لصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله أراد به اخترنا
ولا نستطيع أن نزعم أ الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجهما واحدا من حديث من لو سمي لم يقبل
وإن قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر

فيها ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله يوافقه ويحتمل مثل هذا فمن وافقه من بعض الفقهاء
قال فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -

فلا أعلم أحدا منهم يقبل مرسله لأمور أحدها أنهم أشد

تجوزا فيمن يروون عنه والآخر أنهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخر كثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه
ثم إن السقوط من السند قد يكون واضحا يشترك في معرفته كثيرون من أهل الفن ولا يخفى عليهم وذلك في مثل ما إذا كان الراوي لم يعاصر من روى عنه وقد يكون خفيا لا يدركه إلا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الأحاديث وعلل الأسانيد والأول يدرك بمعرفة التاريخ لتضمنه التعريف بأوقات مواليد الرواة ووفياتهم وطلبهم وارتحالهم وغير ذلك
وقد ادعى أناس الرواية عن شيوخ أظهر التاريخ كذب دعواهم فيها ولذا عني المحدثون بالتاريخ كثيرا
ويقال للإسناد الذي يكون السقوط فيه واضحا المرسل الجلي وللإسناد الذي يكون السقوط فيه خفيا المدلس بالفتح إن كان الإسقاط صادرا ممن عرف لقاؤه لمن روى عنه والمرسل الخفي إن كان الإسقاط صادرا ممن عرف معاصرته له ولم يعرف إنه لقيه وهذا على قول من فرق بينهما وجعلهما متباينين وأما من جعل المرسل الخفي داخلا في المدلس فإنه يعرف المدلس بأنه هو الإسناد الذي يكون السقوط فيه خفيا
ويقال لهذا النوع من التدليس تدليس الإسناد
وثم نوع آخر يقال له تدليس الشيوخ
أما تدليس الإسناد فهو أن يسقط اسم شيخه الذي روى عنه ويرتقي إلى من فوقه فيسند ذلك إليه بلفظ غير مقتض للاتصال ولكنه متوهم له كقوله عن فلان أو أن فلانا أو قال فلان موهما بذلك أنه سمعه ممن رواه عنه
وإنما يكون تدليسا إذا كان المدلس قد عاصر المروي عنه أو لقيه ولم يسمع

منه أو سمع منه ولم يسمع منه ذلك الحديث الذي دلسه عنه
أما إذا روى عمن لم يدركه بلفظ موهم فإن ذلك ليس بتدليس على الصحيح المشهور
وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن قوم أنه تدليس فجعلوا التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع
قال وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد
وقد أكثر العلماء من ذم التدليس والتنفير منه والزجر عنه قال شعبة التدليس أخو الكذب
وقال وكيع الثوب لا يحل تدليسه فكيف الحديث وقال بعضهم المدلس داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم - من غشنا فليس منا
لأنه يوهم السامعين أنه حديثه متصل وفيه انقطاع
هذا إن دلس عن ثقة فإن كان ضعيفا فقد خان الله ورسوله وهو كما قال بعض الأئمة حرام إجماعا
وقد اختلف في قبول رواية من عرف بالتدليس فقال فريق من أهل الحديث والفقهاء لا تقبل رواية المدلس بحال بين السماع أو لم يبين
والتدليس مما يقتضي الجرح عندهم
والمشهور التفصيل وهو أن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال فحكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ يبين الاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتبرة من حديث هذا الضرب كثير جدا كقتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم
وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل والحكم أنه لا يقبل من المدلس حتى يبين
وأما تدليس الشيوخ فهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف

ومثاله قول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني
وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته
وهو مكروه
وتختلف الحال في كراهة ذلك باختلاف الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه من هو دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فيحب إيهاما لكثرة الشيوخ أن يعرفه في موضع بصفة وفي موضع آخر بصفة أخرى ليوهم أنه غيره
وقد كان الخطيب لهجا بذلك في تصانيفه
قال ابن الصباغ في العدة من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره
وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد يغلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو
وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول فلا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه
وأما تدليس التسوية فإنه داخل في تدليس الإسناد
وجعله بعضهم قسما مستقلا بنفسه فقسم التدليس إلى ثلاثة أقسام تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ وتدليس التسوية
وأما تدليس التسوية هو أن يسقط ضعيفا بين ثقتين وصورته أن يروي حديثا عن شيخ ثقة وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل فيصير السند كله ثقات

وهذا شر أقسام التدليس لأن فاعل ذلك قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفي ذلك من التدليس في الحديث ما لا يخفى
وهو قادح فيمن فعله عمدا
وقد سمى ابن القطان هذا النوع بالتسوية بدون لفظ التدليس فيقول سواه فلان وهذه تسوية
والقدماء يسمونه تجويدا فيقولون جوده فلان أي ذكر من فيه من الجياد وترك غيرهم
وقال بعض العلماء التحقيق أن يقال متى قيل تدليس التسوية فلا يد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع بشيخ شيخه
وإن قيل تسوية بدون تدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه وقد وقع في هذا بعض الأئمة فإنه روى عن ثور عن ابن عباس
وثور لم يلقه وإنما روى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده
وأما المرسل الخفي فهو ما كان الإسقاط فيه صادرا ممن عرف معاصرته لمن روى عنه ولم يعرف لقاؤه له
وقد عرفت أن بعض العلماء يفرق بينه وبين المدلس وبعضهم يجعله داخلا فيه
وممن فرق بينهما الحافظ ابن حجر حيث قال والفرق بين المدلس والمرسل الخفي دقيق حصل تحريره بما ذكر هنا وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي
ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقي لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه والصواب التفرقة بينهما
ويدل على أن اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة وحدها إطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم -

من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى

به في التدليس لكان هؤلاء مدلسين لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم -

ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا

وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس الإمام الشافعي وأبو بكر البزار
وكلام الخطيب في الكفاية يقتضيه وهو المعتمد
ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك أو بحزم إمام مطلع ولا يكفي أن يقع في بعض الرق زيادة راو بينهما لاحتمال أن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع
وقد صنف فيه الخطيب كتاب التفصيل لمبهم المراسيل وكتاب المزيد في متصل الأسانيد
وقد نوقش فيما ذكر بأن المخضرمين إنما لم يعدوا إرسالهم من قبيل التدليس لأنه من قبيل الإرسال الجلي وذلك لأن المخضرم هو من عرف عدم لقائه النبي صلى الله عليه وسلم -

لا من لم يعرف أنه لقيه وبينهما فرق

وليس المراد بالمرسل هنا المرسل بالمعنى المشهور وهو ما سقط من سنده الصحابي بل المراد به ما يكون فيه مطلق الانقطاع
وقال الخطيب في الكفاية التدليس هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه ويعدل عن البيان لذلك
قال ولو أنه بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلسه عنه وكشف عن ذلك لصار ببيانه مرسلا للحديث غير مدلس فيه لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعا ممن لم يسمع منه وملاقيا لمن لم يلقه إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن الإرسال لا محالة لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط وهو المؤمن لأمره فوجب كون

التدليس متضمنا للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس
وقال ابن عبد البر في التمهيد التدليس عند جماعتهم اتفاقا هو أن يروي عمن لقيه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه وإنما سمعه من غيره عنه ممن يرضى حاله أو لا يرضى على أن الأغلب في ذلك أنه لو كانت حاله مرضية لذكره وقد يكون لأنه استصغره
قال وأما حديث الرجل عمن لم يلقه كمالك عن سعيد بن المسيب والثوري عن إبراهيم النخعي فاختلفوا فيه
فقالت فرقة إنه تدليس لأنهما لو شاء لسميا من حدثهما كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما
وقالت طائفة من أهل الحديث إنما هو إرسال قالوا فكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وعن أبي بكر وعمر وهو لم يسمع منهم ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسا

كذلك مالك عن سعيد
قال ولئن كان هذا تدليسا فما أعلم أحدا من العلماء قديما ولا حديثا سلم منه إلا شعبة والقطان فإنهما ليس يوجد لهما شيء من هذا لا سيما شعبة
وفي كلامه ما يشير إلى الفرق بين التدليس والإرسال الخفي والجلي لإدراك مالك لسعيد في الجملة وعدم إدراك الثوري للنخفي أصلا ولكنه لم يتعرض لتخصيصه بالثقة فتخصيصه بها في موضع آخر من تمهيده اقتصار على الجائز منه
وقد صرح في موضع آخر منه بذمه في غير الثقة فقال ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقة فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة من أهل الحديث وكذلك إن حدث عمن لم يسمع منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمونه ولا يحمدونه
وقد سبقه إلى ذلك يعقوب بن شيبة كما حكاه الخطيب عنه
وهو مع قوله في

موضع آخر إنه إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح وأسمج يقتضي أن الإرسال أشد بخلاف قوله الأول فإنه مشعر بكونه أخف فكأنه هنا عنى الإرسال الخفي لما فيه من إيهام اللقي والسماع معا وهناك الجلي لعدم الالتباس فيه لا سيما بعد أن صرح بأن الإرسال قد يبعث عليه أمور لا تضيره كأن يكون سمع الخبر من جماعة عن المرسل عنه بحيث صح عنده ووقر في نفسه أو نسي شيخه فيه مع علمه به عن المرسل عنه أو كان أخذه له مذاكرة أو لمعرفة المتخاطبين بذلك الحديث واشتهاره بينهم أو لغير ذلك مما هو في معناه
وقد تعرض ابن حزم لذكر التدليس في كتاب الإحكام فقال في فصل من يلزم قبول نقله الأخبار وأما المدلس فينقسم قسمين
أحدهما حافظ عدل ربما أرسل حديثه وربما أسنده وربما حدث به على سبيل المذاكرة أو الفتيا أو المناظرة فلم يذكر له سندا وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض فهذا لا يضر سائر رواياته شيئا لأن هذا ليس جرحة ولا غفلة لكنا نترك من حديثه ما علمنا يقينا أنه أرسله وما علمنا أنه أسقط بعض من في إسناده ونأخذ من حديثه ما لم نوقن فيه شيئا من ذلك
وسواء قال أخبرنا فلان أو قال عن فلان أو قال فلان عن فلان كل ذلك واجب قبوله ما لم يتيقن أنه أورد حديثا بعينه إيرادا غير مسند فإن أيقنا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط وأخذنا سائر رواياته
وقد روينا عن عبد الرزاق بن همام قال كان معمر يرسل لنا أحاديث فلما قدم عليه عبد الله بن المبارك أسندها له
وهذا النوع منه كان جلة أصحاب الحديث وأئمة المسلمين كالحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وقتادة بن دعامة وعمرو بن دينار وسليمان الأعمش وأبي الزبير وسفيان الثوري وسفيان بن

عيينة
وقد أدخل علي بن عمر الدارقطني فيهم مالك بن أنس ولم يكن كذلك ولا يوجد له هذا إلا في قليل من حديثه أرسله مرة وأسنده أخرى
وقسم آخر قد صح عنهم إسقاط من لا خير فيه من أسانيدهم عمدا وضم القوي إلى القوي تلبيسا على من يحدث وغرورا لمن يأخذ عنه ونصرا لما يريد تأييده من الأقوال مما لو سمى من سكت عن ذكره لكان ذلك على أو مرضا في الحديث
فهذا رجل مجروح وهذا فسق ظاهر واجب اطراح جميع حديثه صح أنه دلس فيه أو لم يصح أنه دلس فيه وسواء قال سمعت أو أخبرنا أو لم يقل كل ذلك مردود غير مقبول لأنه ساقط العدالة غاش لأهل الإسلام باستجازته ما ذكرناه ومن هذا النوع كان الحسن بن عمارة وشريك بن عبد الله القاضي وغيرهما
قال علي ومن صح أنه قبل التلقين ولو مرة سقط حديثه كله لأنه لم يتفقه في دين الله عز و جل ولا حفظ ما سمع وقد قال عليه الصلاة و السلام نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى بلغه غيره
فإنما أمر عليه الصلاة و السلام بقبول تبليغ الحافظ
والتلقين هو أن يقول القائل حدثك فلان بكذا ويسمي له من شاء من غير أن يسمعه منه فيقول نعم
فهذا لا يخلو من أحد وجهين ولا بد من أحدهما ضرورة إما أن يكون فاسقا يحدث بما لم يسمع أو يكون من الغفلة بحيث يكون ذاهل العقل مدخول الذهن
ومثل هذا لا يلتفت إليه لأنه ليس من ذوي الألباب ومن هذا النوع كان سماك بن حرب أخبر بأنه شاهد ذلك منه شعبة الإمام الرئيس بن الحجاج
وأما النوع الثاني وهو الحديث الضعيف الذي يكون موجب الرد فيه وجود أمر

في الراوي يوجب طعنا فيه فهو أقسام يعرف اسم كل قسم منها ورسمه مما نذكره الآن
وهو أن الحديث الضعيف إن كان موجب الرد فيه كذب الراوي في الحديث فهو الموضوع
وإن كان تهمته بالكذب فهو المتروك
وإن كان فحش غلطه أو كثرة غفلته أو ظهور فسقه فهو المنكر
وإن كان وهمه فهو المعلل
وإن كان مخالفته للثقات فإن كانت المخالفة بالإدراج فيه فهو المدرج
وإن كانت بالتقديم والتأخير فهو المقلوب
وإن كانت بالإبدال فيه مع التدافع حيث لا مرجح فهو المضطرب
وإن كانت بتغيير الحروف مع بقاء صورة الخط فإن كان التغيير بالنسبة إلى النقط فهو المصحف
وإن كان بالنسبة إلى الشكل فهو المحرف

زيادة بسط

الموضوع هو الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم -

سواء كان عمدا أم خطأ

والمتروك هو الحديث الذي ينفرد بروايته من يتهم بالكذب في الحديث
ويدخل فيه من عرف بالكذب في غير الحديث وإن لم يظهر كذبه في الحديث وذلك لأن التساهل في غير الحديث قد يجر إلى التساهل في الحديث
قال بعض علماء الأصول من تشدد في الحديث وتساهل في غيره فالأصح أن روايته ترد لأن الظاهر أنه إنما تشدد في الحديث لغرض وإلا لزم تشدده مطلقا

وقد يتغير ذلك الغرض أو يحصل بدون تشدد فيكذب
وقال بعضهم يرد خبر من عرف بالتساهل في الحديث النبوي دون المتساهل في حديثه عن نفسه وأمثاله وما ليس بحكم في الدين
وينبغي أن يكون محل الخلاف بين من يرد حديثه وبين من لا يرده في الكذب الذي لا يفضي إلى الخروج عن العدالة وأما الكذب الذي يفضي إلى الخروج عن العدالة ولو لم يكن فيه إلا خرم المروءة فلا خلاف في ترك حديث المعروف به عندهم
وأما المطروح فقد جعله بعضهم نوعا مستقلا وعرفه بأنه هو ما نزل عن الضعيف وارتفع عن الموضوع ومثل له بحديث جويبر عن الضحاك عن ابن عباس
وقد أدى نظر بعضهم إلى أنه هو الحديث المتروك المعرف هنا فيكون هذا القسم مما له اسمان
والمنكر هو الحديث الذي ينفرد بروايته من فحش غلطه أو كثرت غفلته أو تبين فسقه بغير الكذب
وهذا على رأي من لا يشترط في المنكر مخالفة راويه للثقات وقد سبق بيان المنكر على قولهم
والمعلل هو ما اطلع فيه بعد البحث والتتبع على وهم وقع لراويه من وصل منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك
والمدرج هو ما أدرج في الحديث مما ليس منه على وجه يوهم أنه منه
والإدراج قد يكون في المتن وقد يكون في الإسناد
مثال الإدراج في المتن ما روي عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

علمه التشهد فقال قل التحيات لله والصلوات فذكر التشهد إلى آخره وهو أشهد

أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
وذكر بعده فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد

فقوله فإذا قلت هذا إلى آخره إنما هو من كلام ابن مسعود أدرج في الحديث ويدل على الإدراج ما جاء في الرواية الأخرى وهو قال عبد الله فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك
ومثال الإدراج في الإسناد ما رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك الحديث
فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلا لا يذكر فيه عمرا بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون ومالك بن مغول وسعيد بن مسروق عن واصل
وقد بين الإسنادين معا يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان وفصل أحدهما من الآخر رواه البخاري في صحيحه عن عمرو بن علي عن يحيى عن سفيان عن منصور والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن عمرو عن عبد الله وعن سفيان عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل
قال عمرو بن علي فذكرته لعبد الرحمن وكان حدثنا عن سفيان عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل عن عمرو فقال دعه دعه
لكن رواه النسائي عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان عن واصل وحده عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل
فزاد في السند عمرا من غير ذكر أحد أدرج عليه رواية واصل
فكأن ابن مهدي لما حدث به عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل بإسناد واحد ظن الرواة عن ابن مهدي اتفاق طرقهم فاقتصر بعضهم على بعض شيوخ سفيان ولهذا قالوا لا ينبغي لمن يروي حديثا بسند فيه جماعة في طبقة واحدة مجتمعين في الرواية عن شيخ واحد أن يحذف بعضهم بل يأتي به عن جميعهم

لاحتمال أن يكون اللفظ في السند أو المتن لأحدهم وتكون رواية من عداه محمولة عليه فإذا حذف أحدهم فربما كان هو صاحب ذلك اللفظ
وقد عرف بعضهم المدرج في المتن بقوله هو زيادة تقع فيه
والأولى أن يزاد وليست منه وعرفه بعضهم بقوله هو الملحق بالحديث من قول بعض رواته
وقد ذكرنا كثيرا مما يتعلق بالمدرج فيما سبق
والمقلوب هو ما وقعت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير
وذلك كما في حديث أبي هريرة عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه
فإن فيه ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله
فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه كما ورد في البخاري وفي مسلم في بعض طرقه فعكس الراوي الذي انقلب عليه الأمر فجعل اليمين في موضع الشمال والشمال في موضع اليمين
وقد دل على القلب أمران أحدهما الرواية الأخرى التي اتفق عليها الشيخان
والثاني ما يقتضيه وجه الكلام لأن المعروف صدور الإنفاق في أغلب الأحيان عن اليمين وهذا النوع من قبيل القلب في المتن وهو قليل
والغالب في القلب أن يكون في الإسناد
ومن أمثلة القلب في المتن ما رواه خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة مرفوعا إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا
رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما
وهو مقلوب فإن المشهور المروي في الصحاح أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم

ويؤيد ذلك ما جاء في يعض الروايات أن ابن أم مكتوم وكان أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت
وقد جمع ابن خزيمة بينهما فجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم -

جعل أذان الليل نوبا بينهما فجاء الخبران على حسب الحالين وتابعه ابن

حبان عليه بل بالغ حتى جزم بذلك
وقال البلقيني إنه بعيد ولو فتحنا باب التأويل لاندفع كثير من علل المحدثين
قال ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس فيفرد بنوع ولم أر من تعرض لذلك
ومن أمثلة ذلك ما رواه الطبراني من حديث أبي هريرة إذا أمرتكم بشيء فأتوه وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم فإن المعروف ما في الصحيحين ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم
ومثال القلب في الإسناد وهو الأكثر قلب كعب بن مرة إلى مرة بن كعب وقلب مسلم بن الوليد إلى الوليد بن مسلم ونحو ذلك
هذا ما قاله بعض أهل الأثر ممن خص القلب بما ذكر
وقال الأكثرون القلب أعم من ذلك وجعلوا القلب في الإسناد قسمين
أحدهما أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل مكانه راو آخر في طبقته ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه وذلك نحو حديث مشهور بسالم جعل مكانه نافع
وكحديث مشهور بمالك جعل مكانه عبيد الله بن عمر
وممن كان يفعل ذلك من الوضاعين حماد بن عمرو النصيبي
ويقال إن فاعل ذلك هو الذي يطلق عليه أنه يسرق الحديث وربما قيل في الحديث نفسه إنه مسروق
وإطلاق السرقة في ذلك لا يظهر إلا فيما إذا كان الراوي المبدل به منفردا به وحينئذ لا يستغرب أن يقال إن المبدل قد سرقه منه

الثاني أن يؤخذ إسناد متن فيجعل لمتن آخر ويجعل ذلك المتن لإسناد آخر وسماه العلامة ابن الجزري بالقلب المركب وقد فعل ذلك بعضهم اختبارا لحفظ المحدث أو لكونه ممن يقبل التلقين أو لا يقبله
وقد جرى ذلك للإمام البخاري فقد حكى عدة من المشايخ أن ذلك الإمام الأوحد لما قدم بغداد وسمع به أصحاب الحديث اجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا ذلك إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري وأخذوا الموعد للمجلس
فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه
فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه
فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم
ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه
ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه
فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل

إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل
قال بعضهم إنه لا يتعجب من حفظ البخاري لها وتيقظه لتمييز صوابها من خطأها لأنه في الحفظ بمكان وإنما يتعجب من حفظه لتواليها كما ألقيت عليه من مرة واحدة
وقد وقع القلب من بعض الثقات الأثبات وذلك بغير قصد فقد ذكر أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال حدث سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس

فقلت له تعست يا أبا عبد الله يريد عثرت فقال كيف هو فقلت حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبي الجراح عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

فقال صدقت

وقد اشتمل هذا الخبر على شدة إنصاف الثوري وتواضعه وعدم أنفته من الرجوع إلى الصواب وعلى فرط غيره تلميذه القطان على أمر الحديث حتى خاطب أستاذه بما خاطبه به مع عثوره في موضع يعثر فيه لأن جل رواية نافع إنما هي عن ابن عمر وإنما اتفق هنا أن كان الأمر على خلاف المعتاد
وقد خطأ يحيى القطان شعبة أيضا وذلك حيث حدثوه عنه بحديث لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر
عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي فقال حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود
وهذا هو الصواب
ولا يتأتى ليحيى أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن أن الصواب في غير روايته
على أن الذين يميلون للجمع بأي حال كان يقولون في مثل هذا الوضع يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين فحدث به كل مرة بأحدهما فإن

مثل هذا الاحتمال يستبعده المحققون
نعم يرتفع الاستبعاد لو أتت رواية عن الحارث تشعر بذلك
على أن مدار الأمر عند المحققين إنما هو البناء على ما يغلب على الظن والاحتمال البعيد لا يعول عليه عندهم
هذا وقد عرف بعضهم القلب في المتن بقوله هو أن يعطى أحد الشيئين ما اشتهر للآخر
ويقرب منه قول العلامة شمس الدين محمد بن الجزري هو أن يكون الحديث على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه وربما انعكس وجعله نوعا مستقلا سماه بالمنقلب ومثل له بأمثلة منها ما ورد في البخاري في حديث تخاصم الجنة والنار وهو أنه ينشئ الله لها خلقا فذهل الراوي الآخر فقلب الجنة بالنار فصار ذلك من قبيل المنقلب
والمضطرب هو ما وقعت المخالفة فيه بالإبدال على وجه يحصل فيه التدافع مع عدم وجود المرجح
وقال ابن الصلاح المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له
وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه
ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك من راو واحد وقد يقع من رواة له جماعة
والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط
وقال بعضهم المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة سواء كان ذلك من راو واحد أو أكثر فإن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات لم يسم مضطربا

لأن الواجب حينئذ الأخذ بالراجحة وترك المرجوحة لكونها إما شاذة أو منكرة وكذلك إن أمكن الجمع بين تلك الروايات
والاضطراب قد يكون في المتن وقد يكون في السند وقد يكون فيهما
ومثال الاضطراب في المتن فيما أورده العراقي حديث فاطمة بنت قيس قالت سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم -

عن الزكاة فقال إن في المال لحقا سوى الزكاة

وهذا حديث قد اضطرب لفظه ومعناه فرواه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة
ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ ليس في المال حق سوى الزكاة
فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل
وقول البيهقي إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني إسنادا معارض بما رواه ابن ماجه هكذا
وقال بعضهم إن ما ذكره لا يصلح مثالا فإن شيخ شريك ضعيف فهو مردود من قبل ضعف راويه لا من قبل اضطرابه
نعم إنه يزداد بالاضطراب ضعفا
وأيضا فإنه مما يمكن تأويله بأنه يمكن أن تكون روت كلا من اللفظين عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وأن المراد بالحق المثبت المستحب وبالمنفي الواجب

وقال بعضهم قل أن يوجد للاضطراب في المتن مثال سالم من الخدش فإن الأمثلة التي يوردونها منها ما يمكن الجمع فيه بين الروايات ومنها ما يكون بعض الروايات فيه راجحة وفي الحالين لا يبقى الاضطراب
ومثال الاضطراب في الإسناد حديث أبي بكر الصديق أنه قال يا رسول الله أراك شبت قال شيبتني هود وأخواتها
فهذا مضطرب فإنه لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق السبيعي
وقد اختلف عليه فيه فمنهم من رواه عنه مرسلا ومنهم من رواه موصولا ومنهم من جعله من مسند أبي بكر ومنهم من جعله من مسند سعد ومنهم من جعله من مسند عائشة
وقد وقع الاختلاف فيه على نحو عشرة أوجه أوردها الدارقطني ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض والجمع متعذر

وهنا أمور ينبغي الانتباه لها

الأمر الأول أن المحدثين قلما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعا في نفس المتن لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدثين وإما هو من شأن المجتهدين
وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعا في نفس الإسناد لأنه من شأنهم
وذلك لأن الاطلاع على ما في الإسناد من علة على ما ينبغي يعسر على غيرهم بخلاف الاطلاع على ما في المتن من علة سواء كان فيه اضطراب أم لا فإنه سهل المدرك فلذلك صرفوا جل عنايتهم إلى بيان ما يتعلق بالإسناد ليكفوا غيرهم مؤونة ذلك ولذلك تتعرض لذكر ما وقع فيه الاضطراب من جهة المتن وإنما تعرضوا للمضطرب لأنه داخل في المعل فانتبه لذلك
الأمر الثاني لأن المضطرب قد يكون صحيحا وذلك في مثل ما إذا وقع الاختلاف في اسم رجل أو أبيه أو نسبته أو نحو ذلك فإنه لا يضر بعد ما ثبت كونه ثقة ويحكم لذلك الحديث بالصحة مع تسميته مضطربا
وفي الصحيحين أحاديث كثيرة من هذا القبيل ولذا قال بعض العلماء وقد يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن
الأمر الثالث قد وقع الاختلاف في الصلاة الكائنة في قصة ذي اليدين فإن الراوي شك فيها مرة ولم يدر أهي الظهر أو العصر وقال مرة إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر وجزم مرة بالعصر وقال مرة أكبر ظني أنها العصر
وقد روى النسائي ما يشهد لأن الشك فيها كان من أبي هريرة ولفظه صلى النبي صلى الله عليه وسلم -

إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة ولكني نسيت

قال بعض العلماء والظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك وكان ربما

غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وربما غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها ثم طرأ الشك في تعيينها على ابن سيرين أيضا فقد ثبت عنه أنه قال سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا
وكأن السبب في ذلك عدم الاهتمام بغير ما في القصة من الأحكام
وقد حاول بعضهم الجمع فذهب إلى أن القصة وقعت مرتين
وكثيرا ما يسلك بعضهم مثل ذلك في الجمع توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صوتا للرواة من أن ينسب الغلظ أو السهو أو النسيان إليهم
وكأن عناية هؤلاء بالرواة فوق عنايتهم بالمرويات فجمعهم كلا جمع لا سيما إن كان مما ينبو عنه السمع
وقد جرى ذكر ذي اليدين في كثير من كتب الأصول وذلك في مبحث وجوب الأخذ بما يرويه الواحد إذا كان عدلا فإنهم ذكروا أن بعض العلماء ذهب إلى أنه لا يقبل خبر الواحد العدل واستدل على ذلك بأنه عليه الصلاة و السلام لم يقبل خبر ذي اليدين حتى شهد له أبو بكر وعمر
وأجابوا عن ذلك ومنهم الفخر فإنه قال في الجواب إن ذلك إن دل فإنما يدل على اعتبار ثلاثة أبي بكر وعمر وذي اليدين ولأن التهمة كانت قائمة هناك لأنها كانت واقعة في محفل عظيم والواجب فيها الاشتهار
وقد ذكرنا سابقا جوابا لغيره وهو قوله أما توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم -

عن قبول قول ذي اليدين فيحتمل ثلاثة أمور

أحدها أنه جوز الوهم عليه لكثرة الجمع بعد انفراده بمعرفة ذلك مع غفلة الجميع إذ الغلط عليه أقرب من الغفلة على الجمع الكثير
وحيث ظهرت أمارات الوهم يجب التوقف
الثاني أنه وإن علم صدقه جاز أن يكون سبب توقفه أن يعلمهم وجوب التوقف في مثله ولو لم يتوقف لصار التصديق مع سكوت الجماعة سنة ماضية فحسم سبيل ذلك

الثالث أنه قال قولا لو علم صدقه لظهر أثره في حق الجماعة واشتغلت ذمتهم فألحق بقبيل الشهادة فلم يقبل فيه قول الواحد والأقوى ما ذكرناه من قبل
نعم لو تعلق بهذا من يشترط عدد الشهادة يلزمه اشتراط ثلاثة ويلزمه أن يكون في جمع يسكت عليه الباقون لأنه كذلك كان
والظاهر أن المستدلين بهذه القصة والمجيبين عن استدلالهم لم يأخذوها من أئمة الحديث أو كتبهم كما هو دأبهم ولذلك ذكر صاحب تفضيل السلف على الخلف في الأصول أن من مناقب الأستاذ أبي إسحاق الشيرازي أنه على كبر سنه وانتهاء رياسة العلم ببغداد إليه كان يتردد إلى بعض علماء الحديث لمعرفة ما أشكل عليه من النقل وأحكام الرواية والعلل
ولنذكر ما ورد في الصحيحين في قصة ذي اليدين قال البخاري
باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول حدثنا آدم حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال
صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم -

الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين الصلاة يا رسول الله أنقصت فقال

النبي صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أحق ما يقول قالوا نعم فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين
قال سعد ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين فسلم وتكلم ثم صلى ما بقي وسجد سجدتين وقال هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم -
باب من لم يتشهد في سجدتي السهو وسلم أنس والحسن ولم يتشهدا وقال قتادة لا يتشهد حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن أيوب بن

أبي تيمية السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله ص

- فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن سلمة بن علقمة قال قلت لمحمد في سجدتي السهو تشهد قال ليس في حديث أبي هريرة
باب يكبر في سجدتي السهو حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد عن أبي هريرة قال صلى النبي إحدى صلاتي العشي محمد وأكثر ظني أنها العصر ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم -

ذو اليدين فقال أنسيت أم قصرت فقال لم أنس ولم تقصر قال بلى قد نسيت فصلى

ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر
وقال مسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة قال عمرو أنبأنا سفيان بن عيينة قال أنبأنا أيوب قال سمعت محمد بن سيرين يقول سمعت أبا هريرة يقول
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما

العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليه مغضبا وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة فقال ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم -

يمينا وشمالا فقال ما يقول ذو اليدين قالوا صدق لم تصل إلا ركعتين فصلى

ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع
قال وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال وسلم
وحدثنا أبو الربيع الزهراني قال أنبأنا حماد قال أنبأنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشي بمعنى حديث سفيان
وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن داود الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه قال سمعت أبا هريرة يقول صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول

الله أم نسيت فقال رسول الله كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقالوا نعم يا رسول الله فأم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم
وحدثني حجاج بن الشاعر قال أنبأنا هارون بن إسماعيل الخزاز قال

أنبأنا علي وهو ابن المبارك قال أنبأنا يحيى قال حدثنا أبو سلمة قال أنبأنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

صلى ركعتين من صلاة الظهر ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم فقال يا رسول

الله أقصرت الصلاة أم نسيت وساق الحديث
وحدثني إسحاق بن منصور قال أنبأنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلاة الظهر سلم رسول الله من الركعتين فقال رجل من بني سليم واقتص الحديث
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعا عن ابن علية قال زهير أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له

الخرباق وكان في يديه طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا خالد وهو الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال سلم رسول الله في ثلاث ركعات من العصر ثم قال فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم
واعلم أن في حديث ذي اليدين فوائد جمة وقواعد مهمة

منها جواز النسيان في الأفعال والعبادات على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنهم لا يقرون على الخطأ في ذلك
ومنها أن الواحد إذا ادعى شيئا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال
ومنها إثبات سجود السهو وأنه سجدتان وأنهما على هيئة سجود الصلاة وأنه يسلم من سجود السهو وأنه لا تشهد فيه
ومنها أن كلام الناسي للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها وبهذا قال جمهور العلماء
وذهب بعضهم إلى أن الصلاة تبطل بالكلام ناسيا أو جاهلا لحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم وزعموا أن الحديث الوارد في قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم
قالوا لأن ذا اليدين قتل يوم بدر ونقلوا ذلك عن الزهري قالوا ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإسلام عن بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم -

أو من أحد أصحابه الحاضرين لذلك

وقد رد ذلك ابن عبد البر في التمهيد فقال أما ادعاؤهم أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود فغير صحيح لأنه لا خلاف بين أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من أرض الحبشة قبل الهجرة وأن حديث أبي هريرة أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدنية وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف
وأما حديث زيد بن أرقم فليس فيه بيان أنه قبل حديث أبي هريرة أو بعده والنظر يشهد أنه قبل حديث أبي هريرة

وأما قولهم إن أبا هريرة لم يشهد ذلك فليس بصحيح بل شهوده لها محفوظ من رواية الثقات الحفاظ ففي البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إحدى صلاتي العشي فسلم من اثنتين وذلك الحديث وقصة ذي اليدين وفي رواية

صلى بنا رسول الله وفي رواية في مسلم وغيره بينا أنا أصلي مع رسول الله
وأما قولهم إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين وقد ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير فيمن قتل يوم بدر قال ابن إسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن غبشان من خزاعة حليف لبني زهرة فذو اليدين غير ذي الشمالين ففيه حضور أبي هريرة قصة ذي اليدين وأن المتكلم رجل من بني سليم وفي رواية عمران بن الحصين أن اسمه الخرباق كما ذكر ذلك مسلم
فذو اليدين الذي شهد السهو في الصلاة سلمي وذو الشمالين المقتول ببدر خزاعي وهو يخالفه في الاسم والنسب
وأما قول الزهري في حديث السهو إن المتكلم ذو الشمالين فلم يتابع عليه
وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ولا يعلم أحد من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث الزهري في قصة ذي اليدين وكلهم تركوه لاضطرابه وكونه لم يتم له إسنادا ولا متنا وإن كان إماما عظيما في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر والكمال لله تعالى ولك أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ص

فقول الزهري إنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطة فيه
ومن أراد زيادة البيان فليرجع إلى التمهيد
ومن الغريب ما وقع فيما رواه النسائي مما يدل على أنهما واحد وهو فقال له ذو الشمالين بن عمرو أنقصت الصلاة أن نسيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم -

ما يقول ذو اليدين فصرح بأن ذو الشمالين هو ذو اليدين لكن نص الشافعي في

اختلاف الحديث على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين
قال بعض المؤلفين قوله صلى لنا رسول الله صلاة العصر فسلم ركعتين وفي رواية صلاة الظهر قال المحققون هما قضيتان
وفي حديث عمران بن الحصين سلم رسول الله في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه
وفي رواية له سلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقال رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة وحديث عمران هذا قضية ثالثة في يوم آخر
فقد اختار هذا المؤلف في الجمع بين الروايات التي نقلناها عن مسلم هنا أن يقال سها رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ثلاث مرات مرة في صلاة الظهر ومرتين في صلاة العصر وفي كل مرة يقوم ذو

اليدين فيقول ما نقل عنه ويقول رسول الله أصدق ذو اليدين أو هذا فيقول الناس نعم
وسبب اختيار ذلك مع غرابة اتفاق مثل هذه الحال ثلاث مرات الحرص على صون بعض الرواة من نسبة الوهم أو الغلط أو السهو إليهم مع أنه لا ملام في مثل ذلك عليهم فاربأ بنفسك عن الاعتراض على كثير مما يقال فإن في ذلك إضاعة للوقت وهي عثرة لا تقال
والمصحف هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير النقط في الكلمة مع بقاء صورة

ومثاله حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال
إذا غيرت ستا وجعلتها شيئا كما وقع ذلك لبعض الأدباء فيه
والتصحيف كما يقع في المتن يقع في الإسناد ومثاله فيه تصحيف بعض الحدثين ابن مزاجم وهو بالراء والجيم ابن مزاحم بالزاي والحاء
والمحرف هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير الشكل في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها
ومثال ذلك ما وقع لبعض الأعراب فإنه رأى في كتاب من كتب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان إذا صلى نصبت بين يديه عنزة

والعنزة الحربة فظنها بسكون النون ثم روى ذلك بالمعنى على حسب وهمه فقال كان النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا صلى نصبت بين يديه شاة

وكما يقع التحريف في المتن يقع في الإسناد
ومثاله فيه أن تجعل بشيرا بفتح الباء وكسر الشين بشيرا بضم الباء وفتح الشين
وقس على ذلك ما أشبهه
واعلم أن التصحيف والتحريف قد يطلق كل منهما على ما يشمل هذين النوعين بل قد يطلق كل منهما على كل تغيير يقع في الكلمة ولو مع عدم بقاء صورة الخط فيها
تنبيه كثيرا ما يحاول أناس إزالة التصحيف عن كلمات يتوهمون أنها قد صحفت فيغيرونها بما بدا لهم لا سيما إن كانت قريب المأخذ فيحدث بذلك التصحيف بعد أن لم يكن وهم يظنون أنهم أزالوه بعد أن كان
ومن أمثلة ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي حيث قال حديث عمران بن حصين من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله

نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد
البخاري بلفظ أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم -

عن صلاة الرجل قاعدا فقال إن صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف

أجر القائم ومن صلى نائما الحديث مثله
تنبيه المراد بالنائم المضطجع
وصحف بعضهم هذه اللفظة فقال إنما هو صلى بإيماء أي بالإشارة كما روي أنه ص -

على ظهر الدابة يومئ إيماء قال ولو كان من النوم لعارض نهيه عن الصلاة

لمن غلبه النوم
وهذا إنما قاله هذا القائل بناء على أن المراد بالنوم حقيقته وإذا حمل على الاضطجاع اندفع الإشكال
قوله ويروى صلاة النائم على النصف من صلاة القاعد
قلت رواه بهذا اللفظ ابن عبد البر وغيره وقال السهيلي في الروض ربما نسب بعض الناس النسائي إلى التصحيف وهو مردود لأنه في الرواية الثابتة وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد
قلت وهو يدفع ما تعلل به القائل الأول
وقال ابن عبد البر جمهور أهل العلم لا يجيزون النافلة مضطجعا فإن أجاز أحد النافلة مضطجعا مع القدرة على القيام فهو حجة له فإن لم يجزه أحد فالحديث إما غلط أو منسوخ
وقال الخطابي لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجها في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبره لصلاة المريض نائما إذا عجز عن القعود جاز التطوع مضطجعا للقادر على القعود
انتهى
وما ادعياه من الاتفاق على المنع مردود فقد حكاه الترمذي عن الحسن البصري وهو أصح الوجهين عن الشافعية
وقد ذكرنا كثيرا مما يتعلق بالتصحيف فيما سبق
هذا وقد بقي مما يتعلق بمخالفة الراوي لغيره من الثقات مما لم نذكره سابقا قسم يسمى بالمزيد في متصل الأسانيد وهو ما كانت المخالفة فيه بزيادة راو في

الإسناد وقد جمع الحافظ العراقي بينه وبين خفي الإرسال في موضع واحد وابتدأ بخفي الإرسال فقال فيه هو أن يروي الرجل عمن سمع منه ما لم يسمع منه أو عمن لقيه ولم يسمع منه أو عمن عاصره ولم يلقه فهذا قد يخفى على كثير من أهل الحديث لكونهما قد جمعهما عصر واحد
وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين وقد أفرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل فتبعته على ذلك
ثم ذكر أن خفي الإرسال يعرف بأربعة أمور
أحدها أن يعرف عدم اللقاء بينهما بنص بعض الأئمة على ذلك أو يعرف ذلك بوجه صحيح
الثاني أن يعرف عدم سماعه منه مطلقا بنص إمام على ذلك أو نحوه
الثالث أن يعرف عدم سماعه منه لذلك الحديث وإن سمع منه غيره وذلك إما بنص إمام أم إخباره عن نفسه في بعض طرق الحديث أو نحو ذلك
الرابع أن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما
ثم قال وهذا القسم الرابع محل نظر لا يدركه إلا الحفاظ النقاد ويشتبه ذلك على كثير من أهل الحديث لأنه ربما كان الحكم للزائد وربما كان الحكم للناقص والزائد وهم فيكون من نوع المزيد في متصل الأسانيد
وذلك جمعت بينه وبين خفي الإرسال وإن كان ابن الصلاح جعلهما نوعين
وكذلك الخطيب أفردهما بالتصنيف
وصنف في الأول كتابا سماه التفصيل لمبهم المراسيل وصنف في الثاني كتابا سماه تمييز المزيد في متصل الأسانيد وفي كثير مما ذكره فيه نظر والصواب ما ذكره ابن الصلاح من التفصيل واقتصرت عليه
ولنذكر ما ذكره ابن الصلاح في ذلك برمته قال النوع السابع والثلاثون معرفة المزيد في متصل الأسانيد
مثاله ما روي عن عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني بسر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس يقول سمعت وائلة ابن الأسقع يقول سمعت أبا مرثد الغنوي

يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها

فذكر سفيان في هذا الإسناد زيادة ووهم وهكذا ذكر أبي إدريس
أما الوهم في ذكر سفيان فمن دون ابن المبارك لا من ابن المبارك لأن جماعات ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه ومنهم من صرح فيه بلفظ الإخبار بينهما
وأما ذكر ابن إدريس فيه فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة وفيهم من صرح فيه بسماع بسر من واثلة
قال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا
وكثيرا ما يحدث بسر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس عن واثلة
وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه
قلت قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه تمييز المزيد في متصل الأسانيد وفي كثير مما ذكره نظر لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظة عن في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد لما عرف في نوع المعلل وكما يأتي ذكره إن شاء الله في النوع الذي يليه وإن كان فيه تصريح بالسماع أو بالإخبار كما في المثال الذي أوردناه فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه ثم سمعه منه نفسه فيكون بشر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة ثم لقي واثلة فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا
اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال المذكور
وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين فإذا لم يجيء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة والله أعلم
وقال بعض العلماء بعد ما أورد ما ذكروه في حكم هذا النوع وبالجملة فلا يطرد الحكم هنا بشيء معين كما لم يطرد ذلك في تعارض الوصل والإرسال

وقد أحببنا أن نورد ذلك لمناسبته لما نحن فيه فنقول إذا اختلف الرواة في حديث فرواه بعضهم متصلا وبعضهم مرسلا فللعلماء في ذلك أربعة أقوال
القول الأول أن الحكم لمن وصل وهو الأظهر وإليه ذهب علماء الأصول
القول الثاني أن الحكم لمن أرسل ويحكى عن أكثر أصحاب الحديث
القول الثالث أن الحكم للأكثر فإن كان من أرسله أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال وإن كان من وصله أكثر ممن أرسله فالحكم للوصل
القول الرابع أن الحكم للأحفظ فإن كان من أرسله أحفظ فالحكم للإرسال وإن كان من وصله أحفظ فالحكم للوصل
والذي يظهر أن محل كل قول من هذه الأقوال إنما هو فيما لم يظهر مرجح لخلافه ومن تتبع آثار متقدمي هذا الفن كابن مهدي والقطان والبخاري وأحمد ظهر له إنهم لم يحكموا في هذه المسألة بحكم كلي بل جعلوا المعول في ذلك على المرجح فمتى وجد كان الحكم له ولذلك تراهم يرجحون تارة الوصل وتارة الإرسال كما يرجحون تارة عدد الذوات على الصفات وتارة العكس
ومما يناسب هذه المسألة مسألة أخرى يجعلونها تالية لها في الذكر وهي ما إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر

وقد اختلف في هذه المسألة
فقال بعضهم إن الحكم للرافع لأنه مثبت وغير ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه
وقال بعضهم إن الحكم للواقف ويحكى عن أكثر أصحاب الحديث
وقال بعضهم إن الحكم للرافع إلا أن يقفه الأكثرون
وقد أشار إلى هذا

القول العلامة ابن الجوزي في موضوعاته حيث قال إن البخاري ومسلما تركا أشياء تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها فمما لا وجه لتركه أن يرفع الحديث ثقة ويقفه آخر فترك هذا لا وجه له لأن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة إلا أن يقفه الأكثر ويرفعه واحد فالظاهر غلطه وإن كان من الجائز أن يكون حفظ دونهم
قال الحاكم قلت للدارقطني فخلاد بن يحيى فقال ثقة إنما أخطأ في حديث واحد فرفعه ووقفه الناس
وقلت له فسعيد بن عبيد الله الثقفي فقال ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها وغيره يقفها
هذا وقد ذكرنا في الضعيف وأقسامه ما فيه تبصرة للمبتدي وتذكرة لغيره إلا بحث المعلل فإنا لم نوفه حق من البيان مع أنه من أهم المباحث فأحببنا إفراده بالبحث اعتناء بشأنه
وقبل أن نشرع في ذلك نقول كما أن للحديث المقبول وهو الصحيح ونحوه مراتب كذلك للحديث المردود وهو الضعيف ونحوه مراتب
والضعيف إذا رتب على حسب شدة الضعف قدم الموضوع وهذا أمر لا خلاف فيه ويتلوه المتروك ثم المنكر ثم المعلل ثم المدرج ثم المقلوب ثم المضطرب
وقال الخطابي شرها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول
وقال بعضهم الضعيف الذي ضعفه لا لعدم الاتصال يقدم فيه الموضوع ثم المتروك ثم المدرج ثم المقلوب ثم المنكر ثم الشاذ ثم المعلل ثم المضطرب
والضعيف الذي ضعفه لعدم الاتصال يقدم فيه المعضل ثم المنقطع ثم المدلس ثم المرسل
وهذا الترتيب الذي ذكروه إنما نظروا فيه إلى الجملة وإلا فقد يكون في المقدم ما هو أخف ضعفا مما بعده
وانظر إلى المعضل مثلا فإنهم قدموه على المنقطع وجعلوه أسوأ منه حالا مع أن المنقطع قد يكون مساويا للمعضل وذلك فيما إذا كان الانقطاع فيه من موضعين وكان المعضل قد سقط منه اثنان فقط على الشرط

وهو التوالي وقد يكون أسوأ حالا منه وذلك فيما إذا كان الانقطاع فيه من ثلاثة مواضع وحينئذ فتقديم المعضل على المنقطع والحكم عليه بأنه أسوأ حالا منه إنما هو بالنظر للغالب فهو حكم مبني على الجملة فينبغي الانتباه لذلك ولما أشبهه

بيان شاف للمعلل من الحديث

هذا النوع من أجل أ واع علوم الحديث وأشرفها وأدقها وأغمضها ولا يقوم به إلا من كان له فهم ثاقب وحفظ واسع ومعرفة تامة بالأسانيد والمتون وأحوال الرواة ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أئمة الحديث كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن أبي شيبة وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة والدارقطني
ويقال للمعلل المعلول والمعلل أما المعلول فقد وقع في كلام البخاري والترمذي وابن عدي والدارقطني وأبي يعلى الخليلي والحاكم وغيرهم
وقد أنكر بعض العلماء ذلك من جهة اللغة وأنهم قالوا إن المعلول في اللغة اسم مفعول من عله إذا سقاه السقية الثانية
وتعقبهم آخرون فقالوا قد ذكر في بعض كتب اللغة عل الشيء إذا أصابته علة فيكون لفظ معلول هنا مأخوذا منه قال ابن القوطية عل الإنسان مرض والشيء أصابته العلة فيكون استعماله بالمعنى الذي أرادوه غير منكر بل قال بعضهم استعمال هذا اللفظ أولى لوقوعه في عبارات أهل الفن مع ثبوته لغة ومن حفظ حجة على من لم يحفظ
قال ابن هشام في شرح بانت سعاد عند قول كعب
( تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول )
قوله معلول اسم مفعول كما أن منهلا كذلك إلا أن فعله ثلاثي مجرد يقال عله يعله بالضم على القياس ويعله بالكسر إذا سقاه ثانيا وأصل ذلك أن

الإبل إذا شربت في أول الورد سمي ذلك نهلا فإذا ردت إلى أعطانها ثم سقيت الثانية سمي ذلك العلل
وزعم الحريري أن المعلول ل يستعمل إلا بهذا المعنى وأن إطلاق الناس له على الذي أصابته العلة وهم وأنه إنما يقال لذلك معل من أعله الله وكذا قال ابن مكي وغيره ولحنوا المحدثين في قولهم حديث معلول وقالوا الصواب معل أو معلل
انتهى
والصواب أنه يجوز أن يقال عله فهو معلول من العلة إلا أنه قليل وممن نقل ذلك الجوهريي في صحاحه وابن القوطية في أفعاله وقطرب في كتاب فعلت وأفعلت وذكر ابن سيده في المحكم أن في كتاب أبي إسحاق في العروض معلول ثم قال ولست على ثقة منه
انتهى
قيل ويشهد بهذه اللغة قولهم عليل كما تقول جريح وقتيل
انتهى
ولا دليل في ذلك لقولهم عقيد وضمير وهما بمعنى مغفل لا بمعنى مفعول
ونظير هذا أن المحدثين يقولون أعضل فلان الحديث فهو معضل بالفتح ورد بأن المعروف أعضل الأمر فهو معضل كأشكل فهو مشكل
وأجاب ابن الصلاح بأنهم قالوا أمر عضيل أي مشكل وفعيل يدل على الثلاثي فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل وأظلم الله الليل
انتهى
وقد بينا أن فعيلا يأتي من غير الثلاثي ثم إنه لا يكون من الثلاثي القاصر
وأما المعلل فقد شاع استعمال القوم له وذاع وهو اسم مفعول من قولك عللته تعليلا إلا أن التعليل في اللغة لا يناسب المعنى المراد لأنه بمعنى الإلهاء تقول عللت الصبي بالطعام تعليلا إلا ألهيته عن اللبن
ولذا قال بعضهم الأحسن أن يسمى هذا النوع بالمعل لأن الأكثر في استعمال الفعل أن يقولوا أعله

فلان بكذا والقياس فيه أن يكون اسم المفعول منه معلا وهو المعروف في اللغة وإن كان نادر الاستعمال فإن الأكثر في الاستعمال لفظ عليل وقد جاء معل في عبارة بعض المحدثين
وهذا أوان الشروع في إيراد عبارات القوم في المعل قال جامع أشتات هذا الفن الحافظ ابن الصلاح النوع الثامن عشر معرفة الحديث المعلل ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة
اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها
ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر
ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه قال الخطيب أبو بكر السبيل إلى معرفة علة الحديث أن

يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط
وروي عن علي بن المديني قال الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطوه
ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال البيعان بالخيار الحديث

فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة
ومثال العلة في المتن ما نفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله كانوا يستفتحون بالحمد أنهم كانوا

لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر التسمية
وانضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

والله أعلم

ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل ولذلك تجد في كثير من كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح وسمي الترمذي النسخ علة من علل الحديث
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ والله أعلم
قال المحقق الطيبي في الخلاصة في علم الحديث أقول وفي قول ابن الصلاح فعلل قوم هذه الرواية إشارة إلى أنه غير راض عن تخطئتهم مسلما وذلك أن المذكور في المتفق عليه عن أنس قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحد منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وفي

رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها

وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل قال سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فقال أي بني محدث إياك والحدث وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم -

وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع منهم أحدا يقولها فلا تقلها إذا أنت صليت

فقل الحمد لله رب العالمين
فأين العلة ولعل المعل مال إلى مذهبه والإذعان للحق أحق من المراء
وقد تصدى العلامة ابن تيمية لبيان هذه المسألة على الوجه الذي أداه إليه بحثه وذلك حين سأله سائل عن حديث أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم -

وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون

بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها هل هو مضطرب أم لا ما حكم هذا الحديث مختصرا فقال في جوابه
أما حديث أنس فرواه مسلم في صحيحه باللفظ المذكور وروي في الصحيح بألفاظ لا تخلف هذا اللفظ مثل قوله فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وهذا اللفظ لا ينافي الأول لأن أنسا لم ينف القراءة في السر ولا يمكنه نفي ذلك فإنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كانت له سكتة طويلة بين التكبير والقراءة فإذا قرأ في تلك السكتة البسملة

لم يسمعها أنس ولا يمكنه في ذلك فإن أنسا إنما نفى ما يمكنه العلم بانتفائه وهو ذكرها جهرا
وفي الترمذي وغيره أن أنسا سئل هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألني عن شيء ما سألني عنه أحد

وقال لا أحفظه
وهذا لا ينافي ذلك الأول لأنه سأله عن قراءة ذلك سرا وهو لا يعلم ذلك
فأحاديث أنس الصحيحة كلها مؤتلفة متفقة تبين أنه نفى الجهر بالقراءة وأنه لم يتكلم في قراءتها سرا لا بنفي ولا إثبات وحينئذ فلا اضطراب في أحاديثه

الصحيحة ولكن من العلماء من ظن أن أنسا لم يقل ذلك ولكن روى أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين وأن مقصود أنس كان الإخبار

بالسورة لا بالكلمة وأن الراوي عن أنس ظن أن مقصوده هو الكلمة وأنه رواه بالمعنى فنفى القراءة بالبسملة اجتهادا منه لا سماعا عن انس
لكن من المعلوم أن رواية الثقات الأثبات لا تدفع بمثل هذه الاحتمالات لا سيما وافتتاح الصلاة بالفاتحة من العلم الذي يعلمه كل واحد فكل من صلى أنس خلفه من الخلفاء والأمراء وغيرهم يفتتح الصلاة بالفاتحة وجميع الناس يعلمون ذلك فلم يكن في هذا من العلم ما يحتاج به إلى رواية أنس ولا ينحصر مثل هذا في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم -

وصاحبيه فلو لم يكن إلا تلك الرواية لم يجز تفسيرها بهذا فكيف مع تصريح

الأحاديث الصحيحة عن أنس بمقصوده ومراده
وقد مع محمد بن طاهر المقدسي جزأ في طرق حديث أنس ورواية الثقات الأثبات له بهذا اللفظ عن أنس على وجه يعلم من تدبره أنه محفوظ صحيح كما أخرجه أهل الصحيح وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

حديث صحيح يناقض حديث أنس بل غيره من الأحاديث الصحيحة كحديث عائشة وأبي

هريرة وغيرهما يوافق حديث أنس وما خالفه فإما أن يكون ضعيفا أو يكون محتملا والله أعلم
وقد سئل عن هذه المسألة مرة أخرى فأجاب عنها بجواب مبسوط وهي من المسائل المهمة التي اشتد فيها النزاع بين الفريقين وقد صنف من الجانبين مصنفات كثيرة غير أن منهم من التزم الانتصار للقول الذي ألزم نفسه الأخذ به محاولا جعل الصحيح ذا علة والمعل سالما من العلة
ومنهم من التزم الانتصار لما أداه إليه الدليل وهؤلاء قد أحسنوا وما على المحسنين من سبيل
وقال الحاكم في كتاب علوم الحديث في النوع السابع والعشرين هذا

النوع منه معرفة علل الحديث وهو علم برأسه غيره صحيح والسقيم والجرح والتعديل
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله قال سمعت أبا قدامة السرخسي يقول عبد الرحمن بن مهدي يقول لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليست عندي
قال أبو عبد الله وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات بأن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمها فيصير الحديث معلولا والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير
وقال عبد الرحمن بن مهدي معرفة الحديث إلهام فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا لم لكن له حجة
وأخبرني أبو علي الحسين بن محمد بن عبدويه بالري قال حدثنا محمد بن صالح الكيليني قال سمعت أبا زرعة وقال له رجل ما الحجة في تعليلكم الحديث
قال الحجة أن تسألني عن حديث له علة فاذكر علته ثم تقصد ابن واره يعني محمد بن مسلم بن واره فتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته ثم تقصد أبا حاتم فيعلله ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث فإن وجدت بيننا خلافا في علته فاعلم أن كلا منها تكلم على مراده وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم
قال ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم عليه فقال أشهد أن هذا العلم إلهام
ثم ذكر بعد ذلك من علل الحديث عشرة أجناس وأورد لكل جنس مثالا مع بيان العلة التي فيه وقد أحببت أن أذكر ذلك موردا قبل كل مثال تعريف الجنس الذي أورد ذلك المثال لأجله زيادة في الإيضاح لما في هذا النوع من الغموض وهاك ما أورده

الجنس الأول من أجناس علل الحديث أن يكون السند ظاهره الصحة ولكن فيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك لا

إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك
قال أبو عبد الله هذا حديث من تأمله لم يشك أنه شرط الصحيح وله علة فاحشة
حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الوراق قال سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون القصار يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله حدثك محمد بن سلام قال حدثنا مخلد بن يزيد الحراني قال أخبرنها ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في كفارة المجلس فما علته

قال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل قال حدثنا

وهيب قال حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال محمد بن إسماعيل هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل
والجنس الثاني من علل الحديث أن يسند الحديث من وجه ظاهره الصحة ولكن يكون مرسلا من وجه رواه الثقات الحفاظ
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدروي قال حدثنا قبيصة بن عقبة عن سفيان عن خالد الحذاء أو عاصم عن أبي قلابة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أرحم أمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم

أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وإن لك أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة
قال أبو عبد الله وهذا علته من نوع آخر فلو صح بإسناده لأخرج في الصحيح إنما روى خالد عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قال أرحم أمتي مرسلا فأسند ووصل إن لكل أمة أمينا وأبو عبيدة أمين هذه

الأمة
هكذا رواه البصريون الحفاظ عن خالد الحذاء وعاصم جميعا فأسقط المرسل من الحديث وخرج المتصل بذكر أبي عبيدة في الصحيحين
والجنس الثالث من علل الحديث أن يكون الحديث محفوظا عن صحابي ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير

عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قال إني لأستغفر الله وأبو إليه في اليوم مئة مرة

قال أبو عبد الله وهذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شرط الصحيح
والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا
حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني قال حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو الربيع قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني قال سمعت أبا بردة يحدث عن الأغر المزني وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مئة مرة

قال أبو عبد الله رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن أبي الربيع وهو الصحيح المحفوظ ورواه الكوفيون أيضا مسعر وشعبة وغيرهما عن عمرو بن مرة عن أبي بردة هكذا
والجنس الرابع من علل الحديث أن يكون الحديث محفوظا عن صحابي يروى عن تابعي فيقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته عن غيره ممن لا يكون معروفا من جهته
ومثاله ما أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا زهير بن محمد عن عثمان بن سليمان عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم -

يقرأ في المغرب بالطور

قال أبو عبد الله قد خرج العسكري وغيره من المشايخ هذا الحديث في

ج4كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر طاهر الجزائري الدمشقي

الوحدان وهو معلول من ثلاثة أوجه أحدها أن عثمان هو ابن أبي سليمان والآخر أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه
والثالث قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبو سليمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم -

ولم يره وقد خرجت شواهده في التلخيص

والجنس الخامس من العلل أن يكون روي بالعنعنة وسقط منه راو دل عليه طريق أخرى محفوظة
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا بحر بن نصر قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن أبن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار أ هم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار فذكر الحديث بطوله

قال أبو عبد الله علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة محله قصر به وإنما هو عن ابن عباس قال حدثني رجال من الأنصار
هكذا رواه ابن عيينة ويونس في سائر الروايات وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان والأوزاعي وغيرهم عن الزهري وهو مخرج في الصحيح
والجنس السادس من العلل أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ويكون المحفوظ ما قابل الإسناد
ومثاله ما حدثنا به أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العباس الثقفي قال حدثنا حاتم بن الليث الجوهري قال حدثنا حامد بن أبي حمزة السكري قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله

مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام إلي فحفظنيها
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة عجيبة حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس الضبي من أصل كتابه قال أخبرنا أحمد بن علي بن رزين الفاشاني من أصل كتابه قال حدثنا علي بن خشرم قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال بلغني أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن لغة إسماعيل كانت قد درست فأتاني بها جبريل فحفظنيها

والجنس السابع من علل الحديث أن يختلف على رجل في تسمية من روى عنه أو عدم تسميته
ومثاله ما حدثنا به الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي قال حدثنا أبو داود سليمان بن محمد المباركي قال حدثنا أبو شهاب عن سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم

قال أبو عبد الله وهكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس عن الثوري فنظرت فإذا له علة أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد المحبوبي بمرو قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي سلمة قال سفيان أراه ذكر أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم
والجنس الثامن من علل الحديث أن يكون الراوي عن شخص قد أدركه وسمع منه ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن

إسحاق الصغاني قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان إذا أفطر عند أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار

ونزلت عليكم السكينة
قال أبو عبد الله قد ثبت من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير عن أنس إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث وله علة أخبرنا أبو العباس قاسم بن قاسم السياري وأبو محمد الحسن بن حليم المروزيان بمرو قالا حدثنا أبو الموجه قال أخبرنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال حدثت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان إذا أفطر عن أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار

وصلت عليكم الملائكة
والجنس التاسع من علل الحديث أن يكون للحديث طريق معروف فيروي أحد رجاله الحديث من غير ذلك الطريق فيقع في الوهم
ومثاله ما أخبرنا به أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك وذكر

الحديث بطوله
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة صحيحة والمنذر عبد الله أخذ طريق الجادة فيه حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله العلوي النقيب بالكوفة قال حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه كان إذا افتتح الصلاة فذكر الحديث بغير هذا اللفظ وهذا مخرج في

الصحيح لمسلم

الجنس العاشر من علل الحديث أن يروى الحديث مرفوعا من وجه موقوفا من وجه
ومثاله ما أخبرنا به أحمد بن علي بن الحسن المقرئ قال حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي قال حدثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء

قال أبو عبد الله الحاكم لهذا الحديث علة صحيحة أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن السبيعي بالكوفة قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال سئل جابر عن الرجل يضحك في الصلاة قال يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
قال أبو عبد الله فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس وبقيت أجناس لم نذكرها وإ ما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم انتهى كلام الحاكم
وقد ألفت في علل الحديث كتب وأجلها كتاب ابن المديني وان أبي حاتم والخلال وأجمعها كتاب الدارقطني
وقد وقفت على أحد هذه الكتب وهو كتاب الإمام أبي محمد عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم فرأيته من الكتب الجليلة المقدار التي لا يستغني عن الاطلاع عليها وتكرار النظر إليها من أراد الإشراف على هذا النوع الذي هو من أغمض الأنواع فضلا عمن يحب أن يعد نفسه لاتباع آثار الواقفين على أسراره
قال في مقدمة الكتاب حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول قال عبد الرحمن بن مهدي معرفة الحديث إلهام
قال ابن نمير وصدق لو قلت له من أين قلت لم يكن له جواب
وسمعت أبي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة
وسمعت

أبي يقول مثل معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مئة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم
وقد أحببت أن أورد منه أمثلة سهلة المأخذ ليقف الطالب على مسلك جهابذة القوم في ذلك فإنه جم الفائدة وهاك ما أردنا إيراده

بيان علل أخبار رويت في الطهارة

1 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام

قال أبي هذا خطأ إنما هو ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف
2 - سمعت أبي ذكر حديثا رواه عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كانت له خرقة يتمسح بها

فقال إني رأيت في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس بن مالك خرقة وموقوف أشبه ولا يحتمل أن يكون مسندا

3 - سألت أبي وحدثنا عن محمد بن إكليل عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن قيس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فلغمسه ثم ليطرحه فإن أحد جناحيه داء

والآخر دواء
فقال أي هذا حديث مضطرب الإسناد
4 - سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن

قال أبي هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله

باب علل أخبار رويت في الصلاة

6 - سمعت أبي يقول كتبت عن ثابت بن موسى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار

قال أبي فذكرت لابن نمير فقال الشيخ لا بأس به والحديث منكر
قال أبي الحديث موضوع
7 - سمعت أبي يقول حديث ابن مسعود في التطبيق منسوخ لأن في حديث ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -

طبق

ثم أخبر سعد فقال صدق أخي قد كنا نفعل ثم أمرنا بهذا يعني بوضع اليدين على الركبتين
8 - سألت أبي عن الحديث الذي رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن

أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم

ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أتيت النبي صلى الله عليه وسلم -

في نفر فقال إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم

قلت لأبي قد اختلف الحديثان فقال حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين
9 - سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم -

فقال قد اختلفوا في متنه رواه فطر والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن

ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة
ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا أعلمهم بالسنة
قال أبي كان شعبة يقول إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه وكان يهاب هذا الحديث يقول حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لم يشاركه أحد قال أبي شعبة أحفظ من كلهم قال أبو محمد عبد الرحمن أليس

قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج قال إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي وهو شيخ أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث وأخاف أن لا يكون محفوظا
10 - سألت أبي عن حديث رواه الأنصاري عن سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

من أذن فهو يقيم

قال أبي هذا حديث منكر وسعيد ضعيف الحديث وقال مرة متروك الحديث
11 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في افتتاح الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وأنه كان يرفع يديه إلى حذو أذنيه

فقال هذا حديث

كذب لا أصل له ومحمد بن الصلت لا بأس به كتبت عنه
12 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد عن الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من فاتته صلاة العصر وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله

قال أبي التفسير من قول نافع
13 - سألت أبي عن حديث رواه ابن حمير عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام

قال هذا حديث منكر جدا
14 - سألت أبي عن حديث رواه يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا رأى رجلا مغير الخلق خر ساجدا لله

قال أبي هذا حديث منكر
15 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

ما بين المشرق والمغرب قبلة

قال أبو زرعة هذا وهم الحديث حديث ابن عمر موقوف
16 - سمعت أبا زرعة وحدثنا عن عباد بن موسى عن طلحة بن يحيى الأنصاري عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس قال إذا عرف

الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة
فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عن الزهري فقط قوله

علل أخبار رويت في الزكاة والصدقات

17 - سمعت أبي يقول لا أعلم روى الثوري عن إبراهيم بن أبي حفصة إلا حديثا واحدا عن سعيد بن جبير قال الخال يعطى من الزكاة
18 - وسئل أبو زرعة عن حديث رواه القواريري عن يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ما أدي زكاته فليس كنزا

قال أبو زرعة هكذا رواه القواريري والصحيح موقوف
19 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن المثنى أبو موسى عن محمد بن عثمة عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال فيما سقت السماء والبعل العشر وفيما سقت العيون والنواضح والسواني

نصف العشر
قال أبو زرعة الصحيح عن ابن عمر موقوف

علل أخبار رويت في الصوم

20 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ليس من البر الصيام في السفر

قال أبي هذا حديث منكر ولم يروه غير محمد بن حرب

21 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين

قال أبي هذا حديث منكر ومجاشع ليس بشيء
22 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أنس قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فمنا الصائم ومنا المفطر وكان من صام في أنفسنا أفضل وكان المفطرون هم

الذين يعملون ويعينون ويستقون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذهب المفطرون بالأجر
قال أبي هذا حديث منكر
23 - سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا أسنة قال ليس بسنة
ورواه محمد بن عبد العزيز بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال فقلت سنة فقال نعم سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح

علل أخبار رويت في المناسك

24 - سألت أبي عن حديث رواه أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك عن عكرمة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال لرجل يسوق بدنة اركبها قال أبي عكرمة عن أنس ليس له نظام وهذا

حديث لا أدري ما هو

@ 619 @

علل أخبار رويت في الجنائز

30 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه الدراوردي عن كثير بن زيد عن زينب ابنة نبيط عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة

قال أبو زرعة هذا خطأ يخالف الداراوردي فيه يرويه حاتم وغيره عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب وهو الصحيح
31 - سئل أبي عن حديث رواه هدبة عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال

من غسل ميتا فليغتسل

ومن حمله فليتوضأ
قال أبي هذا خطأ إنما هو موقوف على أبي هريرة لا يرفعه الثقات
32 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المنهال الضرير عن يزيد بن زريع عن معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم - من غسل ميتا فليغتسل
قال أبي هذا حديث غلط ولم يبين غلطه
33 - سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي بزة عن مؤمل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مئة فيشفعون فيه إلا

شفعوا
قال أبي هذا حديث باطل

علل أخبار رويت في البيوع

34 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره

ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ

35 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الكريم بن الناجي عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من حبس العنب أيام القطاف ليبيع من يهودي أو نصراني كان له من الله

مقت
قال أبي هذا حديث كذب باطل
قلت تعرف عبد الكريم هذا قال لا قلت فتعرف الحسن بن مسلم قال لا ولكن تدل روايتهم على الكذب
36 - سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب عن ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أنه قال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
فسمت أبي يقول هذا حديث منكر ودراج في حديثه صنعة

علل أخبار رويت في النكاح

37 - سمعت أبي يقول سمعت أبا نعيم وحدثنا عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا نكاح إلا بولي

فقال أبو نعيم أخطأ فيه فسمعت أبي يقول إنما هو الحكم عن علي قوله
38 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه بقية عن إسحاق أبي يعقوب المدني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من سعادة المرء أن تكون زوجته موافقة وأولاده أبرارا وإخوانه صالحين وأن

يكون رزقه في بلده
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
39 - سألت أبا زرعة عن حديث روي عن همام عن قتادة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ص

قال لا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها
قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو همام عن يحيى نفسه
40 - سمعت أبي يقول سألت أحمد بن حنبل عن حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا نكاح إلا بولي

وذكرت له حكاية ابن علية فقال كتب ابن جريج مدونة فيها أحاديثه ومن حدث عنه ثم لقيت عطاء ثم لقيت فلانا فلو كان محفوظا عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته
41 - سئل أبي عن حديث رواه ابن أبي مليكة العرب بعضها لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما
قال باطل أنا نهيت ابن أبي شريح أن يحدث به ونهيته عن حديث آخر

علل أخبار رويت في الحدود

42 - سألت أبي عن حديث رواه الحسن عن يحيى الجشني عن زيد بن واقد عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أقيموا الحدود في الحضر والسفر على القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله

لومة لائم
ثم قال أبي هذا حديث حسن إن كان محفوظا
43 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا يستفاد من الجرح حتى يبرأ

قال أبو زرعة هو مرسل مقلوب
44 - سألت أبي عن حديث رواه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد عن يزيد بن زياد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أن النبي

الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لا شفعة لغائب ولا لصغير

فقال أبو زرعة هذا حديث منكر لا أعلم أحدا قال بهذا الغائب له شفعة والصبي حتى يكبر فلم يقرأ علينا هذا الحديث

باب علل أخبار رويت في اللباس

49 - سألت أبا زرعة عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم -

في تختمه أفي يمينه أصح أم في يساره قال في يمينه الحديث أكثر ولم يصح

هذا ولا هذا
50 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا تدخل الملائكة بيتا فيها جلد نمر

قال أبي هذا حديث منكر
51 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه بقية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسا فقال أبو زرعة هذا حديث منكر

قلت تعرف له علة قال لا
52 - وسألت أبي عن حديث رواه سهل بن عثمان عن العقيلي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أمه قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على عقيل فوهب له خاتما أهداه إلى رسول الله ص

- النجاشي مثل الفلكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فيه قل هو الله أحد والمعوذتين

قال أبي هذا حديث منكر والعقيلي هو ابن عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه ليس بشيء
53 - وسألته عن حديث رواه شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن مهاجر السامي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من لبس

ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة
قال أبي هذا الحديث موقوف أصح
54 - وسألته عن حديث روي عن عبد الرحمن بن المهاجر قال رأيت في يد أنس خاتما من ذهب
قال أبي هو شيخ كوفي ليس بمشهور روى عنه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وأبو معاوية الضرير

باب علل أخبار رويت في الأطعمة

55 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال نعم الإدام الخل

قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
56 - وسئل أبو زرعة عن حديث كان رواه قديما عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي عن ابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إذا قرب إلى أحدكم الحلواء فليأكل منها ولا يردها

فامتنع أبو زرعة من أن يحدثنا به وقال هذا حديث منكر
57 - وسئل عن حديث رواه عبيد الله بن عائشة عن عبد الرحمن بن حماد بن عمران عن موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وفي يده سفرجلة فألقاها إلي وقال إنها تجم الفؤاد

قال أبو زرعة هذا حديث منكر

علل أخبار رويت في أمور شتى

58 - سمعت أبي يقول وذكر حديثا حدثه به بشار بن عمر الخراساني

بمصر سنة ست عشرة ومئتين قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال ملعون ملعون من أحاط على مشربة أو باعد مقربة
فسئل حميد الطويل ما المشربة قال بئر ماء يشرب منه الناس فضرب عليه خباءه أو قببه
وأما المقربة فطريق كان يختصره فقطعه عن ممر الناس
قال أبي هذا حديث منكر
59 - سمعت أبي حدثنا عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن سلام عن عثمان بن مقسم عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أكذب الكاذبين الصناع

قال أبي هذا حديث كذب وعثمان هو البري ويحيى بن سلام هو الذي روى عنه عبد الحكم بصري وقع إلى مصر
60 - سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال مداراة الناس صدقة

قال أبي هذا حديث باطل لا أصل له ويوسف بن أسباط دفن كتبه
61 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن عمر الدمشقي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يوم خيبر جعلت له مأدبة وأكل متكئا واطلى بالنورة وأصابته الشمس ولبس

البرطلة
قال أبي هو عمر بن موسى الوجيهي وهذا حديث باطل
62 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن سليمان بن أبي داود عن زهير بن محمد عن الوضين بن عبد الرحمن عن جنادة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة

قال أبي هذا حديث موضوع

63 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال رأيت علي بن الحسين يخضب بالسواد وأخبرني أن أباه كان يخضب به
قال أبي هذا حديث منكر وكان الزهري رجلا قصيرا وكانت أسنانه مشبكة بالذهب وكان يخضب بالسواد
64 - سمعت أبي وحدثنا عن بسام بن خالد عن شعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته وإذا بلغكم عني حديث لا

يحسن بي أن أقوله فليس منس ولم أقله قال أبي هذا حديث منكر الثقات لا يرفعونه
65 - سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

نهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة

قال أبي هذا حديث كذب هذا الإسناد يمكن أن يكون دخل لهم حديث في حديث
قال أبي رأيت هذا الحديث في كتاب سليمان بن شرحبيل فلم أكتبه وكان سليمان عندي في حيز لو أن رجلا وضع له لم يفهم وكذلك هشام بن عمار كل ما دفع إليه قرأه وكذا كان هشام بن خالد كانوا لا يميزون وكان دحيم يميز ويضبط حديث نفسه
66 - سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري عن محمد بن سليمان الصنعاني عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم -

لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا

قال أبي هذا حديث منكر وبهذا الإسناد اشفعوا فلتؤجروا
قال أبي هذا أيضا منكر

67 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أن تهدم الآجام

قال إنما هي زينة الدنيا
قال أبو زرعة هكذا قال أبو ثابت وإنما هو عبد الله بن نافع يعني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
68 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو سعيد محمد بن أسعد عن زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو حبات سوداء

أو لذعة من نار توافق داء وما أحب أن أكتوي
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
69 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن مصفى عن بقية عن رافع أو رويفع عن أبي الزبير عن جابر قال قال لا تقصوا الأظفار في أرض العدو فإنه أشد للقبضة وأحل للعقدة
قال أبو زرعة هذا حديث منكر وأبي لم يحدث به
70 - سمعت أبي يقول روى ابن أخت عبد الرزاق عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأعمش عن خيثمة عن عبد الله قال جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها
قال أبي هذا حديث منكر وكان ابن أخت عبد الرزاق يكذب
71 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه سويد بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر

قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

من قال في ديننا برأيه فاقتلوه

قال أبو زرعة سمعت يحيى بن معين يقول وقد قيل له روى سويد هذا الحديث فقال ينبغي أن يبدأ بسويد فيستتاب
72 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي عن حفص بن غياث عن ليث عن عطاء عن ابن عباس رفعه قال إذا غابت الشمس فكفوا صبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء فإنها ساعة تنتشر فيها الشياطين
فقال أبو زرعة هذا حديث منكر
73 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن رشيد عن بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من حدث بحديث فعطس عنده فهو حق

قال أبي هذا حديث كذب
74 - سألت أبي عن حديث رواه أبو بكر بن أبي عتاب الأعين عن أبي صالح عن الليث عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وبني تميم فقيل من هو يا

رسول الله فقال أويس القرني
قال أبي هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح عن الليث نظرت في أصل الليث وليس فيه هذا الحديث ولم يذكر أيضا الليث في هذا الحديث خبرا ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه ولم يروه غير أبي صالح
75 - سألت أبي عن حديث رواه العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن يزيد الأشعري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي

فسمعت أبي يقول هذا حديث كذب

76 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن أبي جميلة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لو شاء الله أن لا يعصى ما خلق إبليس

فسمعت أبي يقول هذا حديث منكر ومحمد مجهول
77 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن حبيب بن عمر عن أبيه عن ابن عمر عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أنه قال ينادي مناد يوم القيامة ليقم خصماء الله وهم القدرية

فقال هذا حديث منكر وحبيب بن عمر ضعيف الحديث مجهول لم يرو عنه غير بقية
هذا وفيما أوردناه من الأمثلة كفاية في تعريف الطالب بمسلك جهابذة القوم غير أن رأينا أن نرفعه إلى ما فوق تلك الدرجة فأوردنا له أمثلة أخرى فوق تلك وهاك ما أردنا إيراده
1 - سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار بن الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال إن الله عز و جل قد أحسن الثناء عليكم في الطهور فقال ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا )
وذكر الاستنجاء بالماء
ورواه سلمة بن رجاء عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قال أبي قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ورواه أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

مرسلا فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عندنا والله أعلم عن محمد بن عبد الله

بن سلام فقط ليس فيه عن أبيه

2 - سمعت أبي يقول في حديث رواه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش الصنعاني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان يخرج ليبول فيتمسح بالتراب فقال يا رسول الله الماء منك قريب فقال ما

أدري لعلي لا أبلغه
فقال أبي لا يصح هذا الحديث ولا يصح في هذا الباب حديث
3 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -

اغتسلت من جنابة فجاء النبي ص

- فقالت له فتوضأ بفضلها وقال الماء لا ينجسه شيء
ورواه شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة فقال الصحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

بلا ميمونة

4 - سألت أبا زرعة عن حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير فقلت إنه يقول عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الوليد بن كثير فقال عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء

قال أبو زرعة ابن إسحاق يمكن أن يقضى له
قلت له ما حال محمد بن جعفر فقال صدوق فقلت لأبي إن حجاج بن حمزة حدثنا عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير فقال عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

فقال أبي محمد بن عباد بن

ص -

قال من خصى عبده خصيته

قال أبي هذا حديث منكر

علل أخبار رويت في الأحكام والأقضية

45 - قبل لأبي يصح حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في اليمين مع الشاهد فوقف وقفة فقال ترى الدراوردي ما يقول يعني قوله قلت

لسهيل فلم يعرفه
قلت فليس نسيان سهيل دافعا لما حكى عنه ربيعة وربيعة ثقة والرجل يحدث بالحديث وينسى قال أجل هكذا هو ولكن لم نر أن يتبعه متابع على روايته وقد روى عن سهيل جماعة كثيرة ليس عند أحد منهم هذا الحديث قلت إنه يقول بخبر الواحد قال أجل غير أني لا أدري لهذا الحديث أصلا عن أبي هريرة أعتبر به وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة
46 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قضى بشاهد ويمين

فقالا هو صحيح قلت يعني أنه يروى عن ربيعة هكذا قلت فإن بعضهم يقول عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت قالا وهذا أيضا صحيح جميعا صحيحين
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة

قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
48 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة عن محمد بن الحارث

جعفر ثقة ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة والحديث بمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه
5 - سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس عن الأحوص بن حكيم عن رشدين بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا ينجس الماء إلا ما غلب عليه طعمه ولونه
فقال أبي يوصله رشدين بن سعد يقول عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورشدين ليس بقوي والصحيح مرسل
6 - سألت أبي عن حديث رواه عن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار فسمعت أبي يقول هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا ولم يتوضأ
كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر
ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه
7 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل
قال أبي إنما هو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
8 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة عن خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - الرمضاء فلم يشكنا
قال أبو زرعة أخطأ فيه وكيع إنما هو على ما رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب عن النبي ص

9 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن عياش عن ابن أبجر عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود
هل هو صحيح أو يرفعه وحديث الثوري عن الزبير بين عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه فقط
فقالا سفيان أحفظ
وقال أبو زرعة هذا أصح يعني حديث سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر
10 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار قال رأى ابن عمر رجلا يعبث في الصلاة بالحصى فقال إذا صليت فلا تعبث واصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فذكر الحديث فقالا هكذا رواه ابن أبي زائدة وإنما هو مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن ابن عمر قلت لهما الوهم ممن هو فقالا من ابن أبي زائدة قال أبو زرعة ابن أبي زائدة قلما يخطئ فإذا أخطأ أتى بالعظائم
11 - وسمعته وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن سهل بن عبد الله المروزي عن عبد الملك بن مهران عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه

قال أبي هذا حديث باطل وسهل بن عبد الله وعبد الملك بن مهران مجهولان

12 - وسمعته وذكر حديثا رواه إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم -

في غزوة تبوك بجبنة فدعا بسكين فسمى وقطع

قال أبي جابر الجعفي يقول عن الشعبي عن ابن عباس
وكلاهما ليس بصحيح وهو منكر
13 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه القعنبي عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

سئل عن السمن الجامد تقع فيه الفأرة فقال خذوها وما حولها فألقوها

قال أبو زرعة هذا الحديث في الموطأ مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -
مرسل وقال أبي الصحيح من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
14 - وسألت أبي عن الحديث الذي رواه داود بن رشيد عن سلمة بن بشر بن صيفي عن عباد بن بشر السامي عن أبي عقال عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال أثردوا ولو بالماء

قال أبي حدثنا النفيلي بهذا الحديث عن عباد بن كثير الرملي عن عبد الرحمن السندي عن أنس بن مالك قال أبي عباد بن كثير الرملي هذا مضطرب الحديث ظننت أنه أحسن حالا من عباد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه
15 - سألت أبا زرعة عن حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم -

عطش حول الكعبة فاستسقى فأتي بشراب من السقاية فشمه فقطب فقال علي ذنوبا

من زمزم فصبه عليه ثم شربه

قال أبو زرعة هذا إسناد باطل عن الثوري عن منصور
وهم فيه يحيى بن اليمان وإنما ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسل
ولعل الثوري إنما ذكره تعجبا من الكلبي حين حدث بهذا الحديث مستنكرا من الكلبي
16 - سألت أبي عن حديث رواه هيثم بن جميل عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يتنفس في الإناء قال أبي إنما يروونه عن شريك عن عبد الكريم الجزري عن

عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
17 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مسلم بن زياد عن مكحول قال سمعت ابن عمر يقول ما أمر عمر بن الخطاب بشرب الطلاء قط ولا سقاه قط
سمعت أبي يقول هذا وهم
مكحول لم يسمعه من ابن عمر

علل أخبار رويت في الزهد

18س - ألت أبي عن حديث رواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن يزيد بن خمير عن سليمان بن مرثد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا

قال أبي كذا حدثنا مسلم وحدثنا أبو عمر الحوضي عن سفيان عن يزيد بن خمير عن سليمان عن ابن ابنة أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال لو تعلمون
موقوف
قال أبي وهذا أشبه وموقوف وأصحاب شعبة لا يرفعون هذا الحديث

19 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبيد العزيز عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ألا أخبركم بملوك أهل الجنة كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو

أقسم على الله لأبره
فقال أبي هذا حديث خطأ إنما يروى عن أبي إدريس كلامه فقط
20 - سمعت أبي يقول كان محمد بن ميمون المكي أميا مغفلا قيل لأبي إن محمد بن ميمون الخياط المكي روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة عن ابن إسحاق عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن غزوان قال لقد رأيتنا وأنا سابع سبعة ما لنا طعام إلا الأسودين الحديث بطوله فقال أبي هذا حديث باطل بهذا الإسناد وما أبعد أن يكون قد وضع للشيخ فإنه كان أميا

علل أخبار رويت في المناسك

21 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج قال أحسن ما سمعت في بيض النعامة حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين

قال أبي هذا حديث ليس بصحيح عندي ولم يسمع ابن جريج من أبي الزناد شيئا يشبه أن يكون ابن جريج أخذه من إبراهيم بن أبي يحيى
22 - سألت أبي عن حديث رواه همام عن قتادة عن عزراة عن الشعبي أن الفضل بن عباس حدثه وأن أسامة بن زيد حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة

هل سمع الشعبي منهما فقال لا يحتمل وينبغي أن يكون بينهما أحد ولكن كذا حدث به همام فلا أدري ما هذا الأمر

23 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب بن سفيان عن عمرو بن عاصم عن عبيد الله بن الوازع عن ليث بن أبي سليمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان إذا سافر وركب قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا
وذكر الحديث
فقال هذا حديث ليس له أصل بهذا الإسناد

علل أخبار رويت في الغزو والسير

24 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر أنه سمع أبا سلام الأسود قال سمعت عمرو بن عبسة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير فقال ولا يحل لي من

غنائمكم هذه إلا الخمس والخمس مردود فيكم
قال أبي ما أدري ما هذا لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئا إنما يروي عن أبي أمامة عنه
25 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن يزيد عن أبي العلاء بن اللجلاج عن أبي هريرة قوله لا يجمع الله غبارا في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد مسلم الحديث
قال أبي قال لنا أبو صالح عن الليث
وإنما هو صفوان بن أبي يزيد
وأرى أن بين عبيد الله بن أبي جعفر وبين صفوان سهيل بن أبي صالح
26 - سألت أبي عن حديث رواه سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال لرسول مسيلمة لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك

ورواه أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن ابن معين السعدي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال أبي الثوري أحفظ من أبي بكر

27 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن موسى عن شريك عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ما من غادر إلا وله لواء غدر يوم القيامة

قال أبي من رفع هذا الحديث فقد غلط رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة عن علي موقوف
ورواه زهير عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي قال أبي عمارة أشبه
28 - سألت أبي عن حديث رواه أبو إسحاق الفزاري عن رجل من أهل الشام عن أبي عثمان عن أبي خداش قال كنا في غزاة فنزل الناس منزلا فقطع الناس الطريق ومدوا الحبال على الكلأ فلما رأى ما صنعوا قال سبحان الله لقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

غزوات فسمعته يقول الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار

قال أبي هذا الرجل من أهل الشام هو عندي بقية بن الوليد وأبو عثمان هو عندي حريز بن عثمان وأبو خداش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم -

إنما حكى عن رجل من أصحاب النبي ص

-
وكذلك حدثنا أبو اليماني وعلي بن الجعد عن حريز كما وصفت وإنما لم يسمه أبو إسحاق لأنه كان حيا في ذلك الوقت
29 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المبارك الصوري عن

الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان عن مكحول قال دخلت أنا وابن أبي زكريا وسليمان بن حبيب على أبي أمامة بحمص فسلمنا عليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قد بلغ ما أمر به فبلغوا عني ما تسمعون

سمعت النبي صلى الله عليه وسلم -

يقول من خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله إن توفاه الله أدخله الجنة

وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والخارج من بيته إلى المسجد ضامن على الله تعالى إن توفاه الله أدخله الجنة وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والداخل بيته بسلام ضامن على الله
قال أبي هذا حديث خطأ مكحول لم ير أبا أمامة
30 - سألت أبي عن حديث رواه بشر بن المفضل عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في غزوة تبوك فكانت تدعى غزوة العسرة فبينما هو يسير إذا هو بجماعة في ظل

شجرة قال ما هذه الجماعة قالوا يا رسول الله رجل صام فجهده الصوم قال ليس البر أن تصوموا في السفر
قال أبي روى هذا الحديث شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
31 - سألت أبي عن حديث عمرو بن أبي قيس عن منصور عن أبي بكر بن حفص عن أبي صالح عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه عاد عبد الله بن رواحة فما تحول عبد الله عن مكانه فقال النبي ص

- من شهداء أمتي قالوا القتيل في سبيل الله قال القتل في سبيل الله شهادة والبطن شهادة والغرق شهادة الحديث

قال أبي ورواه سعيد عن أبي بكر بن حفص عن أبي الفصيح أبو أبي المصبح عن ابن السمط عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال أبي وهذا أشبه ليس لأبي صالح معنى لم يضبط عمرو وضبط شعبة

وهذا حديث من حديث أهل الشام وهو أبو المصبح المقرائي عن شرحبيل بن السمط عن عبادة
32 - سألت أبي عن حديث رواه صالح بن موسى الطلحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

الزموا الجهاد تصحوا وتستغنوا قال أبي هذا حديث باطل وصالح الطلحي ضعيف

الحديث

علل أخبار رويت في البيوع

33 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم

عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ
34 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عون عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر قال قضاني رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وزادني قال أبي كذا حدثنا عمرو بن عون وأحسبه قد غلط إنما يروى هذا

الحديث عن مسعر عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال أبي ولا يعرف هذا الحديث من حديث عمرو عن جابر ولا يحتمل أن يكون عن عمرو عن جابر

35 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه فقالا هذا خطأ إنما هو

كلام أنس
قال أبو زرعة كذا يرويه الدراوردي ومالك بن أنس مرفوعا والناس يروونه موقوفا من كلام أنس
36 - سألت أبي عن حديث رواه مسلم بن خالد عن علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

لما أمر بإخراج بني النضير جاء أناس منهم فقالوا يا رسول الله إنما أمرت

بإخراجنا ولنا على الناس ديون فقال النبي صلى الله عليه وسلم - فضعوا وتعجلوا
قال أبي رواه ابن جريج عن ابن ركانة عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لم يذكر داود بن الحصين ولم يذكر ابن عباس قال أبي لا يمكن أن يكون مثل الحديث متصلا
37 - سألت أبي عن حديث رواه عباس الخلال عن سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا بشر بن عون قال حدثنا بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عباد الله لا تمنعوا فضل ماء ولا نار ولا كلأ فإن الله عز و جل جعلهم متاعا للمقوين وقوة للمستمتعين قال أبي هذا حديث منكر
38 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن ابن ثوبان عن أبيه عن طاوس عن عبد الله بن عمر أنه باع سرجا فقدم المبتاع فرده ورد معه درهمين

أو ثلاثة فقال ابن عمر لو باع لعله كان يخسر فيه أكثر من ذلك
قال أبي هذا خطأ إنما هو ثوبان عن ليث عن طاوس
39 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن اليمان بن عدي الحضرمي عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

أيما امرئ أفلس وعنده مال امرئ بعينه لم يقبض منه شيئا فهو أحق بعين ماله

فإن كان قبض منه شيئا فهو أسوة الغرماء
وأيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء
قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم -

واليمان هذا شيخ ضعيف الحديث

40 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن زرعة بن عبد الله الزبيدي عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر قال قيل يا رسول الله ما يجمل بالعرب من التجارة قال بيع الإبل والبقر والغنم قيل يا رسول الله فما يجمل بالموالي قال بيع البز وإقامة الحوانيت
قال أبي هذا حديث باطل وزرعة وعمران جميعا ضعيفان
41 - وسألت أبي فقلت له فإن إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث

عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قيل له ما يحسن بالعرب من التجارة قال الإبل قيل فما يحسن بالموالي

من التجارة قال البز والخز قال أبي وهذا الحديث باطل موضوع وكأن ذلك من عمران
42 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حمير قال حدثني الأوزاعي قال حدثني ثابت بن ثوبان قال حدثني مكحول عن أبي قتادة قال كان عثمان يشتري الطعام ويبيعه قبل أن يقبضه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد

43 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن حميد الطويل عن أنس قال استعار بعض آل رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قصعة فضاعت فضمنها رسول اله ص

-
قال أبي هذا حديث باطل ليس فيه استعار
وهم فيه سويد بن عبد العزيز
ولفظ هذا الحديث غير هذا اللفظ شبه الكذب
إنما الصحيح ما حدثناه الأنصاري عن حميد عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم -

عند بعض أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد رسول الله

فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيه الطعام ويقول غارت أمكم كلوا وحبس الرسول حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها ودفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها

44 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب الزهري عن عبد العزيز بن مسيح الأسدي أخبرني قتادة عن عيينة بن عاصم بن سعر بن نقادة عن أبيه حدثني أبي وعمومتي عن نقادة قال قلت لرسول الله إني رجل مغفل فأين أسم ولم أرك تسم في الوجه قال في موضع الجرير من السالفة
قال فوسم نقادة هناك حلقة هديه فوسم بها رجل من بني يربوع فاستعدى عليه نقادة بعض الخلفاء فقال دخل معي في ميسم أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فقضى عليه أن لا يسم ميسمه فقطع الحلقة فسميت بتيراء بني يربوع

قال أبي هذا حديث منكر وهؤلاء مجهولون قال أبو محمد قال بعض أهل العربية الجرير من السالفة الزمام والسالفة صفحة العنق
والمغفل رجل له إبل أغفال
وهي التي لا سمات عليها وواحدها غفل
45 - سألت أبي عن حديث رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -

الشفعة فيما لم يقسم

فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
قال أبي الذي عندي أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

هذا القدر إنما جعل النبي ص

- الشفعة فيما لم يقسم قط ويشبه أن يكون بقية الكلام هو كلام جابر فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
والله أعلم
قلت له وبما استدللت على ما تقول قال لأنا وجدنا في الحديث إنما جعل

النبي صلى الله عليه وسلم -

الشفعة فيما لم يقسم

تم المعنى فإذا وقعت الحدود فهو كلام مستقبل ولو كان الكلام الأخير عن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان يقول إنما جعل النبي ص

- الشفعة فيما لم يقسم
وقال إذا وقعت الحدود
فلما لم نجد ذكر الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في الكلام الأخير استدللنا أن استقبال الكلام الأخير من جابر لأنه هو

الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث
وكذلك نص حديث مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود فلا شفعة فيحتمل في هذا

الحديث أن يكون الكلام الأخير كلام سعيد وأبي سلمة ويحتمل أن يكون كلام ابن شهاب
وقد ثبت في الجملة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم -

بالشفعة فيما لم يقسم في حديث ابن شهاب وعليه العمل عندنا

46 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن أبي الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة

قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة عن محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال الشفعة كحل العقال

قال أبو زرعة هذا حديث منكر ولم يقرأه علينا في كتاب الشفعة وضربنا عليه
48 - سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار بآخره عن

إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في الضب وقصة خالد بن الوليد

قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس عن خالد بن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قلت لأبي وفي حديث إسماعيل عن ابن جريج
قال فأتي النبي صلى الله عليه وسلم -

بإناء فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد فقال النبي ص

- لابن عباس أتأذن لي أن أسقي خالدا فقال ابن عباس ما أحب أن أوثر بسور النبي صلى الله عليه وسلم -

على نفسي فتناول ابن عباس فشربه

قال أبي هذا من حديث عبيد الله بن عبد الله ولا من حديث أبي أمامة بن سهل وإنما هو حديث الزهري عن أنس
قال أبو محمد وفي هذا الحديث بعد هذا الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم -

من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه

الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن
قال أبي ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبي وأخاف أن يكون قد أدخل على هشام بن عمار لأنه لما كبر تغير
49 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال نعم الإدام الخل

قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
50 - سمعت أبي ورأى في كتابي عن هارون بن إسحاق عن محمد بن بشر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه سئل عن أكل الضب فقال ما أنا بآكله ولا محرمه

فسمت أبي

يقول هذا حديث فيه وهم وإنما هو عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
51 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن دكين عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
فقال هذا خطأ إنما هو إبراهيم بن إسماعيل بن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ليس للزهري معنى كذا رواه الدراوردي وهذا الصحيح موقوف قيل قد رفعه عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل فقال هو خطأ إنما هو موقوف
52 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

بين العبد والكفر ترك الصلاة

فقال أبو زرعة هذا خطأ رواه بعض الثقات من أصحاب حماد فقال حدثنا حماد قال حدثنا عمرو بن دينار أو حدثت عنه عن جابر
موقوف
قلت لأبي زرعة الوهم ممن هو قال ما أدري يحتمل أن يكون حدث حماد مرة كذا ومرة كذا
قلت فبلغك أنه توبع أبو الربيع في هذا الحديث فقال ما بلغني أن أحدا تابعه
وقال أبي رواه بعضهم مرفوعا بلا شك وهو أبو الربيع وبعضهم بالشك غير مرفوع وكأن بالشك غير مرفوع أشبه
53 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم
قلت ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أوس بن ضمعج عن سلمان قلت أيهما الصحيح فقالا سفيان أحفظ من شعبة وحديث الثوري أصح
54 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه المعتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة عن أنس قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم -

حين

حضرة الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم
قال أبي نرى أن هذا خطأ والصحيح حديث همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة رواه سعيد بن أبي عروبة فقال عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
وقال وابن أبي عروة أحفظ وحديث همام أشبه زاد همام رجلا
55 - سألت أبي عن حديث رواه أبو الطاهر بن السرح قال حدثنا أشعث بن شعبة عن حنش بن الحارث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت رأيت الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وهو محرم

فقال حدثنا أبو نعيم قال لنا حنش عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

ولم يقل عن أبيه

قلت لأبي أيهما أشبه قال أبو نعيم أثبت ولا أبعد أن يكون قال لهم مرة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
56 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سعيد بن خثيم عن حنظلة عن سالم عن أبيه أنه كان إذا نظر إلى رجل يريد السفر يقول أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يودع ثم يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك

قالا وهم سعيد في هذا الحديث
وروى هذا الحديث الوليد بن مسلم فوهم فيه أيضا فقال عن حنظلة عن سالم عن القاسم عن ابن عمر والصحيح عندنا والله أعلم عن حنظلة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة حدثنا أبو نعيم قال لنا عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن

إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه كان إذا ودع رجلا قال أستودع الله دينك وأمانتك

ذاكرت به أبي قال حدثنا أبو نعيم عن عبد العزيز هذا الحديث
57 - سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو بكر للنبي ص -

ما شيبك قال شيبتني هود

الحديث متصل أصح كما رواه شيبان أو مرسل كما رواه أبو الأحوص قال مرسل أصح
قلت لأبي روى بقية عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال هذا خطأ ليس فيه ابن عباس
58 - سألت أبي عن حديث رواه رواد بن الجراح قال حدثنا أبو سعد الساعدي قال سمعت أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول الناس مستوون كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله

قال أبي هذا حديث منكر وأبو سعد مجهول
59 - سمعت أبي وذكر حديثا حدثنا به عن زكرياء بن يحيى الوقاد قال قرئ على عبد الله بن وهب قال قال الثوري قال مجالد قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري قال عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال أخي موسى يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا موسى إنك ستراه فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها فقال سلام عليك ورحمة الله

يا موسى بن عمران إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله فقال موسى هو السلام ومنه السلام وإليه السلام والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته
فقال موسى عليه السلام أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تلم جلساءك إذا حدثتهم واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك واعزف عن الدنيا فانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار وإنما جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد وذكر الحديث
قال أبي هذا حديث باطل كذب
قلت وذكرت هذا الحديث لأبي الجنيد الحافظ فقال هو موضوع
60 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه بقية عن معاوية بن يحيى الطرابلسي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن المعونة تنزل من الله على قدر المؤونة وإن الصبر ينزل من الله

بقدر الشكر
قال أبي كنت معجبا بهذا الحديث حتى ظهرت لي عورته فإذا هو معاوية عن عباد بن كثير عن أبي الزناد
قال أبو زرعة الصحيح ما رواه الدراوردي عن عباد بن كثير عن أبي الزناد فبين معاوية بن يحيى وأبي الزناد عباد بن كثير وعباد ليس بالقوي
61 - سألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن خالد الأعسم عن إبراهيم بن رستم قال حدثنا أبو حفص العبدي عن إسماعيل بن سميع عن

أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في

الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم واجتنبوهم
فقال أبي هذا حديث منكر يشبه أن يكون في الإسناد رجل لم يسم وأسقط ذلك الرجل
وهنا انتهى ما أردنا إيراده من كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي وهو من الأئمة المشهورين قال الذهبي في الميزان عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت يروي عن أبي سعيد الأشج ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما وكان ممن جمع بين علو الرواية ومعرفة الفن وله الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل والتفسير الكبير وكتاب العلل
وما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني له وبئس ما صنع فإنه قال ذكر أسامي الشيعة من المحدثين الذين يقدمون عليا على عثمان الأعمش النعمان شعبة بن الحجاج عبد الرزاق عبيد الله بن موسى عبد الرحمن بي أبي حاتم
وكان والده أبو حاتم من كبار الحفاظ البارعين في معرفة العلل ويظهر لك ذلك من هذا الكتاب فإن ما ذكر فيه إلا قليلا مأخوذ عنه ومقتبس منه وكان جاريا في مضمار أبي زرعة والبخاري
وذكر بعض أهل الأثر أن بعض الأجلاء من أهل الرأي سأل أبا حاتم عن أحاديث فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا

باطل وهذا منكر وهذا صحيح
فسأله من أين علمت هذا هل أخبرك الراوي بأنه غلط أو كذب فقال لا ولكني علمت ذلك
فقال له الرجل أتدعي الغيب فقال ما هذا ادعاء غيب قال فما الدليل على قولك فقال أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف
فذهب الرجل إلى أبي زرعة وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقا فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة فقال أبو حاتم أفعلمت أنا لم نجازف ثم قال والدليل على صحة قولنا أنك تحمل دينارا بهرجا إلى صيرفي فإن أخبرك أنه يهرج وقلت له أكنت حاضرا حين بهرج أو هل أخبرك الذي بهرجه بذلك يقول لك لا ولكن علم رزقنا معرفته
وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا
ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته
وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة فإن كل من اشتغل بفن من الفنون وتفرغ له وسلك مسلك أهله وصرف عنايته إليه قد يحكم في مسائله بحكم لا يتيسر له إقامة الدليل الظاهر عليه وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة إلا أن العبارة تقصر عنه ولذلك ترى المشاركين له في تلك الحال يحكمون بمثل حكمه في الغالب
ومن ثم اتفق الجهابذة من العلماء على أنه يرجع في مسائل كل فن إلى أهله المعنيين بأمره
وعلى ذلك فلا يستغرب أن يقال إنه يجب في الحديث أن يرجع فيه إلى أئمة المشهورين الذين تفرغوا له وصرفوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله وأحوال رجاله فإذا ثبت اتفاقهم على شيء ثبوتا بينا لم يسغ العدول عنه ومن سلك مسلكهم تبين له مثل ما تبين لهم
( لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل )

صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل

المسألة الأولى اتفق العلماء على أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع بيان في أي نوع كان وأما غير الموضوع من الضعيف فقد اختلفوا فيه
1 - فذهب قوم إلى جواز الأخذ به والتساهل في أسانيده وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان من غير الأحكام والعقائد مثل فضائل الأعمال والقصص
وممن نقل عنه جواز التساهل في ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل
أما ابن مهدي فإنه نقل عنه أنه قال إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا

روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال
وأما أحمد بن حنبل فقد نقل عنه قال الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى تجيء شيء فيه حكم وقال ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أصابع يديه الأربع
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن للأخذ بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها عند من سوغ ذلك ثلاثة شروط
أحدها أن يكون الضعيف غير شديد الضعف فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه
وقد نقل بعضهم الاتفاق على ذلك
الثاني أن يندرج تحت أصل معمول به
الثالث أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط
وقد ذكر هذين الشرطين ابن عبد السلام وابن دقيق العيد

ويظهر من الشرط الثالث أنه يلزم بيان ضعف الضعيف الوارد في الفضائل ونحوها كي لا يعتقد ثبوته في نفس الأمر مع أنه ربما كان غير ثابت في نفس الأمر
ومن نظر في الأحاديث الضعيفة نظر إمعان وتدبر تبين له أنها إلا القليل منها يغلب على الظن أنها غير ثابتة في نفس الأمر
وقد ذكر ابن حزم ما يقرب من ذلك حيث قال إننا قد أمنا ولله الحمد أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو ندب إليها أو فعلها عليه الصلاة و السلام فتضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته إما بتواتر أو بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ إليه وأمنا أيضا قطعا أن يكون الله تعالى يفرج بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول وأمنا أيضا قطعا أن تكون شريعة يخطئ فيها راويها الثقة ولا يأتي بيان جلي واضح بصحة خطئه فيه
وأمنا أيضا قطعا أن يطلق الله عز و جل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده إلى من تجب الحجة بنقله حتى يبلغ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وكذلك نقطع ونبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلا أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجروح ثابت الجرحة فإنه خبر بالك بلا شك موضوع لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذ لو جاز أن يكون حقا لكان ذلك شرعا صحيحا غير لازم لنا لعدم قيام الحجة

علينا فيه
قال علي وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين ثم كشعبة وسفيان ومالك وغيرهم من الأئمة في عصرهم وبعدهم إلينا وإلى يوم القيامة وفي كل من ثبتت جرحته كالحسن بن عمارة

وجابر الجعفي وسائر المجروحين الثابتة جرحتهم
وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك وقطعنا ولا بد حتما على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين فيه وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا وجهلنا إن جهلنا حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى بل الحق ثابت ومعروف عند طائفة وإن جهلته أخرى والباطل كذلك أيضا كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضا
والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه إما تبين الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه
وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه
وإما بأن توجب المشاهدة بأنه خطأ
هذا وجزم ابن حزم بجرح الراويين المذكورين إنما هو مبني على المشهور من أمرهما عند جمهور المحدثين وقد ترجم كلا منهما الذهبي في الميزان
فقال في ترجمة الأول منهما الحسن بن عمارة ت ق الكوفي الفقيه مولى بجيلة عن ابن أبي مليكة وعمرو بن مرة وخلق وعنه السفيانان ويحيى القطان وشبابة وعبد الرزاق
قال ابن عيينة كان له فضل وغيره أحفظ منه
وقال شعبة روى الحسن بن عمارة أحاديث عن الحكم فسألنا الحكم عنها فقال ما سمعت منها شيئا
وقال النضر بين شميل قال الحسن بن عمارة إن الناس كلهم في حل مني ما خلا شعبة
وقال الدولابي أبو بشر حدثني أبو صالح بن عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا أبي وسألته عن قصة شعبة والحسن بن عمارة فقال كان ابن عمارة موسرا وكان الحكم بن عتيبة مقلا فضمه إلى نفسه فكان الحكم يحدثه ولا يمنعه فحدثه بقريب من عشرة آلاف قضية عن شريح وغيره وسمع شعبة عن

الحكم شيئا يسيرا فلما توفي الحكم قال شعبة للحسن من رأيك أن تحدث عن الحكم بكل ما سمعته قال نعم ما أكتم شيئا قال فقال من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة فقبل الناس منه وتركوا الحسن بن عمارة
قال ابن أبي رواد دخلت أنا وشعبة على الحسن نعوده في مرضه فدار شعبة فقعد وراء الحسن من حيث لا يراه فجعل الحسن يقول الناس كلهم من قبلي في حل ما خلا شعبة ويومئ إليه
توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة وكان من كبار الفقهاء في زمانه ولي قضاء بغداد
وقال في ترجمة الثاني منهما جابر بن يزيد د ت ق ابن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة له عن أبي الطفيل والشعبي وخلق وعنه شعبة وأبو عوانه وعدة قال ابن مهدي عن سفيان كان جابر الجعفي ورعا في الحديث ما رأيت أورع منه في الحديث
وقال شعبة صدوق
وقال يحيى بن أبي كثير عن شعب كان جابر إذا قال أنبأنا وحدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس
وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابرا الجعفي ثقة
وقال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان الثوري لشعبة لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك
وقال جرير بن عبد الحميد لا أستحل أن يحدث عن جابر الجعفي كان ممن يؤمن بالرجعة
وقال يحيى بن يعلى المحاربي طرح زائدة حديث جابر الجعفي وقال هو كذاب يؤمن بالرجعة
وقال عثمان بن أبي شيبة أنبأنا أبي عن جدي قال إن كنت لآتي جابرا الجعفي في وقت ليس فيه خيار ولا قثاء فيحول حول خوخة ثم يخرج إلي بخيار أو ثقاء فيقول هذا من بستاني
وقال ابن حبان كان جابر سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ كان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا
وقال ابن عدي حدثنا علي بن الحسن بن فديد أنبأنا عبيد الله بن يزيد بن العوام سمعت إسحاق بن مطهر سمعت الحميدي سمعت سفيان سمعت جابرا الجعفي يقول انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى علي ثم انتقل من علي إلى الحسن ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا

قال

ابن عدي وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة
2 - وذهب قوم إلى عدم جواز الأخذ بالحديث الضعيف في أي نوع كان وقد أشار إلى ذلك العلامة عبد الرحمن المعروف بأبي شامة في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث حيث قال وقد أملى في فضل رجب الشيخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن يعني ابن عساكر مجلسا وهو السادس بعد الأربع مئة من أماليه وقد سمعناه من غير واحد ممن سمعه عليه ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها منكرة
أحدها حديث صلاة الرغائب الذي بينا حاله
والثاني حديث زائدة بن أبي الرقاد قال حدثنا زياد النميري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان

قال الحافظ تفرد به زائدة عن زياد بن مأمون البصري عن أنس
قلت وقال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي زائدة بن أبي الرقاد منكر الحديث وزياد بن ميمون البصري أبو عمار متروك الحديث
وقال أبو عبد الله البخاري الإمام زياد بن ميمون أبو عمار البصري صاحب الفاكه عن أنس تركوه
الحديث الثالث حديث منصور بن زيد بن زائدة بن قدامة الأسدي عن موسى بن عمران عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن في الجنة عينا أو قال نهرا يقال له رجب ماؤه أحلى من العسل وأبيض من

اللبن فمن صام يوما من رجب شرب من ذلك النهر
قال الحافظ أبو القاسم تفرد به منصور عن موسى
ثم قال منتقدا على الحافظ المذكور وكنت أود أن الحافظ لم يذكر ذلك فإن فيه تقريرا لما فيه من الأحاديث المنكرة فقدره كان أجل من أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بحديث يرى أنه كذب ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الحديث

يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ بل ينبغي أن يبين أمره إن علم وإلا

دخل تحت الوعيد فق قوله ص -

من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين

3 - وقد نقل في حكم الحديث الضعيف قول ثالث وهو أنه يؤخذ به في الأحكام أيضا إذا لم يوجد في الباب غيره وقد نسب ذلك إلى أحمد بن حنبل واشتهر عنه غاية الاشتهار
وقد كان أناس من المتكلمين يتعجبون من هذا القول غاية التعجب بناء على أن أحكام الدين ينبغي أن تكون مبنية على أساس متين
وكان أناس من غيرهم يعجبون بهذا القول ويعدونه أمارة على فرط الاتباع والتباعد عن الابتداع وكان بينهما فريق آخر التزم في ذلك الصمت متمثلا بقول من قال
( فبعضنا قائل ما قاله حسن ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر )
وقد حاول العلامة ابن تيمية إزالة الإشكال من أصله فقال في كتاب منهاج السنة النبوية إن قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه
وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيح وإما ضعيف والضعيف نوعان ضعيف متروك وضعيف ليس بمتروك فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض أئمة الحديث الضعيف أحب إلي من القياس فظن انه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح
وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه

وقد ذكر كثير من المؤلفين ممن كان بعد العلامة المذكور قول الإمام أحمد من غير أن يفسروه بما فسره به فكأنهم لم يطلعوا على ما قاله أو لم يظهر لهم ذلك فإن بعضهم كان يميل إلى إثبات كل ما روي على أي وجه كان
ويدلك على ذلك قول بعضهم إن الحديث الضعيف إذا تلته الأمة بالقبول ينزل منزلة المتواتر حتى إنه ينسخ به القرآن
واستدل على ذلك بأن حديث لا وصية لوارث قد جعلوه ناسخا لآية الوصية مع أن بعض الأئمة قال إن أهل الحديث لا تثبته لكن لما تلقته الأمة بالقبول صار في حكم المتواتر
ولا يخفى أن هذا قول مستغرب جدا
وقد ذكرنا فيما مضى أن بعض العلماء الأعلام قال إن الوصية للوالدين والأقربين إنما نسختها آية المواريث كما اتفق على ذلك السلف فإن الله تعالى قال بعد ذكر الفرائض ( تلك حدود الله ) الآية
فأبان أنه لا يجوز أن يزاد أحد على ما فرض الله له
وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة و السلام إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث
وإلا فهذا الحديث إنما رواه أبو داود ونحوه من أصحاب السنن وليس في الصحيحين
وإذ كان من أخبار الآحاد فلا يجوز أن يجعل ناسخا للقرآن
وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن
وذكرنا أيضا أن ابن حزم ذهب إلى أن ذلك الحديث متواتر فإنه قال قد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع قد صح بما فيه متيقنا منقولا جيلا فجيلا فإذا كان ذلك علمنا أنه منقول نقل كافة كنقل القرآن فاستغني عن ذكر السند فيه وكان ورود ذلك المرسل وعدم وروده سواء ولا فرق وذلك نحو لا وصية لوارث
المسألة الثانية قد نشأ من رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها ضرر عظيم عرفه من عرفه وجهله من جهله
وقد شدد النكير مسلم في مقدمة صحيحه على من فعل ذلك وذلك حيث قال وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواه الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره

على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب
فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك عاشا لعوام المسلمين إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها
مع أن الأخبار الصحيحة من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع
ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعيف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد
ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق لا نصيب له فيه وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم
انتهى كلام الإمام مسلم
وإنما قصر مسلم غشهم على عوام المسلمين مع أن كثيرا من خواصهم قد لحقهم من ذلك ما لحق عوامهم لأن الخواص كان يمكنهم أن يقفوا على حقيقة الأمر ولكنهم قصروا فكأنه جعلهم هم الغاشين لأنفسهم فإن كثيرا منهم كان إذا رأى حديثا قد ذكره أحد أولئك الغاشين للأمة في دينها من غير بيان لحاله فإن كان موافقا لرأيه أو لرأي من يهوى أن ينتصر له كيف ما كان الحال بادر لنقله ونشره والاستشهاد به من غير بحث عنه مع معرفته بأن في كثير مما يروى الموضوع والضعيف الذي اشتد ضعفه

وإن كان مخالفا لرأيه من يحب أن ينتصر له فإن وجده غير قابل للتأويل على وجه يوافق ما يذهب إليه تركه وكثيرا ما يخطر في باله أن مخالفه ربما وقف عليه واستند إليه فيعد له حينئذ تأويلا ربما كان هو أول الضاحكين على نفسه منه وذلك استعدادا لهجوم الخصم قبل أن يهجم عليه
وإن وجده قابلا للتأويل على وجه يوافق ما يهواه تساوى عنده الحالات وسكنت نفسه
ومن نظر في الكتب المؤلفة في تخرج الأحاديث المذكورة في كثير من كتب الكلام أو الفقه أو الأصول أو التفسير رأى من كثرة الأحاديث الضعيفة الواهية التي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وقد حكم أهل البصيرة من العلماء الأعلام بأن هؤلاء الذين يوردونها للاستشهاد بها لا يعذرون إلا من لم يقصر منهم في البحث والاجتهاد فإنه إذا أخطأ بعد ذلك لم يكن ملوما
وقد تعرض كثير من العلماء الذين وقفوا على الضرر الذي نشأ من نشر الأحاديث الضعيفة في الأمة من غير إشارة إلى ضعفها لبيان ذلك وقد أحببت أن أورد شيئا من ذلك على طريق التلخيص
قال الحكيم المحقق أبو الريحان البيروني في الكتاب الذي ألفه في تحقيق ما ينسب لأهل الهند من مقالة في مبحث صورة السماء والأرض إن القرآن لم ينطق في هذا الباب وفي كل شيء ضروري بما يحوج إلى تعسف في تأويل وإنما هو في الأشياء الضرورية معها حذو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه ولم يشتمل أيضا على شيء مما اختلف فيه وأيس من الوصول إليه
وإن كان الإسلام مكيدا في مبادئه بقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لذوي السلامة في القلوب من كتبهم ما لم يخلق الله منه فيها شيئا لا قليلا ولا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عنهم مغترين بنفاقهم وتركوا ما عندهم من الكتاب الحق لأن قلوب العامة إلى الخرافات أميل فتشوشت الأخبار لذلك
ثم جاءت طامة أخرى من جهة الزنادقة كأصحاب ماني كعبد الكريم بن أبي العوجاء وأمثاله فشككوا ضعاف الغرائز في الواحد الأول من جهة التعديل

والتجوير وأمالوهم إلى التثنية وزينوا عندهم سيرة ماني حتى اعتصموا بحبله
وهو رجل غير مقتصر على جهالاته في مذهبه دون الكلام في هيئة العالم بما ينبئ عن تمويهاته وانتشر ذلك في الألسنة وانضاف إلى ما تقدم من المكايد اليهودية فصار رأيا منسوبا إلى الإسلام سبحان الله عن مثله والذي يخالفه ويتمسك بالحق المطابق للقرآن فيه موسوما بالكفر والإلحاد محكوما على دمه بالإراقة غير مرخص في سماع كلامه وهو دون ما يسمع من كلام فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) ( وما علمت لكم من إله غيري ) وتطاول العصبية ربما يميل عن الطريقة المثلى للحمية والله يثبت قدم من يقصده ويقصد الحق فيه
وقال الحافظ ابن حزم في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل ذكر فصول يعترض بها جهلة الملحدين على ضعفاء المسلمين
قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا وجدناهما قد تفاقم الداء بهما فإما إحداهما فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد وبرهانه وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك
فأشرقت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح يراهنها ضرورية لائحة ولم يكن معها من جودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به أن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلا جائز أن يخطئ في مسألة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طالعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلا بإقناع أو بشغب أو بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا

فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملا واحدا وقبلوه قبولا مستويا فسرى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة فتوصل إليهم من باب غامض وهو إصغار كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها
فلم يعبأوا بآية من كتاب الله الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولا بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

التي هي بيان الحق ونور الألباب

ولم تلق هذه الطائفة من حملة الدين إلا أقواما لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه
وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلائلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به8 جاههم وحالهم وإما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولا ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم -

مما نقل عن كعب الأحبار ووهب بن منبه عن أهل الكتاب

فنظرت الطائفة الأولى إلى هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستجهال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقد أكثرهم الإلحاد واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشئوا في حجور أهله

وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب بحديث النبي صلى الله عليه وسلم -

فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما

كتبوا ويعملوا به وإنما تحملوه حملا لا يزيد عن قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به وأنه لم يأتي هملا ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبثا بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا بما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البدء التي إنما هي خرافات موضوعات ولدها الزنادقة تدليسا على الإسلام وأهله
فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح مثل أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز و جل
فنافرت هذه الطائفة كل برهان ولم يكن عندهم أكثر من قولهم نهينا عن الجدال
وليت شعري من نهاهم عنه والله يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا )
وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا
وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق ونحو ذلك
وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة
فمن أشرف على ذلك وعلمه رأى عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار

ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي يقشعر منها وهي أن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلا بالدعاوي والغلبة
وهذا خلاف قول الله عز و جل ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
هذا قول الله عز و جل وما جاء به نبيه ص -

وفي تلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل

وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحدا من الصحابة نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم فكان كلام هذه الطائفة مغريا للطائفة الأولى بكفرها إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته
ثم زادت هذه الثانية غلوا في الجنون فعابوا كتبا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤوها ولا أخبرهم عما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام
قال أبو محمد وهذه الكتب كلها سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز و جل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعزم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يعترف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبدا وما يصح مرة ويبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجا عن أصله ودليل الخطاب ودليل الاستقراء وغير ذلك مما لا غناء بالفقيه المجتهد لنفسه ولأهل ملته عنه
قال أبو محمد فلما رأينا عظم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز و جل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منصوص مسطور يعلمه كل

من أحكام النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منه خاليان والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام نبيه عليه الصلاة و السلام بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما ( ويأبى الله إلا أن يتم نروه ولو كره الكافرون )
ولسنا من تفسير الكلبي ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقات الأثبات من رؤساء المحدثين مسندا فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين
انتهى ما تعلق الغرض بإيراده
وقد تعرض حجة الإسلام أبو حامد الغزالي لبيان عظم الضرر الذي نشأ من هاتين الطائفتين في كتاب المنقذ من الضلال ونحا في كلامه قريبا من منحى ابن حزم في ذلك فارجع إليه إن شئت
هذا ومن شدد النكير على أولئك المحدثين الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها حتى حصل من الضرر ما حصل جمهور المتكلمين على الاختلاف فرقهم
وقد ذكر ابن قتيبة في مقدمة كتاب تأويل مختلف الحديث ما قاله المتكلمون من القدرية في ذلك
فإن قيل إن هؤلاء لا يقولون بالحديث فيكف يسمع كلامهم في أهله وهم أشد الناس عداوة لهم يقال بأن هؤلاء لا يتوقعون في وجوب الأخذ بالحديث إذا كان متواترا أو كان غير متواتر إلا أنه احتف به من القرائن ما يدل على صحته وإنما يتوقفون في الأخذ بالحديث إذا كان مرويا من طريق الآحاد ولم تقم قرينة على صحته وأما الأحاديث الضعيفة فلا يقولون بها أصلا وقد نحا منحاهم المتكلمون

منا ومن نظر في كتب الكلام أو الأصول تبين له أنهم لا ينكرون الأخذ بالحديث مطلقا كما توهمه عبارة أناس يريدون التنفير منهم مع أن التنفير منهم يمكن أن يحصل بغير الافتراء عليهم ونسبة ما لا يقولون بهم إليهم
المسألة الثالثة قد عرفت أن العلماء الأعلام قد أنكروا إنكارا شديدا على الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها وأما من رواها مع بيان ضعفها فلم ينكروا عليه وذلك لأن رواية كثير من علماء الحديث للأحاديث الضعيفة لم تكن تخلو عن فائدة مهمة
قال العلامة النووي في شرح مسلم قد ذكر مسلم في هذا الباب أن الشعبي روى عن الحارث الأعور وشهد أنه كاذب وعن غيره حدثني فلان وكان متهما وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين فقد يقال لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم
ويجاب عنه بأجوبة أحدها أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في أمرها
الثاني أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد كما قدمناه في فصل المتابعات ولا يحتج به على انفراده
الثالث أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض وذلك سهل عليهم معروف عندهم وبهذا احتج سفيان الثوري حين نهى عن الرواية عن الكلبي فقيل له أنت تروي عنه فقال أنا أعلم صدقه من كذبه
الرابع أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص والزهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر

الأحكام
وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء
وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جدا وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا والله أعلم
تنبيه إذا أردت نقل الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله كذا أو فعل كذا لإشعار ذلك بالجزم بل قل فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أنه قال كذا أو فعل كذا أو بلغنا عنه كذا أو جاء عنه كذا أو روى بعضهم

عنه كذا وما أشبه ذلك من الصيغ التي لا تشعر بالجزم
ومثل الضعيف ما يشك في صحته وضعفه وخلاف ذلك منكر عند القوم يستحق صاحبه اللوم
قال النووي في مقدمة شرح صحيح البخاري قال العلماء المحققون من المحدثين وغيرهم إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وشبه ذلك من صيغ الجزم

وكذا لا يقال روى أبو هريرة أو قال أو ذكر أو أخبر أو حدث أو نقل أو أفتى وشبه ذلك وكذا لا يقال ذلك في التابعين فمن بعدهم
فما كان ضعيفا فلا يقال فيه شيء من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في

الضعيف بصيغة التمريض فيقال روي عنه أو نقل أو ذكر أو حكي أو يقال أو يروى أو يحكى أو يعزى أو جاء عنه أو بلغنا عنه
قالوا وإذا كان الحديث أو غيره صحيحا أو حسنا عن المضاف إليه فيقال بصيغة الجزم ودليل هذا كله أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون في معنى الكاذب عليه وهذا التفصيل مما تركه كثير من الناس من المصنفين في الفقه والحديث وغيرهما ومن غيرهم
وقد اشتد إنكار الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي على من خالف هذا من العلماء وهذا التساهل من فاعله قبيح جدا فإنهم يقولون في الصحيح بصيغة التمريض وفي الضعيف بالجزم وهذا خروج عن الصواب وقلب للمعاني والله المستعان
وقد اعتنى البخاري رضي الله عنه بهذا التفصيل في صحيحه فيقول في الترجمة الواحدة بعض الكلام بتمريض وبعضه بجزم مراعيا ما ذكرنا وهذا ما يزيدك اعتقادا في جلالته وتحريه وروع واطلاعه وتحقيقه وإتقانه

@ 670 @

الفصل السابع في رواية الحديث بالمعنى وما يتعلق بذلك

اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى فذهب قوم إلى عدم جواز ذلك مطلقا منهم ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي وغيرهم ويروى ذلك عن ابن عمر وذهب الأكثرون إلى جواز ذلك إذا كان الراوي عارفا بدقائق الألفاظ بصيرا بمقدار التفاوت بينها خبيرا بما يحيل معانيها فإذا أبدل اللفظ الذي بلغه بلفظ آخر يقوم مقامه بحيث يكون معناه مطابقا لمعنى اللفظ الذي بلغه جاز ذلك
وقد تعرض لهذه المسألة علماء الأصول ولما كانت من المسائل المهمة جدا أحببت أن أورد من عباراتهم هنا ما يكون فيه كفاية لمطالع كتابنا قال الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع باب القول في حقيقة الرواية وما يتصل بها والاختيار في الرواية أن يروي الخبر بلفظه لقوله ص -

نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمع قرب حامل فقه إلى ما

هو أفقه منه
فإن أورد الرواية بالمعنى نظر فإن كان ممن لا يعرف معنى الحديث لم يجز لأنه لا يؤمن أن يغير معنى الحديث
وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظر فإن كان ذلك في خبر محتمل لم يجز أن يروي بالمعنى لأنه ربما نقله بلفظ لا يؤدي مراد الرسول ص -

فلا يجوز أن يتصرف فيه وإن كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان من أصحابنا من قال

لا يجوز لأنه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير الصلاة والثاني أنه يجوز وهو الأظهر

لأنه يؤدي معناه فقام مقامه ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال إذا أصبت المعنى فلا بأس

وهذا الحديث قد رواه ابن منده في معرفة الصحابة والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أوديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلال وأصبتم المعنى فلا بأس
فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا
وذكر بعض أهل الأثر أن أناسا من المجوزين للرواية بالمعنى استأنسوا بحديث مرفوع فيه قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى لا بأس
قال وهو حديث مضطرب لا يصح بل ذكره الجوزقاني وابن الجوزي في الموضوعات وفي ذلك نظر
وقال الغزالي في المستصفى نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه
وقال فريق لا يجوز له إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والإبصار بالإحساس بالبصر والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه وعلى الجملة ما لا يتطرق إليه

تفاوت بالاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استلال يختلف فيه الناظرون
ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم إذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكان سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم وكذلك من سمع شهادة الرسول ص

- فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الحق وليس في ذلك كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ
فإن قيل فقد قال ص -

نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع

ورب حامل فقد ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
قلنا هذا هو الحجة لأنه ذكر العلة وهو اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه
وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وإن أمكن أن تكون جميع تلك الألفاظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد ونقل بألفاظ مختلفة فإنه روي

رجم الله امرأ ونضر الله امرأ
وروي ورب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه غير فقيه وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز
وقال الفخر الرازي في المحصول يجوز نقل الخبر بالمعنى وهو مذهب الحسن البصري وأبي حنيفة خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين ولكن بشرائط ثلاث إحداها أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
وثانيها أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
وثالثها أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء

والخفاء لأن الخطاب يقع تارة بالمحكم وتارة بالمتشابه لحكم وأسرار استأثر الله بعلمها فلا يجوز تغييرها عن وصفها
لنا وجوه الأول أن الصحابة نقلوا قصة واحدة بألفاظ مختلفة مذكورة في مجلس واحد ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وذلك يدل على قولنا
الثاني أنه يجوز شرح الشرع للعجم بلسانهم فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فبأن يجوز إبدالها بعربية أخرى أولى ومن أنصف علم أن التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل مما بينها وبين العجمية
الثالث أنه روي عنه عليه السلام أنه قال إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وعن ابن مسعود أنه كان إذا حديث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
الرابع وهو الأقوى أنا نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في ذلك المجلس بل كما سمعوها يذكرونها وما ذكروها إلا بعد الأعصار

والسنين وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ
احتج المخالف بالنص والمعقول
أما النص فقوله عليه الصلاة و السلام رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها
قالوا وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع
ونقل الفقيه إلى من هو أفقه منه معناه والله أعلم أن الأفطن ربما فطن بفضل فقهه من فوائد اللفظ بما لم يفطن له الراوي لأنه ربما كان دونه في الفقه
وأما المعقول فيمن وجهين
الأول أنا لما جربنا رأينا أن المتأخر ربما استنبط من فوائد بآية أو خبر ما لم يتنبه له أهل الأعصار السالفة من العلماء المحققين فعلمنا أنه لا يجب في كل ما كان من فوائد اللفظ أن يتبنه له السامع في الحال وإن كان فقيها ذكيا نفسه فلو جوزنا النقل بالمعنى فربما حصل التفاوت العظيم مع أن الراوي يظن أن لا تفاوت

الثاني أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه بل هذا أولى لأن تبديل لفظ الراوي أولى بالجواز من تبديل لفظ الشارع وإن كان ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة فذلك يقضي إلى سقوط الكلام الأول لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لكن لا ينفك عن تفاوت وإن قل فإذا توالت هذه التفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة
والجواب عن الأول أن من أدى كلام الرجل فإنه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلف الألفاظ وهكذا الشاهد والترجمان يقع عليهما الوصف بأنهما أديا كما سمعا وإن كان لفظ الشاهد خلاف لفظ المشهود عليه ولغة المترجم غير لغة المترجم عنه
وعن الثاني والثالث ما تقدم قبل
وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول في الأصول ونقل الخبر بالمعنى عند أبي الحسين وأبي حنيفة والشافعي جائز خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين بشروط أن لا تزيد الترجمة ولا تنقص ولا تكون أخفى ولا أجلى لأن المقصود إنما هو إيصال المعاني فلا يضر فوات غيرها
ومتى زادت عبارة الراوي أو نقصت فقد زاد في الشرع أو نقص وذلك حرام إجماعا ومتى كانت عبارة الحديث جلية فغيرها بعبارة خفية فقد أوقع في الحديث وهنأ يوجب تقديم غيره عليه بسبب خفائه فإن الأحاديث إذا تعارضت في الحكم الواحد يقدم أجلاها على أخفاها فإذا كان أصل الحديث جليا فأبدله بخفي فقد أبطل منه مزية حسنة تخل به عند التعارض
وكذلك إذا كان الحديث خفي العبارة فأبدلها بأجلى منها فقد أوجب له حكم التقديم على غيره وحكم الله لا يقدم غيره عليه عند التعارض فقد تسبب بهذا التغيير في العبارة إلى تغيير حكم الله تعالى وذلك لا يجوز
فهذا هو مستند هذه

الشروط فإذا حصلت هذه الشروط فحينئذ يجري الخلاف في الجواز أما عند عدمها فلا يجوز إجماعا
حجة الجواز أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون الأحاديث ولا يكتبونها ولا يكررون عليها ثم يروونها بعد السنين الكثيرة ومثل هذا يجزم الإنسان فيه بأن نفس العبارة لا تنضبط بل المعنى فقط ولأن أحاديث كثيرة وقعت بعبارات مختلفة وذلك مع اتحاد القصة وهو دليل جواز النقل بالمعنى ولأن لفظ السنة ليس متعبدا به بخلاف لفظ القرآن فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود
حجة المنع قوله عليه الصلاة و السلام رحم الله أو نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه إلى من ليس بفقيه
فقوله فأداها كما سمعها يقتضي أن يكون اللفظ المؤدى كاللفظ المسموع عملا بكاف التشبيه
والمسموع في الحقيقة إنما هو اللفظ وسماع المعنى تبع له والتشبيه وقع بالمسموع فلا يشبهه حينئذ إلا المسموع أما المعنى فلا وذلك يقتضي أنه عليه الصلاة و السلام أوجب نقل مثل ما سمعه لا خلافه وهو المطلوب
قال صاحب ميزان العقول في الأصول مسألة نقل الحديث بالمعنى هل يجوز أم لا أجمعوا أنه إذا كان لفظا مشتركا أو مجملا أو مشكلا فإنه لا يجوز إقامة لفظ آخر مقامه
أما إذا كان لفظا ظاهرا مفسرا فإقامة لفظ آخر مثله بأن قال قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على رأس الركعتين في صلاة الظهر مكان ما روي أنه جلس على رأس الركعتين هل

يجوز فعند أصحابنا يجوز وهو ظاهر مذهب الشافعي وقد روي عن الحسن البصري كذلك
وقال بعض أصحاب الحديث إنه لا يجوز
وقيل هو اختيار ثعلب من أئمة اللغة وحجة هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فإنه قال نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها

ولأن النبي عليه الصلاة و السلام مخصوص بكمال الفصاحة والبلاغة كما روي أنه قال أنا أفصح العرب ولا فخر
وروي

عنه أنه قال أوتيت خمسا لم يؤتهن أحدا قبلي وذلك منها وأوتيت جوامع الكلم
وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن في النقل إلى لفظ آخر احتمال الاختلال في المعنى فيجب الاقتصار على اللفظ المنصوص عليه ولهذا الطريق لا يجوز نقل القرآن بالمعنى فكذا هذا
ووجه قول العامة ما روي عن عبد الله بن مسعود وغيره أن النبي عليه الصلاة و السلام قال هكذا أو نحوا منه أو قريبا منه
وهذا نقل بالمعنى وقد اشتهر عن الصحابة أنهم قالوا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بكذا ونهانا عن كذا

وهذا نقل من حيث المعنى وإجماع الصحابة حجة
والمعنى في المسألة هو أن الامتناع إما أن يكون لأجل اللفظ أو لأجل المعنى والأول فاسد فإن سنة النبي عليه الصلاة و السلام وضعت لبيان الأحكام وهو الغرض وهذا لا يختص بلفظ دون لفظ ولأنه لم يتعلق شيء من الغرض بلفظ الحديث لأنه ليس بمعجز ولا يتعلق الثواب وجواز الصلاة به بخلاف القرآن فإنه معجز وقد تعلق بتلاوته الثواب وجواز الصلاة
فلئن كان لا يجوز نقل القرآن من لفظ إلى لفظ فلم ذا لا يجوز في الحديث مع أن ثم جاء النقل بطريق الرخصة أيضا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقول طعام اليتيم
ولم يمكنه أن يقول طعام الأثيم
فقال له قل طعام الفاجر فلأن يجوز في الحديث أولى
وإن كان لأجل المعنى فالمعنى لا يختلف ولا يختل بالنقل إلى لفظ مثله في المعنى نحو قولهم قعد مكان جلس ولهذا كان نقل كلمة الشهادة من اللفظ المروي بالعربية إلى كل لسان جائز لما كان الغرض هو المعنى دون اللفظ فكذا هذا بخلاف الأذان والتشهد حيث لا يجوز النقل عن ألفاظهما إلى غيرهما لأن الشرع جاء بتلاوة ألفاظهما وعلق بهما الثواب الخاص على أن الأذان شرع للإعلام وإنه لا يحصل إلا بالألفاظ المعروفة ولهذا لم يجوزوا النقل من اللفظ المشترك والمجمل إلى لفظ آخر لما فيه من احتمال الإخلال بالمعنى

وأما الحديث فنقول لا حجة في الحديث لأن من نقل الحديث بالمعنى من كل وجه يقال إنه أدى كما سمع فإنه يقال للمترجم من لغة إلى لغة قد أدى كما سمع
على أن المراد بالحديث إذا كان لفظ الحديث مشتركا أو مشكلا أو مجملا يمكن احتمال الخلل فيه بالنقل إلى لفظ آخر ونحن نمنع النقل في مثل هذا الموضع لهذا الوهم وفي الحديث ما يدل عليه فإنه قال فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه
وما لا يشتبه من الألفاظ ولا يختلف اجتهاد المجتهدين فيه يستوي فيه الفقيه وغير الفقيه والكامل في الفقيه والناقص
وقال بعض علماء الحنابلة تجوز رواية الحديث بالمعنى المطابق للفظ للعارف بمقتضيات الألفاظ الفارق بينها ومنع منه ابن سيرين لقوله عليه الصلاة و السلام فأداها كما سمعها ولقوله عليه الصلاة و السلام للبراء حين قال ورسولك الذي أرسلت
قال قل ونبيك الذي أرسلت
ولنا جواز شرح الحديث والشهادة على الشهادة العربية بالعجمية وعكسه فهذا أولى ولأن التعبد بالمعنى لا باللفظ بخلاف القرآن ولأنه جائز في غير السنة فكذا فيها إذ الكذب حرام فيهما والراوي بالمعنى المطابق مؤد كما سمع
ثم المراد منه من لا يفرق وليس الكلام فيه
وفائدة قوله عليه الصلاة و السلام للبراء ما ذكر عدم الالتباس بجبريل أو الجمع بين لفظتي النبوة والرسالة
قال أبو الخطاب ولا يبدل لفظا بأظهر منه إذ الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة وبالخفي أخرى
قلت وكذا بالعكس وهو أولى
وقد فهم هذا من قولنا المعنى المطابق
والله أعلم
وقال ابن حزم فصل قال علي وحكم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير إلا في حال واحدة وهي أن يكون المرء

قد تثبت فيه وعرف معناه يقينا فيسأل فيفتي بمعناه وموجبه فيقول حكم رسول الله بكذا ونهى عن كذا وحرم كذا والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وهو كذا وكذلك الحكم فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق

وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية وبحكمها بغير لفظها وهذا ما لا خلاف فيه من أحد في أن ذلك مباح كما ذكرنا
وأما من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي ص

- فلا يحل له إلا تحري الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر وإن كان معناهما واحدا ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها ولا فرق
وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -

علم البراء بن عازب دعاء وفيه ونبيك الذي أرسلت

فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم -

قال وبرسولك الذي أرسلت فقال النبي ص

- لا وبنبيك الذي أرسلت
فأمره عليه الصلاة و السلام أن لا يضع لفظة رسول في موضع لفظة نبي وذلك حق لا يحيل معنى وهو عليه السلام رسول ونبي
فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه عليه الصلاة و السلام كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم
وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا والله يقول مخبرا عن نبيه ( ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى
أم كيف يسوغ إباحة القراءة المفروضة في الصلاة بالأعجمية مع ما ذكرنا ومع إجماع الأمة أن إنسانا لو قرأ أم القرآن فقدم آية على أخرى أو قال الشكر للصمد مولى الخلائق وزعم أن ذلك في القرآن لعد ممن يفتري على الله الكذب ومع قوله تعالى ( لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )
ففرق تعالى

بينهما وأخبر أن القرآن إنما هو باللفظ العربي لا العجمي وأمر بقراءة القرآن في الصلاة فمن قرأ بالأعجمية فلم يقرأ القرآن بلا شك
واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى ( وإنه لفي زبر الأولين ) وبخطابه تعالى لنا بالعربية حاكيا كلام موسى عليه السلام
قال علي وهذا لا حجة لهم فيه لأن الذي في زبر الأولين إنما هو معنى القرآن لا القرآن ولو كان القرآن في زبر الأولين لما كان محمد ص -

مخصوصا به ولا كانت له فيه آية

وهذا خلاف النص
وأما حكايته تعالى لنا كلام موسى وغيره بلغتنا فلم يلزمنا تعالى بقراءة ألفاظهم بنصها ولا نمنع نحن تفسير القرآن بالأعجمية لمن يترجم له وإنما نمنع من تلاوته في الصلاة أو على سبيل التقرب بتلاوته إلى الله تعالى بغير اللفظ الذي أنزل به لا بكلام أعجمي ولا بغير تلك الألفاظ وإن وافقتها في العربية ولا بتقديم تلك الألفاظ بعينها ولا بتأخيرها وإنما نجيز الترجمة التي أجازها النص على سبيل التعليم والإفهام فقط لا على سبيل التلاوة التي يقصد بها القربة وبالله تعالى التوفيق
ومن حدث بحديث فبلغه إلى غيره كما بلغه إياه غيره وأخذ عنه فليس أن يكرره أبدا فقد أدى ما عليه بتبليغه
وأما اللحن في الحديث فإن كان شيئا له وجه في لغة بعض العرب فليروه كما سمعه ولا يبدله ولا يرده إلى أفصح منه ولا إلى غيره وإن كان شيئا لا وجه له في لغة العرب البتة فحرام على كل مسلم أن يحدث باللحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فإن فعل فهو كاذب عليه لأنا قد أيقنا أنه عليه السلام لم يلحن قط وفرض

عليه أن يصلحه ويبشره يكشطه من كتابه ويكتبه معربا ويحدث به معربا ولا يلتفت إلى ما وجد في كتابه من لحن ولا إلى ما حدثه به شيوخه ملحونا
ولهذا لزم من طلب الفقه أن يتعلم النحو واللغة وإلا فهو ناقص منحط

لا تجوز له الفتيا في دين الله عز و جل وكان ابن عمر يضرب ولده على اللحن
وقد روي عن شعبة أو عن حماد بن سلمة الشك مني أنه قال من حدث عني بلحن فقد كذب علي
وكان شعبة وحماد وخالد بن الحارث وبشر بن المفضل والحسن البصري لا يلحنون البتة
وبالله التوفيق
وقال ابن المطهر الحلي في نهاية الوصول في البحث الحادي عشر في نقل الحديث بالمعنى اختلف الناس في أنه هل يجوز نقل الحديث المروي عن النبي عليه الصلاة و السلام بالمعنى فجوزه الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والحسن البصري وأكثر الفقهاء وبعض المحدثين
والمجوزون شرطوا أمورا ثلاثة الأول أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
الثاني أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
الثالث أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء والخفاء لأن الخطاب قد يقع بالمحكم والمتشابه لحكمة خفية فلا يجوز تغييرها عن وصفها
والمانعون جوزوا إبدال اللفظ بمرادفه ومساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والحظر بالتحريم
وبالجملة ما لا يتطرق إليه تفاوت في الاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهم قطعا لا فيما فهم بنوع من الاستدلال الذي يختلف فيه الناظرون
واتفقوا على منع الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ وإنما الخلاف في العالم الفارق بين المحتمل وغيره والظاهر والأظهر والعام والأعم
والوجه الجواز لنا وجوه الأول الصحابة نقلوا قصة واحدة مذكورة في مجلس واحد بألفاظ مختلفة ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وهو يدل على قبوله وفيه نظر لأنه حكاية حال فلعلهم عرفوا أن الراوي قصد نقل المعنى ونبه بما يدل عليه
الثاني يجوز شرح الشرع للعجمي بلسانه وهو إبدال العربية بالعجمية فبالعربية أولى ومعلوم أن التفاوت بين العربية وترجمتها أقل مما بينها وبين العجمية

وفيه نظر فإن السامع للترجمة يعلم أن المسموع ليس كلام النبي عليه الصلاة و السلام
الثالث روي عنه عليه الصلاة و السلام إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وفيه نظر إذ المراد نفي البأس في العمل بمقتضى ما دل عليه الحديث لا النقل عنه
الرابع كان ابن مسعود إذا حدث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
وفيه نظر إذ الفرق واقع بين ما إذا أطلق أو قال كذا أو نحوه فإن فيه تصريحا بنقل المعنى وأن اللفظ منه
الخامس نعلم قطعا أن الصحابة لم يكتبوا ما نقلوه ولا كرروا عليه بل كما سمعوا أهملوا إلى وقت الحاجة بعد مدد متباعدة وذلك يوجب القطع بأنهم لم ينقلوا نقس اللفظ بل المعنى
السادس اللفظ غير مقصود لذاته وإنما القصد المعنى واللفظ أداة في استعلامه فلا فرق لإثبات ذلك المعنى بأي لفظ اتفق
واحتج المخالف بوجوه الأول قوله عليه الصلاة و السلام نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع ونقل الفقه إلى من هو أفقه منه معناه أن الأفقه قد يتفطن بفضل معرفته من فوائد اللفظ لما لا يتفطن إليه غير الفقيه الذي رواه
الثاني التجربة دلت على أن المتأخر يستخرج من فوائد ألفاظ النبي عليه الصلاة و السلام ما لم يسبقه المتقدم إليه فعرفنا أن السامع لا يجب أن يتنبه لفوائد اللفظ في الحال وإن كان فقيها ذكيا فجاز أن يتوهم في اللفظ المبدل أنه مساو للآخر وبينهما تفاوت لم يتفطن له
الثالث لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ من عنده لجاز للراوي عن الراوي تبديل لفظ الأصل بل هو أولى فإن تبديل لفظ الراوي أولى من تبديل

لفظ الشارع ولو جاز ذلك لجاز للثالث الراوي عن الثاني وللرابع الراوي عن الثالث وهكذا وذلك يستلزم سقوط الكلام الأول بالكلية فإن المعبر إذا ترجم وبالغ في المطابقة تعذر عليه الإتيان بلفظ ليس بينه وبين اللفظ الأول تفاوت بالكلية فتنتفي المناسبة بين كلام النبي عليه الصلاة و السلام وكلام الراوي الأخير
والجواب أن من أدى المعنى بتمامه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلفت الألفاظ ولهذا يوصف الشاهد والمترجم بأداء ما سمعا وإن عبرا بلفظ مرادف على أن هذا الحديث حجة لنا فإنه عليه الصلاة و السلام ذكر العلة وهي اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف فيه الناس كالألفاظ المترادفة لا يمنع منه
على أن هذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد يروى رحم الله امرأ ونضر الله امرأ ورب حامل فقه لا فقه له وغير فقيه
وهذه الألفاظ وإن أمكن أن يكون جميعها قول الرسول في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد
وقد رأيت بعض من ألف في أصول الحديث أو أصول الفقه قد أطال في بيان ما قيل في هذه المسألة فأحببت أن أورد من كلامهم هنا ما يزيد المسألة جلاء فأقول
ذهبت طائفة من العلماء إلى أنه لا تجوز الرواية بالمعنى مطلقا ونقل ذلك عن كثير من المحدثين والفقهاء وأهل الأصول وهو مذهب الظاهرية ونقل عن عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين منهم ابن سيرين وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو بكر الرازي
قال القرطبي وهو الصحيح من مذهب مالك ويدل على ذلك قوله لا أكتب إلا على رجل يعرف ما يخرج من رأسه وذلك في جواب من قال له لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين وكذلك تركه الأخذ عمن لهم فضل وصلاح إذا كانوا لا يعرفون ما يحدثون به
قال بعض العلماء وفي هذا إشارة إلى انتشار الرواية بالمعنى في عصره وقد

كان الحديث في الصدور فخشي مالك أن يخلطوا فيما يحدثون به فترك الرواية عنهم لذلك ولو كانوا يحفظون لفظ الحديث لم يترك الأخذ عنهم
ونقل البيهقي والخطيب وغيرهما عن مالك أنه منع الرواية بالمعنى في الحديث وأجاز ذلك في غيره
وقد شدد بعض المانعين من الرواية بالمعنى أعظم تشديد حتى لم يجيزوا أن يبدل حرف بآخر وإن كان معناهما واحدا ولا أن تقدم كلمة على أخرى وإن كان المعنى لا يختلف في ذلك بل زاد بعضهم في التشديد فمنع من تثقيل خفيف أو تخفيف ثقيل ونحو ذلك ولو خالف اللغة الفصحى
وذلك لما في تبديل اللفظ المروي من خوف الدخول في الوعيد حيث نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - لفظا لم يقله ولأن النبي عليه الصلاة و السلام قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا وغيره ولو كان من أرباب الفصاحة والبلاغة لا يبلغ درجته
وكثيرا ما يظن الراوي بالمعنى أنه قد أتى بلفظ يقوم مقام الآخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما ظهر ذلك في كثير من الأحاديث
وانظر إلى ما وقع لشعبة مع جلالته وإتقانه فإنه سمع عن إسماعيل بن علية حديث النهي عن أن يتزعفر الرجل فرواه عنه بالمعنى بلفظ نهي عن التزعفر
فأنكر إسماعيل ذلك عليه لدلالة روايته على العموم مع أن الرواية في الأصل إنما تدل على اختصاص النهي بالرجال فانتبه إسماعيل لما لم يتنبه له شعبة مع أن رواية شعبة عنه إنما هي من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر
ولأنه عليه الصلاة و السلام قد رد على من علمه ما يقول إذا أخذ مضجعه إذ قال ورسولك فقال عليه الصلاة و السلام لا ونبيك
ولأنه عليه الصلاة و السلام قال نضر الله امرأ سمع منا حديثا فأداه كما سمعه
وقد اعتنى مسلم في صحيحه ببيان اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن ربما لا يتغير به المعنى بخلاف البخاري
وقال بعضهم كان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك

وذهب جمهور العلماء إلى جواز الرواية بالمعنى لمن يحسن ذلك بشرط أن يكون جازما بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه
وهؤلاء المجيزون
منهم من شرط أن يأتي بلفظ مرادف كالجلوس مكان القعود أو العكس
ومنهم من شرط أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء
وقال أبو بكر الصيرفي إذا كان المعنى مودعا في جملة لا يفهمها العامي إلا بأداء تلك الجملة فلا تجوز رواية تلك الجملة إلا بلفظها
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من قبيل المتشابه كأحاديث الصفات وقد حكى بعضهم الإجماع على هذا وذلك لأن اللفظ الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم -

لا يدري هل يساويه اللفظ الذي تكلم به الراوي ويحتمل ما يحتمله من وجوه

التأويل أم لا
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من جوامع الكلم كقوله عليه الصلاة و السلام إنما الأعمال بالنيات
وقوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
وقوله البينة على المدعي ونحو ذلك
وقال بعض العلماء للرواية بالمعنى ثلاث صور أحدها أن يبدل اللفظ بمرادفه كالجلوس بالقعود وهذا جائز بلا خلاف
وثانيها أن يظن دلالته على مثل ما دل عليه الأول من غير أن يقطع بذلك فهذا لا خلاف في عدم جواز التبديل فيه
وثالثها أن يقطع بفهم المعنى ويعبر عما فهم بعبارة يقطع بأنها تدل على ذلك المعنى الذي فهمه من غير أن تكون الألفاظ مترادفة
فهذا موضع الخلاف والأكثرون على أنه متى حصل القطع بفهم المعنى مستندا إلى اللفظ إما بمجرده أو إليه مع القرائن التحق بالمترادف

وقد تبين من البحث في هذه المسألة والتتبع لما قيل فيها أن للمجيزين للرواية بالمعنى ثمانية أقوال
القول الأول قول من فرق بين الألفاظ التي لا مجال للتأويل فيها وبين الألفاظ التي للتأويل فيها مجال فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية نقل ذلك أبو الحسين القطان عن بعض أصحاب الشافعي
ويقرب من هذا القول قول من فرق بين المحكم وغيره كالمجمل والمشترك فأجاز الرواية بالمعنى في الأول دون الثاني
القول الثاني قول من فرق بين الأوامر والنواهي وبين غيرهما فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية
قال الماوردي والروياني وشرط الرواية بالمعنى أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء وإلا فيمتنع كقوله ص -

لا طلاق في إغلاق

فلا يجوز التعبير عن الإغلاق بالإكراه وإن كان هو معناه لأن الشارع لم يذكره كذلك إلا لمصلحة
وجعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي وجزما بالجواز فيهما ومثلا الأمر بقوله عليه الصلاة و السلام اقتلوا الأسودين الحية والعقرب
فيجوز أن يقال أمر بقتلهما والنهي بقوله عليه الصلاة و السلام لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
فيجوز أن يقال نهي عن بيع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
القول الثالث قول من فرق بين من يستحضر لفظ الحديث وبين من لا يستحضر لفظه بل نسيه وإنما بقي في ذهنه معناه فأجاز الرواية بالمعنى للثاني دون الأول وذلك لأنه كان مأمورا بأداء الحديث كما سمعه وذلك إنما يكون بروايته باللفظ فلما عجز عن ذلك بسبب نسيانه لم يبق في وسعه إلا روايته بالمعنى فإذا أتى بلفظ يؤدي ذلك المعنى فقد أتى بما في وسعه قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
وهذا القول أقوى الأقوال لأن الرواية بالمعنى إنما أجازها من أجازها من العلماء الأعلام للضرورة ولا ضرورة إلا في هذه الصورة وإلا فلا يظن بذي كمال

في العقل والدين أن يجيز تبديل الألفاظ الواقعة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

مع استحضاره لها بألفاظ من عنده ثم ينسبها إلى النبي ص

- بلفظ صريح في صدورها منه
قال الماوردي في الحاوي لا تجوز الرواية بالمعنى لمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيها بسببها وتجوز لغيره لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر لا سيما إن كان في تركه كتم للأحكام فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره لأن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

من الفصاحة ما ليس في غيره

القول الرابع قول من فرق بينهما غير أنه عكس الحكم فأجاز الرواية بالمعنى لمن يستحضر اللفظ لتمكنه حينئذ من التصرف فيه بإيراد ألفاظ تقوم مقام تلك الألفاظ في المعنى ولم يجزها لمن لا يستحضر اللفظ لعدم تمكنه من ذلك ولم يكتف بوجود المعنى في الذهن لاحتمال أن يكون ذلك المعنى أزيد مما يدل عليه اللفظ الذي نسيه أو أنقص منه ولذا منع العلماء من وضع العام في موضع الخاص والمطلق في موضع المقيد ومن العكس وذلك لاشتراطهم أن يكون ما جاء الراوي مساويا للأصل
القول الخامس قول من أجاز الرواية بالمعنى بشرط أن يقتصر في ذلك على إبدال اللفظ بمرادفه مع بقاء تركيب الكلام على حاله وذلك لأن تغيير تركيب الكلام كثيرا ما يخل بالمرام بخلاف إبدال اللفظ بمرادفه فإنه يفي بالمقصود من غير محذور فيه وهو قول قوي وقد ادعى بعض العلماء أن هذا جائز بلا خلاف
ومثال ذلك إبدال القتات بالنمام والعكس
قال مسلم في صحيحه حدثنا شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قالا حدثنا مهدي وهو ابن ميمون قال حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول لا يدخل الجنة نمام

حدثنا علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير قال فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول لا يدخل الجنة قتات

القول السادس قول من فرق بين من يورد الحديث على قصد الاحتجاج أو الفتيا وبين من يورده لقصد الرواية فأجاز الرواية بالمعنى للأول دون الثاني
القول السابع قول من أجاز الرواية بالمعنى للصحابة خاصة وذلك لأمرين أحدهما كونهم من أرباب اللسان الواقفين على ما فيه من أسرار البيان
وثانيهما سماعهم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم -

مع مشاهدتهم لأفعاله ووقوفهم على أحواله بحيث وقفوع على مقصده جملة فإذا

رووا الحديث بالمعنى استوفوا المقصد كله
على أنهم لم يكونوا يروون بالمعنى إلا حيث لم يستحضروا اللفظ وإذا رووا بالمعنى أشاروا في أكثر الأحيان إلى ذلك فصارت النفس مطمئنة لما يروونه بالمعنى بخلاف من بعدهم فإنهم لم يكونوا في درجتهم في معرفة اللسان والوقوف بالطبع على أسرار البيان مع عدم سماعهم لشيء من أقواله عليه الصلاة و السلام ولا مشاهدتهم لشيء من أفعاله ولا وقوفهم على حال من أحواله
وقد حكى هذا القول الماوردي والروياني وجزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي الرواية بالمعنى وجعلا الخلاف في المسألة في الصحابي دون غيره
وقد استدل على أن بعض الصحابة كانوا يروون الأحاديث بالمعنى كما روي عن بعض التابعين أنه قال لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت ذلك لبعضهم فقال لا بأس به ما لم يخل معناه حكاه الشافعي
وبما روي عن جابر بن عبد الله عن حذيفة أنه قال إنا قوم عرب نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر
وبما روي عن بعض الصحابة كابن مسعود أنه كان يقول في بعض ما يرويه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا أو نحوه

بالمقصود فكيف تسوغ الرواية بالمعنى فيه مطلقا مع أن كثيرا من العلماء قد شددوا في أمر العلم يريدون بذلك ما يتعلق بالاعتقاد ما لم يشددوا في غيره فقالوا لا يقبل فيه إلا الدليل القطعي وذلك إما آية صريحة فيه أو حديث متواتر كذلك أو دليل عقلي ليس فيه شبهة
وقد تعرض الأستاذ الأجل أبو الحسين أحمد بن فارس لأمر الرواية بالمعنى في رسالته التي سماها مأخذ العلم فقال في باب القول في اللحن ذهب أناس إلى أن المحدث إذا روى فلحن لم يجز للسامع أن يحدث عنه إلا لحنا كما سمعه وقال آخرون بل على السامع أن يرويه إذا كان عالما بالعربية معربا صحيحا مقوما بدليل نقوله وهو أنه معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب وأعربها وقد نزهه الله عز و جل عن اللحن وإذا كان كذا فالوجه أن يروى كلامه مهذبا من كل لحن وكان شيخنا أبو الحسن علي بن إبراهيم القطان يكتب الحديث على ما سمعه لحنا ويكتب على حاشية كتابه كذا قال يعني الذي حدثه والصواب كذا وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب
فإن قيل قائل فما تقول في الذي حدثكموه علي بن إبراهيم عن محمد بن يزيد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بالخيف من منى فقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمع فرب حامل

فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أن يبلغ المبلغ كما سمع

قيل له إنما أراد أن يبلغه في صحة المعنى واستقامة المراد به من غير زيادة ولا نقصان يغيران المعنى فأما أن يسمع اللحن فيؤديه فلا
وبعد فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان لا يلحن فينبغي أن تؤدى مقالته عنه في صحة كما سمع منه

وقال في باب الإجازة واعلم أن جماعة من الناس سلكوا فيما تقدم ذكرنا له مسلكا لعل غيره أسهل منه وأقرب من التعمق والتنطع فقالوا إن حدث المحدث جاز أن يقال حدثنا وإن قرئ عليه لم يجز أن يقال حدثنا ولا أخبرنا وإن حدث جماعة لم يجز للمحدث عنه أن يقول حدثني وإن حدث بلفظه لم يجز أن يتعدى ذلك اللفظ وإن كان قد أصاب المعنى
قال أحمد بن فارس وهذا عندنا شديد لا وجه له لأن من العلماء من كان يتبع اللفظ فيؤديه ومنهم من كان يحدث بالمعنى وإن تغير اللفظ وبلغنا أن الحسن كان يحدث عن المعاني والتثبت حسن لكن أهل العلم قد يتساهلون إذا أدوا المعنى ويقولون لو كان أداء اللفظ واجبا حتى لا يغفل منه حرف لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بإثبات ما يسمعونه منه كما أمرهم بإثبات الوحي الذي لا يجوز تغيير معناه

ولا لفظه فلما لم يأمرهم بإثبات ذلك دل على أن الأمر بالتحديث أسهل وإن كان أداء ذلك باللفظ الذي سمعه أحسن
وبالله التوفيق
وقال في باب الفرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أخبرنا ذهب أكثر علمائنا إلى أنه لا فرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أنبأنا
وذهب آخرون إلى أن قوله حدثنا دال على أنه سمعه لفظا وأن قوله أنبأنا يدل على أنه سمعه قراءة عليه وهذا عندنا باب من التعمق والأمر في ذلك كله واحد
سمعت علي بن أبي خالد يقول ما سمعت محمد بن أيوب يقول في حديثه إلا أنبأنا وما سمعناه يقول حدثنا وابن أيوب عندنا من كبار المحدثين والذي حكيناه عنه دليل على ما قلناه من أن التحديث والإخبار واحد
فأما العرب فلا فرق عندهم بين قول القائل حدثني وبين قوله أخبرني وقد سمى الله تعالى كتابه حديثا مرة ونبأ مرة والنبأ هو الخبر ثم عن الشاعر يقول مرة هذا ومرة هذا
أنشدني أبي قال أنشدني أبو إسحاق الخطيب
( وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا )

وأنشدنيه غيره وحدثتماني
وأنشدني الطيب بن محمد التميمي قال أنشدنا القصباني لكعب بن سعد الغنوي
( وحدثتماني إنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب )
وأنشدني غيره وخبرتماني
وقال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير والأكثر على الجواز ومن أقوى حججها الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى وقيل إنما تجوز في المفردات دون المركبات وقيل إنما تجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه وقيل إنما تجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظه وبقي معناه مرتسما في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم منه بخلاف من كان مستحضرا للفظه
وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه
ولا شك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه قال القاضي عياض ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا والله الموفق
وأشار بعض من أمعن النظر في هذه المسألة إلى أن الأدلة التي يوردها المجيزون للرواية بالمعنى إنما تدل على جواز ذلك للضرورة
وذلك إذا لم يستحضر الراوي لفظ الحديث وإنما بقي في ذهنه معناه ومع ذلك فقد كان المحتاطون في الأمر يشيرون إلى أن الرواية إنما كانت بالمعنى
قال ابن الصلاح ينبغي لمن يروي حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو نحو هذا وما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس

قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر
وأما استدلالهم بالإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به وأنه إذا جاز ذلك بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى ففيه أمران
الأمر الأول أن ذلك إنما أجيز للضرورة وهو شرح الشرع لمن لا يحسن العربية بلسانه الذي يحسنه لا سيما إن كان ممن دخل في الدين حديثا ولم يكن له إلمام بالعربية فإنه يعرف الدين أولا بلغته ثم يؤمر بأن يتعلم من العربية ما يعرف به ما يلزمه من أمر الدين رأسا من غير احتياج إلى ترجمة وذلك تقديما للأهم على المهم
قال الإمام الشافعي في الرسالة في أصول الفقه فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخالطه فيه غيره فالحجة فيه كتاب الله قال الله تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد ص -

كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن محمدا ص

- بعث إلى الناس كافة
فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه أو ما أطاقوه منه ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم
فإن قال قائل فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم قال الشافعي فالدلالة على ذلك بينة في كتاب الله عز و جل في غير موضع فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع
وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي صلى الله عليه وسلم -

ولا يجوز والله تعالى أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه

في

حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه
وقد بين الله تعالى ذلك في غير آية من كتابه قال الله عز ذكره ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) وقال ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ) وقال تعالى ( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )
ثم قال فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله تعالى وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه لا متبوعا
الأمر الثاني أن استدلالهم بما ذكر غير ظاهر وذلك أنهم إن أرادوا أن الحديث حيث جاز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة يكون إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى أولى بالجواز ورد عليهم القرآن فإنهم أجازوا إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة ولم يجز أحد إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى
ولهم أن يقولوا إن بينهما فرقا من وجهين
أحدهما أن القرآن معجز والإعجاز فيه يتعلق باللفظ والمعنى فإذا أجيز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى وقع إخلال بأمر الإعجاز من وجه مع حصول الالتباس على كثير من الناس مع عدم الاضطرار إلى ذلك

فإن أشكل شيء منه على من يعرف العربية أزيل إشكاله بطريق التفسير أو التأويل بخلاف إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة لمن لا يحسن العربية فإنه مع الاضطرار إلى ذلك ليس فيه ما ذكر من الالتباس
وأما الحديث فإنه ليس كذلك فلا محذور في إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى سواء كانت من اللغة العربية أو الأعجمية
الثاني أن القرآن متواتر مشهور عند الأمة بحيث لا يخفى أمره على أحد منهم فلا داعي لروايته بالمعنى لأنها إنما أجيزت للضرورة وإن أطلق الإجازة أناس لم يمعنوا النظر في المسألة ولا ضرورة تلجئ إلى ذلك في القرآن
وأما الحديث فكثير منه من قبيل أخبار الآحاد التي يختص بمعرفتها فرد أو بضع أفراد فإذا منع من لا يستحضر اللفظ من روايته بالمعنى ربما ضاع كثير من الأحكام المهمة التي وردت فيه فسوغ الجمهور ذلك إلا أنه يقال إن كثيرا ممن منع الرواية بالمعنى كأهل الظاهر قد جروا على طريقة قويمة لا يضيع فيها شيء من الأحكام وقد سبق ذكرها في مقالة ابن حزم
وقال الطيبي في الخلاصة في أصول الحديث قال في شرح السنة
ذهب قوم إلى اتباع لفظ الحديث منهم ابن عمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة ومالك بن أنس وابن عيينة وعبد الوارث ويزيد بن زريع ووهب وبه قال أحمد ويحيى
وذهب جماعة إلى الرخصة في نقله بالمعنى منهم الحسن والشعبي والنخعي
قال ابن سيرين كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد
وقال سفيان الثوري إن قلت إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى
وقال وكيع إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس

وقال ابن الصلاح من ليس عالما بالألفاظ ومقاصدها ولا خبيرا بما يخل بمعانيها لا تجوز له الرواية بالمعنى بالإجماع بل يتعين اللفظ الذي سمعه وإن كان عالما بذلك فقد منعه قوم من أصحاب الحديث والفقه والأصول وقالوا لا يجوز إلا بلفظه
وقال قوم لا تجوز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم -

وتجوز في غيره

وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف تجوز في الجميع إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات أما المصنف فلا يجوز تغيير لفظه أصلا وإن كان بمعناه
أقول قول من ذهب إلى التفصيل هو الصحيح لأنه صلوات الله وسلامه عليه أفصح من نطق بالضاد وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي فإن لكل تركيب من التراكيب معنى بحسب الفصل والوصل والتقديم والتأخير لو لم يراع ذلك لذهب مقاصدها بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والإجمال وغيرهما
وكذا الألفاظ التي ترى مشتركة أو مترادفة إذ لو وضع كل موضع الآخر لفات المعنى الذي قصد به ومن ثم قال صلوات الله وسلامه عليه نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود

وكفى بهذا الحديث لفظا ومعنى شاهد صدق على ما نحن بصدده فإنك إن أقمت مقام كل لفظة ما يشاكلها أو يرادفها اختل المعنى وفسد

فإنك لو وضعت موضع نضر الله رحم الله أو غفر الله وما شاكلهما أبعدت المرمى فإن من حفظ ما سمعه وأداه من غير تغيير فإنه جعل المعنى غضا طريا ومن بدل وغير فقد جعله مبتذلا ذاويا
وكذا لو أنبت امرأ مناب العبد فات المعنى لأن العبودية هي الاستكانة والمضي لأمر الله ورسوله بلا امتناع ولا استنكاف من أداء ما سمع إلى من هو أعلم منه
وخصت المقالة بالذكر من بين الكلام والخبر لأن حقيقة القول هو المركب من الحروف المبرزة ليدل على وجوب أداء اللفظ المسموع
وإرداف وعاها حفظها مشعر بمزيد التقرير لأن الوعي إدامة الحفظ وعدم النسيان
وفي رواية أخرى فأداها كما سمعها
أوثر أداها على رواها وبلغها ونحوهما دلالة على أن تلك المقالة مستودعة عنده واجب أداؤها إلى من هو أحق بها وأهلها غير مغيرة ولا متصرف فيها
وكذا تخصيص ذكر الفقه دون العلم للإيذان بأن الحامل غير عار من العلم إذ الفقه علم بدقائق مستنبطة من الأقيسة والنصوص ولو قيل غير عالم لزم جهله
وكذا تكرير رب وإناطة كل بمعنى يخصها فإن السامع أحد رجلين إما أن لا يكون فقيها فيجب عليه أن لا يغيرها لأنه غير عارف بالألفاظ المتشاكلة فيخطئ فيه أو يكون عارفا بها لكنه غير بليغ فربما يضع أحد المترادفين موضع الآخر ولا يقف على رعاية المناسبات بين لفظ ولفظ
فإن المناسبة لها خواص ومعان لا يقف عليهما إلا ذو دربة بأساليب النظم كما قررناه في شرح التبيان في قسم الفصاحة والله أعلم

واعلم أن الحديث المروي بالمعنى إنما يستشهد به فيما يتعلق بأصل المعنى فقط فاستدلال بعضهم بنحو تقديم كلمة على أخرى فيه أو نحو ورود العطف فيه بالفاء دون الواو أو بالعكس ليس في محله
وكذلك استدلال بعضهم به في الأمور المتعلقة بالألفاظ وتركيبها وذلك لأن كثيرا ممن كان يروي بالمعنى كان لا يهتم حين الرواية بمراعاة ذلك بل كان بعضهم ليس له وقوف تام على اللغة العربية فضلا عن أسرارها التي يختص بمعرفتها أناس من أئمة اللسان

وقد ذكر العلامة جلال الدين السيوطي حكم الأحاديث المروية بالمعنى عند علماء العربية في كتاب الاقتراح في أصول النحو فقال فصل
وأما كلامه ص -

فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي وذلك نادر جدا وإنما يوجد

في الأحاديث القصار على قلة أيضا فإن غالب الأحاديث مروية بالمعنى وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بألفاظ ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارات مختلفة ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث
وقال أبو حيان في شرح التسهيل قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين والكسائي والفراء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس
وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول ص -

إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية وإنما كان

ذلك لأمرين
أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه ص -

لم تنقل بتلك الألفاظ جميعها نحو ما روي من قوله زوجتكها بما معك من

القرآن
ملكتكها بما معك
خذها بما معك
وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة
فنعلم يقينا أنه ص -

لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ بل نجزم

بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ
والضابط منهم من ضبط المعنى وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال وقد قال سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى
ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى
الأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ذلك وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب
ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان أفصح الناس فلم يكن ليتكلم لا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها

وأجزلها وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعليم الله ذلك له من غير معلم والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من له التمييز وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وكان ممن أخذ عن ابن مالك قلت له يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول ص - فلم يجب بشيء
قال أبو حيان وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول المبتدئ ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث
انتهى كلام أبي حيان بلفظه
وقال أبو الحسن بن الضائع في شرح الجمل تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث واعتمدوا

في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

لأنه أفصح العرب

قال وكان ابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى
انتهى
ومثل ذلك قول صاحب ثمار الصناعة النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى وكلام فصحاء العرب فقصره عليهما ولم يذكر الحديث
نعم اعتمد عليه صاحب البديع فقال في أفعل التفضيل لا يلتفت إلى قول من قال إنه لا يعمل لأن القرآن والأخبار والأشعار نطقت بعمله ثم أورد آيات
ومن الأخبار حديث ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون
وقد استدل به السهيلي
ثم قال لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجودا قال فيه إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وقال ابن الأنباري في الإنصاف في منع أن في خبر كاد وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا
فإنه من تغييرات الرواة لأنه ص -

أفصح من نطق بالضاد

انتهى كلام السيوطي
وحديث كاد الفقر أن يكون كفرا
ضعيف قال بعض المحدثين أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر
وفي لفظ أن يسبق القدر
وفي سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف وله شواهد ضعيفة

فروع لها تعلق بالرواية بالمعنى

الفرع الأول للعلماء في اختصار الحديث وهو حذف بعضه والاقتصار في الرواية على بعضه أقوال
القول الأول المنع من ذلك مطلقا بناء على المنع من الرواية بالمعنى لأن حذف بعض الحديث ورواية بعضه ربما أحدث الخلل فيه والمختصر لا يشعر
قال عتبة قلت لابن المبارك علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث فينقلب معناه قال فقال لي أوفطنت له
وروى يعقوب بن شيبة عن مالك أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقال أشهب سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد قال ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيها وينقص منها وما كان من قول غير رسول

الله ص - فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا
وكان عبد الملك بن عمير وغيره لا يجيزون أن يحذف منه حرف واحد فإن كان لشك فهو سائغ كان مالك يفعله كثيرا
القول الثاني الجواز مطلقا وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل حذفه بالمعنى كالاستثناء والشرط فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف وهو ظاهر
القول الثالث أنه إن لم يكن رواه التمام قبل ذلك هو أو غيره لم يجز وإن كان قد رواه على التمام قبل ذلك هو أو غيره جاز
القول الرابع أنه يجوز ذلك للعالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه
وهذا ينبغي أن يجوز حتى عند من لم يجز الرواية بالمعنى لأن المحذوف والمروي حينئذ يكونان بمنزلة خبرين منفصلين وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح
ولا فرق

في هذا بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أولا
ومحل جواز روايته مختصرا ما إذا كان الراوي رفيع المنزلة مشهورا بالضبط والإتقان بحيث لا يظن به زيادة ما لم يسمعه أو نقصان ما سمعه بخلاف من ليس كذلك
قال الخطيب إن من روى حديثا على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه
وقال سليم الرازي إن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها
قال ابن الصلاح من هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فتضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه
وممن ذهب إلى جواز اختصار الحديث مسلم وقد أشار إلى ذلك في مقدمة صحيحه حيث قال
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي

موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقول مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته

فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم
فأما ما وجدناه بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
قال بعض الشراح عند قوله أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث هذه مسألة اختلف العلماء فيها وهي رواية بعض الحديث فمنهم من منعه مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم وإن جازت الرواية بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا وجوزه جماعة مطلقا ونسبه القاضي عياض إلى مسلم
والصحيح الذي ذهب إليه الجمهور والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والأصول التفصيل وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا وسواء رواه قبل تاما أم لا
هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة فأما من رواه تاما ثم خاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة أولا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا فلا يجوز النقصان ثانيا ولا ابتداء إن كان قد تعين عليه أداؤه
وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الأبواب فهو بالجواز أولى بل يبعد طرد الخلاف فيه وقد استمر عليه علم الأئمة الحفاظ الجلة من المحدثين وغيرهم من أصناف العلماء
وهذا معنى قول مسلم أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن
وقوله إذا أمكن يعني إذا وجد الشرط الذي ذكرناه على مذهب الجمهور من التفصيل
وقوله ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا

ضاق ذلك أسلم
يعني ما ذكرنا وهو أنه لا يفصل إلا ما ليس مرتبطا بالباقي وقد يعسر هذا في بعض الأحاديث فيكون كله مرتبطا بالباقي أو يشك في ارتباطه ففي هذه الحالة يتعين ذكره بتمامه وهيئته لكون أسلم مخافة من الخطأ والزلل والله أعلم
وقد تعرض ابن الصلاح في مبحث اختصار الحديث لحكم تقطيعه فقال وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم
وممن نسب إليه فعل ذلك أحمد وأبو داود والنسائي وقد أشكل نسبة ذلك إلى مالك وأحمد
أما مالك فلما نقل أشهب عنه أنه كان يكره النقص من الحديث وقد ذكرنا عبارته بلفظها قريبا وأما أحمد فلما نقل الخلال عنه أنه قال إنه ينبغي أن لا يفعل
وقد يجاب عن ذلك بأنهما ربما كانا يفرقان بين الرواية وغيرها فيمنعان ذلك في حال الرواية ويجيزانه في حال الاستشهاد لا سيما إن كان المعنى المستنبط من القطعة التي يراد الاستشهاد بها مما يدق على الأفكار فإن إيرادها وحدها أقرب إلى الفهم وأبعد من الوهم
واختار بعض المحققين التفصيل في هذه المسألة فقال إن حصل القطع بأن المحذوف لا يخل بالباقي فلا كراهة في ذلك وإن لم يحصل ذلك فلا يخلو الأمر من كراهة إلا أن درجاتها تختلف باختلاف حاله في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه
وقد تباعد مسلم عن ذلك فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام أورد كل حديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه
الفرع الثاني إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله أو نحوه فهل للراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق

لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول في ذلك ثلاثة أقوال
أحدها المنع وهو قول شعبة فقد روي عنه أنه قال فلان عن فلان مثله لا يجزئ وروي عنه أنه قال قول الراوي نحوه شك
والثاني جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف منه ذلك لم يجز وهو قول سفيان الثوري
الثالث جواز ذلك في قوله مثله وعدم جواز ذلك في قوله نحوه وهو قول يحيى بن معين وعلى هذا يدل كلام الحاكم حيث يقول إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل له أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه
وهذا على مذهب من لا يجيز الرواية بالمعنى فأما على مذهب من يجيزها فلا فرق بين مثله ونحوه
وكان غير واحد من أهل العلم إذا أراد رواية مثل هذا يورد الإسناد الثاني ثم يقول مثل حديث قبله متنه كذا ثم يسوقه وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه
وإذا ذكر المحدث إسناد الحديث وطرفا من المتن وأشار إلى بقيته بقوله الحديث أو وذكر الحديث ونحو ذلك فليس للراوي عنه أن يروي الحديث عنه بكماله بل يقتصر على ما سمع منه وهذا أولى بالمنع من المسألة التي قبلها لأن المسألة التي قبلها قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر وفي هذه الصورة لم يسبق إلا هذا القدر من الحديث
وسأل بعض المحدثين الأستاذ المقدم في الفقه والأصول أبا إسحاق الإسفرائيني عن ذلك فقال لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل
وسأل البرقاني الفقيه الحافظ أبا بكر الإسماعيلي عمن قرأ إسناد حديث على

الشيخ ثم قال وذكر الحديث فهل يجوز أن يحدث بجميع الحديث فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجور ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان
والطريقة المثلى أن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه فيقول قال وذلك الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره
وهذا الفرع مما تشتد إلى معرفته حاجة المعتنين بصحيح مسلم لكثرة تكرر مثله ونحوه ونحو ذلك فيه
الفرع الثالث قال ابن الصلاح إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان قال أو قالا أخبرنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات
ولمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له
فأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في المعنى قالا أخبرنا فلان
فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وقول أبي داود صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة قالا حدثنا أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا حدثنا أبان

وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أورده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل أن يجوز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وهو على موافقتهما من حيث المعنى فأخبر بذلك والله أعلم
هذا وما ذكره ابن الصلاح من أن إعادة مسلم لذلك أحد الراويين خاصة يشعر بأن اللفظ المذكور له هو الظاهر المتبادر إلى الذهن مع احتمال أن تكون الإعادة لمجرد بيان أن الراوي الذي أعيد ذكر اسمه ثانيا قد صرح بالتحديث دون الراوي الذي لم يعد ذكر اسمه فينبغي الانتباه لذلك
وقد استبعد بعضهم ما ذكره ابن الصلاح من أن قول أبي داود حدثنا مسدد وأو توبة المعنى قالا حدثنا الأحوص فيه احتمال لئلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وذلك لأنه يدل على أن المأتي به حينئذ هو لفظ ثالث غير لفظي من روى عنهما مع أن الغالب المعروف في مثل ذلك أن المحدث لا بد أن يورد الحديث بلفظ مروي له برواية واحدة والباقي بمعناه
وقال بعضهم هذا أمر غير مستبعد وقصارى الأمر فيه أن يكون ملفقا منهما والتلفيق قد جرى عليه كثير من المحدثين
ومنه نوع قد ذكره القوم في آخر مبحث صفة الرواية كما ذكروا الرواية بالمعنى في أثنائه ولنورد ذلك لمناسبته لما نحن فيه فنقول قالوا وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه وعزاه جملة إليهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر من غير تمييز لما سمعه من كل شيخ من الآخر جاز

ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري فإنه قال حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قال وكل قد حدثني طائفة من حديثها ودخل حديث بعضهم في بعض وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض فذكر الحديث
وما من شيء من ذلك الحديث المروي على تلك الصفة إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على الإبهام حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء من ذلك الحديث لأنه ما قطعه منه إلا ويجوز أن تكون عن ذلك الراوي المجروح ولا يجوز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالإفصاح
وكثيرا ما يستعمل التلفيق أرباب المغازي والسير
وقد انتقدوا التلفيق على الزهري وهو أول من فعل ذلك فقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر والأمر فيه سهل إذا كان الكل ثقات
وأما ما عيب به البخاري فليس بعيب عند الجمهور الذي يجيز الرواية بالمعنى هذا عبد الله بن وهب لم يتأخر البخاري ولا غيره من الأئمة عن التخريج له مع كونه كان يفعل ذلك وأما حماد فإن البخاري لم يترك الاحتجاج به لكونه كان يفعل ذلك بل لكونه قد ساء حفظه ولذا لم يخرج له في الأصول واقتصر مسلم فيما قاله الحاكم على روايته عن ثابت مع أنه كان من الأئمة الأثبات الموصوفين بأنهم بلغوا درجة الأبدال فتفريق البخاري بينه وبين ابن وهب إنما يرجع لما يتعلق بالإتقان والحفظ فإن ابن وهب كان أشد إتقانا لما يرويه وأحفظ
وما قيل من أن البخاري كان لا يعرج على البيان ولا يلتفت إليه هو مبني على الغالب وإلا فقد عرج على البيان في بعض الأحيان كقوله في تفسير البقرة حدثنا يوسف بن راشد حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير فذكر حديثا
وفي الصيد والذبائح حدثنا يوسف بن راشد أخبرنا وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد
وقد رأيت هنا أن أستطرد لأربع مسائل

المسألة الأولى قد ذكرنا فيما سبق أنه قد ثبت ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم فيما يتعلق بأمر الصحة وأما ما يتعلق بغير ذلك فربما كان في صحيح مسلم ما يرجح به على صحيح البخاري وقد عرفت في هذا الفرع أن من روى عن اثنين فأكثر وكان بين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد فله أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما غير أن الأولى في ذلك أن يعين صاحب اللفظ الذي اقتصر عليه وأن مسلما التزم ذلك بخلاف البخاري فإنه جرى على خلاف الأولى في ذلك في أكثر المواضع
وقد ذكر بعض المعتنين بصحيح مسلم شيئا من هذا القبيل فأحببت إيراده
1 - فمن ذلك كونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به وجمع فيه طرقه وأورد أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فصار استخراج الحديث منه ومعرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة سهلا
بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجه المختلفة في أبواب متفرقة وكثير منها يذكره في غير الباب الذي يتبادر إلى الذهن أنه أولى به لأمر ما قصده البخاري فصار استخراج الحديث منه فضلا عن معرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة صعبا حتى إن كثيرا من الحفاظ المتأخرين قد نفوا رواية البخاري لأحاديث هي فيه

حيث لم يجدوها في مظانها
2 - ومن ذلك اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه في روايته وكان من مذهبه الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما قرئ على الشيخ وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق وروي هذا المذهب عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث
وذهبت جماعة إلى أنه يجوز أن يقال فيما قرئ على الشيخ حدثنا وأخبرنا وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين
وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ولا أخبرنا في القراءة ويقال إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم
قال بعض الحفاظ أجود العبارات في القراءة على الشيخ أن يقال قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به
ويتلو ذلك أن يقال حدثنا فلان قراءة عليه وأخبرنا قراءة عليه
3 - ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة في الحديث كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان
وقد يكون الاختلاف في حرف
ثم إن الاختلاف في اللفظ قد يكون مما يتغير به المعنى وقد يكون مما لا يتغير به المعنى
وما يتغير به المعنى قد يكون التغير فيه خفيا بحيث لا ينتبه له إلا الجهبذ النحرير
وقد التزم البيان في جميع ذلك بقدر الإمكان
4 - ومن ذلك تحريه في مثل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا

سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
فلم يستجز رضي الله عنه أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكونه لم يقع في روايته منسوبا فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبته مع أنه لم يخبره بها
وهذا مما يشاركه فيه البخاري كما يظهر من قول بعض أهل الأثر ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا على شيخه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وإزالة اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثني فلان يعني ابن فلان أو الفلاني أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة
وقد أكثر البخاري ومسلم منه في الصحيحين غاية الإكثار حتى إن كثيرا من أسانيدهما يقع في الإسناد الواحد منها موضعان أو أكثر من هذا الضرب كقوله في أول كتاب البخاري في باب من سلم المسلمون من لسانه ويده قال أبو معاوية حدثنا داود هو ابن أبي هند عن عامر قال سمعت عبد الله هو ابن عمرو
وكقوله في كتاب مسلم في باب منع النساء من الخروج إلى المساجد حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
ونظائره كثيرة

وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أولا فإنه لو قال حدثنا داود أو عبد الله لم يعرف من هو لكثرة المشاركين في هذا الاسم ولا يعرف ذلك في بعض المواطن إلا الخواص والعارفون بهذه الصفة وبمراتب الرجال فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش
وهذا الفصل نفيس يعظم الانتفاع به فإن من لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعني وقوله هو زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها
وهذا جهل قبيح والله أعلم
5 - ومن ذلك سلوكه الطريقة المثلى في رواية صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فذكر أحاديث منها قال رسول الله ص

- إذا توضأ أحدكم فليستنشق الحديث
ووجه ذلك يظهر مما ذكره ابن الصلاح حيث قال النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط
ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو في كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب الأكثر
وإذا أراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز ذلك عند الأكثرين منهم وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي وهذا لأن الجميع معطوف على الأول

فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور ورآه تدليسا وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني الفقيه الصولي عن ذلك فقال لا يجوز
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن الحديث

وهكذا فعل كثير من المؤلفين والله أعلم
واعلم أنه لا يظهر وجه لقول من منع إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور إلا أن يقال إن باب الرواية مبين على الاتباع وهو لم يرو على هذا الوجه من التفريق فيكون ذلك من قبيل الابتداع وهو بعيد
وأما البخاري فإنه سلك طريقا آخر وهو أنه يقدم أول حديث من الصحيفة المذكورة وهو حديث نحو الآخرون السابقون
ثم يعطف عليه الحديث الذي يريد إيراده وطريق مسلم أوضح ولذا قل من اطلع على مقصد البخاري في ذلك وقد حمل ذلك بعضهم على أن يبحثوا على وجه المطابقة بين الحديث الأول والترجمة فلم يأتوا بما فيه طائل
على أن البخاري لم يطرد عمله في ذلك فإنه أورد في كثير من المواضع بعضا من الأحاديث الواقعة في الصحيفة المذكورة ولم يصدر شيئا منها بالحديث المشار إليه

وهذا الحديث هو أول حديث في صحيفة شعيب أيضا ويشير إلى ذلك قول البخاري في باب لا تبولوا في الماء الراكد
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول نحن الآخرون السابقون وبإسناده قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم

وهاتان الصحيفتان قل أن يوجد في إحداهما حديث إلا وهو في الأخرى
6 - ومن ذلك اعتناؤه في إيراد الطرق وتحويل الأسانيد بإيجاز العبارة مع حسن البيان
7 - ومن ذلك ترتيبه للأحاديث على نسق يشعر بكمال معرفته بدقائق هذا العلم ووقوفه على أسراره وهو أمر لا يشعر به إلا من أمعن النظر في كتابه مع معرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كأصول الدين وأصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه ونحو أصول الفقه الفقه وعلوم العربية وأسماء الرجال ودقائق علم الإسناد والتاريخ مع الذكاء المفرط وجودة الفكر ومداومة الاشتغال به ومذاكرة المشتغلين به متحريا للإنصاف قاصدا للاستفادة والإفادة

وقد أشار بعض العلماء إلى الوجوه التي ظهرت له في ترجيح صحيح مسلم فقال والذي يظهر لي من كلام أبي علي أنه إنما قدم صحيح مسلم لمعنى آخر غير ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل ذلك لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق بخلاف البخاري فإنه ربما كتب الحديث من حفظه ولم يميز ألفاظ رواته ولهذا ربما يعرض له الشك وقد صح عنه أنه قال رب حديث سمعنه بالبصرة فكتبته بالشام
ولم يتصد لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام ليبوب عليها حتى لزم من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه بل جمع مسلم الطرق كلها في مكان واحد واقتصر على الأحاديث دون الموقوفات فلم يعرج عليها إلا في بعض المواضع على سبيل الندرة تبعا لا مقصودا فلهذا قال أبو علي ما قال مع أني رأيت بعض أئمتنا يجوز أن يكون أبو علي ما رأى صحيح البخاري وعندي في ذلك بعد والأقرب ما ذكرته وأبو علي المذكور هو أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم وقد نقل عنه ابن مندة أنه قال ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
وقال بعض شراح كتاب البخاري بعد أن بين رجحانه على ما سواه من كتب الحديث من جهة الصحة وأكثر ما فضل به كتاب مسلم عليه أنه يجمع المتون في موضع واحد ولا يفرقها في الأبواب ويسوقها تامة ولا يقطعها في التراجم ويحافظ على الإتيان بألفاظها ولا يروي بالمعنى ويفردها ولا يخلط معها شيئا من أقوال الصحابة ومن بعدهم
وقد ذكرنا ذلك فيما سبق
المسألة الثانية جرت عادة كتبة الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق

فمن ذلك حدثنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على ثنا وهي الثاء والنون والألف وقد يحذفون الثاء ويقتصرون على الضمير وحده وهو نا
ومن ذلك أخبرنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على أنا
وقد التزموا في الغالب تحريف الألف الأخيرة منهما إلى جهة اليمين ليحصل التمييز بينها وبين ما يشابهها في الصورة مما ليس برمز وقد يزيد بعضهم الراء فتصير أرنا وكأن الذي زادها خشي أن يظن أنها مختصرة من أنبأنا وإن جرت عادتهم بعدم اختصارها كما يشاهد فيما لا يحصى من الكتب
ومن ذلك قال ونحو فقد جرت العادة بحذفه فيما بين رجال الإسناد خطا وذكره حال القراءة لفظا مثال ذلك قول البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي فإن الكاتب يحذف أحدهما وأما القارئ فإنه ينبغي له أن يلفظ بهما معا
ولو لم يلفظ القارئ بما تركه الكاتب يكون مخطئا غير أن هذا الخطأ لا يؤثر في صحة السماع فقد قال بعض الحفاظ إن الظاهر أن السماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من قبيل الحذف لدلالة الحال عليه
ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في الإسناد قرئ على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له أخبرك فلان
وقد وقع في بعض ذلك قرئ على فلان حدثنا فلان فينبغي أن يقال فيه قرئ على فلان قال حدثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطا في بعض الكتب ويصح في الصورة الثانية أن يقال قرئ على فلان قيل له قلت حدثنا فلان إلا أن ما ذكر من قبل أخصر
ومن عرف اللغة العربية لم يعسر عليه أن يأتي في كل موضع بما يقتضيه
ومن ذلك أنه قد جرت العادة بحذفه في الخط دون اللفظ وذلك كقول البخاري حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون
والأصح أنه سمع
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر وأرادوا أن يجمعوا بينهما فقد جرت عادة أهل الحديث إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد أن يكتبوا بينهما ح
وهي حاء مفردة مهلمة وهي مأخوذة من التحول إشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد آخر

وقد توهم بعض الناس أنها خاء معجمة إشارة إلى أنه إسناد آخر أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد
وسبب ذلك أن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء وأول من تكلم عنها ابن الصلاح
واختار بعض الحفاظ كونها مأخوذة من حائل لكونها حائلة بين الإسنادين وأنه لا يتلفظ بها وأنكر ما قاله بعضهم من كونها مأخوذة من لفظ الحديث وكان إذا وصل إليها يقول الحديث وكأن هذا الإنكار مبني على كون الحديث لم يذكر
وهذه الحاء الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد هي في صحيح مسلم أكثر منها في صحيح البخاري
واختار ابن الصلاح أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها حا ويستمر في قراءة ما بعدها وهو أحوط الوجوه وأعدلها وعلى ذلك جرى جل أهل الحديث
وقد كتب بعض الحفاظ في موضعها عوضا منها صح
وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا
المسألة الثالثة علم الحديث علم عظيم الشأن يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم فمن عزم على طلبه فليقدم إخلاص النية وليسأل الله أن يوفقه ويعينه عليه فإذا أخذ فيه فليجد في الطب وليحرص على التحصيل ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز

وقال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم
وقال الشافعي لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيف العيش وخدمة العلماء أفلح
وليبدأ بشيوخ بلده وينبغي أن يتخير المشهور منهم بطلب الحديث المشار إليه

بالإتقان له والمعرفة به وليأخذ المهم مما عندهم فقال قال أبو عبيدة من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم
فإذا فرغ من ذلك فليرحل إلى غيره من البلاد إن ظهر له أن في ذلك فائدة فإن المقصود بالرحلة أمران أحدهما تحصيل علو الإسناد
والثاني لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة منهم فإذا كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة بالنظر إلى ما يقصده
وإذا كانا موجودين في بلد الطالب وفي غيره استحبت له الرحلة ليجمع الفائدتين من علو الإسنادين وعلم الطائفتين
وسأل عبد الله بن أحمد أباه هل ترى لطالب العلم أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع فيها فقال يرحل فيكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم
والأصل في الرحلة ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لم اسمعه فابتعت بعيرا فشددت عليه رجلي وسرت شهرا حتى قدمت الشام فأتيت

عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فأتاه فقال له جابر بن عبد الله فأتاني فقال لي فقلت نعم فرجع فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى لقيني فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم - في القصاص ولم أسمعه فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه

فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس

معهم شيء ثم يناديهم ربهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا كيف وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات
ورحلة موسى إلى الخضير معروفة وهي مذكورة على طريق التفصيل في الصحيح
ويكفي في أمر الرحلة قوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
ولم يزل السلف والخلف من الأئمة يعتنون بالرحلة قال سعيد بن المسيب إن كنت لأغيب الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد
وقال الشعبي في مسألة كان يرحل فيما دونها إلى المدينة
وقال ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه
وقال أبو العالية كنا نسمع عن الصحابة فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم
وليجل شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال العلم ولا يثقل عليه ولا يضجره فإن ذلك يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع
ومن فعل ذلك فإنه يخشى عليه أن يحرم الانتفاع
ولا يكن ممن يمنعه الحياء أو الكبر عن كثير من الاستفادة والاستزادة فقد قال مجاهد لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر
وقال وكيع لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه

وليحذر من كتمان شيء لينفرد به عن أضرابه فإن ذلك لؤم لا يصدر إلا من جهلة الطلبة الموصوفين بضعة النفس وفاعل ذلك جدير بأن لا ينتفع به
قال إسحاق بن راهويه قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فوالله ما أفلحوا ولا نجحوا
وقال ابن عباس إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فإن خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله
وقد روي عن بعض الأئمة أنهم فعلوا ذلك وهو محمول على كتم ذلك عمن لم يروه أهلا لا سيما إن كان ممن يحمله فرط التيه والإعجاب على المحاماة عن الخطأ والمماراة في الصواب
فال الخليل بن أحمد لأبي عبيدة معمر بن المثنى لا تردن على معجب خطأ فيستفيد منك علما ويتخذك به عدوا
ولا يقتصر على سماع الحديث وكتابته دون معرفته وفهمه فيكون ممن أتعب نفسه بدون أن يظفر بطائل قال الخطيب ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه إلا تلقيب المعتزلة القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية لوجب على الطالب الأنفة لنفسه ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه
وما أحسن قول القائل
( إن الذي يروي ولكنه ... يجهل ما يروي وما يكتب )
( كصخرة تنبع أمواهها ... تسقي الأرض وهي لا تشرب )
وليقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهل الحديث وأحسن كتاب ألف في ذلك كتاب الحافظ أبي عمرو عثمان المعروف بابن الصلاح قال مؤلفه في آخر النوع الثامن والعشرين في معرفة آداب طالب الحديث ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم

ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به
وقد صار معول كل من جاء بعده
وقد جمع كثير من العلماء نكتا عليه تتضمن إما تقييد مطلق أو إيضاح مغلق أو غير ذلك من فائدة مهمة فينبغي للمعنيين بهذا الأمر الوقوف عليها وتوجيه النظر إليها
ثم ليبدأ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المساند وأهمها مسند أحمد ومن كتب الجوامع المصنفة في الأحكام والمقدم منها هو موطأ مالك ومن كتب علل الحديث ومن أجودها كتاب العلل عن أحمد وكتاب العلل عن الدارقطني ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين ومن أفضلها تاريخ البخاري الكبير وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
وقد اقتفى فيه أثر البخاري ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء ومن أكملها كتاب الإكمال لأبي نصر بن ماكولا
ولا يجهد نفسه في الطلب ولا يحملها ما لا تطيق ففي الحديث الصحيح خذوا من الأعمال ما تطيقون
وقال الزهري من طلب العلم جملة فاته جملة
وقال إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به
ولا يغفل عن المذاكرة فإن لها نفعا جزيلا قال علي بن أبي طالب تذاكروا هذا الحديث وإلا تفعلوا يدرس
وقال عبد الله بن مسعود تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته
وقال إبراهيم النخعي من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه
وقال الخليل بن أحمد ذاكر بعلمك تذكر ما عندك وتستفد ما ليس عندك
وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك فقد قال بعض العلماء قلما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه وألف متشتته وضم بعضه إلى بعض واشتغل

بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط اللسان ويجيد البيان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكسب أيضا جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر كما قال الشاعر
( يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أمواتا بأموات )
والتأليف أعم من التخريج والتصنيف والانتقاء إذا التأليف مطلق الضم
والتخريج إخراج المحدث الأحاديث من الكتب وسوقها بروايته أو رواية بعض شيوخه أو نحو ذلك والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين وقد يطلق على مجرد الإخراج والعزو
والتصنيف جعل كل صنف على حدة وقد يطلق على مجرد الضم
والانتقاء إخراج ما يحتاج إليه من الكتب
وللعلماء في تصنيف الحديث وجمعه طريقان إحداهما التصنيف على الأبواب وهو تخريجه على أحكما الفقه وغيره وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع في باب بحيث يتميز ما يتعلق بالصلاة مثلا عما يتعلق بالصيام
وأهل هذه الطريقة منهم من اقتصر على إيراد ما صح فقط كالشيخين ومنهم من لم يقتصر على ذلك كأبي داود والترمذي والنسائي
الثانية التصنيف على المساند وهو أن يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه سواء كان صحيحا أو غير صحيح ويجعله على حدة وإن اختلفت أنواعه
وأهل هذه الطريقة
منهم من رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم كالطبراني في المعجم الكبير والضياء المقدسي في المختارة التي لم تكمل
وهذا أسهل تناولا
ومنهم من رتبها على القبائل فقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في النسب

ومنهم من رتبها على السبق في الإسلام فقدم العشرة ثم أهل بدر ثم أهل

الحديبية ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ثم من أسلم يوم الفتح ثم أصاغر الصحابة سنا كالسائب بن يزيد وأبي الطفيل وختم بالنساء
وقد سلك ابن حبان في صحيحه طريقة ثالثة فرتبه على خمسة أقسام وهي الأوامر والنواهي والأخبار عما احتيج إلى معرفته كبدء الوحي والإسراء وما فضل به نبينا على سائر الأنبياء والإباحات وأفعال النبي عليه الصلاة و السلام مما اختص به
ونوع كل واحد من هذه الخمسة إلى أنواع
ولقد أغرب في ذلك كما أغرب بعض المحدثين في بيان سبب إغرابه حيث قال صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المساند ولهذا سماه التقاسيم والأنواع وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنجوم والفلسفة ولهذا تلكم فيه ونسب إلى الزندقة وكادوا يحكمون بقتله ثم نفي من سجستان إلى سمرقند
والكشف من كتابه عسير جدا
وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زائده على الصحيحين في مجلد
ولهم في جمع الحديث طرق أخرى منها جمعه على حروف المعجم فيجعل مثلا حديث إنما الأعمال بالنيات في حرف الألف
وقد جرى على ذلك أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس وابن طاهر في أحاديث كتاب الكامل لابن عدي
ومنها جمعه على الأطراف وذلك بأن يذكر طرف الحديث ثم يجمع أسانيده إما مع عدم التقيد بكتب مخصوصة أو مع التقيد بها وذلك مثل ما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت العراقي في أطراف الكتب الخمسة والمزي في أطراف الكتب الستة وابن حجر في أطراف الكتب العشرة
ومن أعلى المراتب في تصنيف الحديث تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث وبها يظهر إرسال ما يكون متصلا أو وقف ما يكون مرفوعا وغير ذلك من الأمور المهمة

وقال البخاري في صحيحه باب إذا أعتق عبدا مشتركا بين اثنين أو أمة بين الشركاء حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن

والذين صنفوا في العلل
منهم من رتب كتابه على الأبواب كابن أبي حاتم وهو أحسن لسهولة تناوله
ومنهم من رتب كتابه على المساند كالحافظ الكبير الفقيه المالكي يعقوب بن شيبة البصري نزيل بغداد أخذ عن أحمد وابن المديني وابن معين وتوفي في سنة اثنتين وستين ومئتين فإنه ألف مسندا معللا غير أنه لم يتم ولو تم لكان في نحو مئتي مجلد
والذي تم منه هو مسند العشرة والعباس وابن مسعود وعتبة بن غزوان وبعض الموالي وعمار
ويقال إن مسند علي منه في خمس مجلدات ويقال إنه كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين الذي يبيضون المسند ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار
قال بعض المشايخ إنه لم يتم مسند معلل قط
هذا وقد جرت عادة أهل الحديث أن يفردوا بالجمع والتأليف بعض الأبواب والشيوخ والتراجم والطرق
أما الأبواب فقد أفرد بعض الأئمة بعضها بالتصنيف وذلك كباب رفع اليدين فقد أفرده البخاري بالتصنيف وكذلك باب القراءة خلف الإمام وكباب القضاء باليمين مع الشاهد فقد أفرده الدارقطني بالتصنيف وكباب القنوت فقد أفرده ابن مندة بالتصنيف وكباب البسملة فقد أفرده ابن عبد البر وغيره بذلك وغير ذلك
وأما الشيوخ فقد جمع بعض العلماء حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده فجمع الإسماعيلي حديث الأعمش وجمع النسائي حديث الفضيل بن عياض وجمع غيرهما غير ذلك
وأما التراجم فقد جمعوا ما جاء بترجمة واحدة من الحديث كمالك عن نافع عن ابن عمر وكسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وكهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ونحو ذلك

وأما الطرق فقد جمعوا طرق بعض الأحاديث وذلك كحديث قبض العلم
فقد جمع طرقه الطوسي وحديث من كذب علي متعمدا
فقد جمع طرقه بعض المحدثين وغير ذلك
المسألة الرابعة قد ذكرنا فيما سبق أن طالب علم الحديث ينبغي له أن يقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهله ثم يبتدئ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة طالب علم الحديث إليه ومن كتب المساند وكتب الجوامع المصنفة في الأحكام وكتب علل الحديث وكتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين وذكرنا ما يتعلق بالصحيحين على وجه يشرف الناظر فيه على حقيقة أمرهما ويعرف أن لصاحبيهما من الفضل ما لا يقدر قدرة إلا من عرف مقدار عنائهما فيما تصديا له وعنايتهما بإفادة الناس
وقد أحببنا أن ننبه الطالب هنا على أمور ينبغي له أن يقف عليها قبل الشروع فيها ليأخذ للأمر عدته من قبل فعسى أن يصبح بذلك عما قريب معدودا من ذوي الإتقان بل الإيقان عند أهل هذا الشأن
الأمر الأول قد قسم العلماء الحديث الصحيح باعتبار تفاوت درجاته في القوة إلى سبعة أقسام وفائدة هذا التقسيم تظهر عند التعارض والاضطرار إلى الترجيح
القسم الأول ما أحرجه البخاري ومسلم
القسم الثاني ما انفرد به البخاري عن مسلم
القسم الثالث ما انفرد به مسلم عن البخاري
القسم الرابع ما هو على شرطهما ولكن لم يخرجه واحد منهما

القسم الخامس ما هو على شرط البخاري ولكن لم يخرجه
القسم السادس ما هو على شرط مسلم ولكن لم يخرجه
القسم السابع ما ليس على شرطهما ولا شرط واحد منهما ولكنه صح عند أئمة الحديث
وكل قسم من هذه الأقسام يحكم له بالرجحان على ما بعده وهذا الحكم إنما يؤخذ به في الجملة ولذا قال إنه يسوغ أن يحكم برجحان حديث على حديث آخر يكون من القسم الذي هو أعلى منه في الدرجة إذا وجد له من زيادة التمكن من شروط الصحة ما يجعله أرجح منه وعلى ذلك فيرجح ما انفرد به مسلم إذا روي من طرق مختلفة على ما انفرد به البخاري إذا لم يرو إلا من طريق واحدة ويرجح ما أخرجه غيرهما إذا ورد بإسناد يقال فيه إنه أصح إسنادا على ما أخرجه أحدهما لا سيما إن كان في إسناده من فيه مقال
وقال بعض الحفاظ مؤيدا لذلك قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا وذلك كأن يتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث غريب ويخرج مسلم أو غيره حديثا مشهورا أو مما وصفت ترجمته بكونها أصح الأسانيد وبذلك يعلم أن مرادهم بترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم إنما هو ترجيح الجملة على الجملة لا ترجيح كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر
وهنا أمر ينبغي الانتباه له وهو أن بعض العلماء يظنون أن صاحبي الصحيحين يكتفيان في التصحيح بمجرد النظر إلى حال الراوي في العدالة والضبط وعدم الإرسال من يغر نظر إلى غير ذلك وليس الأمر كما يظنون بل ينظرون مع ذلك إلى حال من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها أو كونه من بلده ممارسا لحديثه أو غريبا عن بلد من أخذ عنه إلى غير ذلك من الأمور المهمة الغامضة التي لا يشعر بها إلا من أمعن النظر فيها مع البراعة في الحديث وأصوله
وقد أشار إلى ذلك بعض الحفاظ حيث قال مجيبا لمن سأله عن شرط البخاري

ومسلم لهذا رجال يروي عنهم يختص بهم ولهذا رجال يروي عنهم يختص بهم وهما مشتركان في رجال آخرين وهؤلاء الذين اتفقا عليهم عليهم مدار الحديث المتفق عليه وقد يروي أحدهم عن رجل في المتابعات والشواهد دون الأصل وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره ولا يروي ما انفرد به وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه فيظن من لا خبرة له أن لك ما رواه ذلك الشخص يحتج به أرباب الصحيح وليس الأمر كذلك
وعلم علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفن كيحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح والدارقطني وغيرهم وهي علوم يعرفها أصحابها
الأمر الثاني قد عرفت أن الخبر إن كان متواترا أفاد العلم قطعا وإن كان غير متواتر بل كان خبر آحاد لم يفد العلم قطعا غير أن في أخبار الآحاد ما يروى على وجه تسكن إليه النفس بحيث يفيد غلبة الظن وهي قد تسمى علما
وذهب بعض العلماء إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا لتلقي الأمة لهما بالقبول
وأنكر الجمهور ذلك وقالوا إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعا ولو كانت مخرجة في الصحيحين أو أحدهما وتلقي الأمة لهما بالقبول إنما يفيد وجوب العمل بما فيهما بناء على أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب على الظن صدقه ولا يفيد أن ما فيهما ثابت في نفس الأمر قطعا
وذلك كالقاضي فإنه مأمور بالحكم بشهادة من كان عدلا في الظاهر وكونه مأمورا بذلك لا يدل على أن شهادة العدل لا بد أن تكون مطابقة للواقع وثابتة في نفس الأمر لاحتمال أن يكون قد شهد بخلاف الواقع إما لوهم وقع له إذا كان

عدلا في نفس الأمر أو لكذب لم يتحرج منه إذا كان عدلا فيما يبدو للناس فقط والقاضي على كل حال قد قام بما وجب عليه
وقد استثنى من ذهب إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا بعض الأحاديث من ذلك وهي الأحاديث التي تكلم فيها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره
قال وهي معروفة عند أهل هذا الشأن
فإذا عرفت هذا ظهر لك أنه يجب على من أراد أن يعرف الصحيحين على وجه الإتقان أن يعرف هذه الأحاديث التي انتقدت وينظر فيما أورد عليها فما لم يجد عنه جوابا سديدا غادره في المستثنى وما وجد عنه جوابا سديدا أخرجه منه وحكم له بالصحة إما في الظاهر والباطن إن كان ممن يأخذ بهذا المذهب أو في الظاهر فقط إن كان ممن يأخذ بمذهب الجمهور
وقد قسموا الأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام
القسم الأول ما تختلف الرواية فيه بالزيادة أو النقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وأعل المنتقد ذلك بالطريق الناقصة ينظر فإن كان الراوي قد سمعه فالزيادة لا تضر لأنه يكون قد سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وأعل المنتقد ذلك بالطريق المزيدة ينظر فإن كان ذلك الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس فقد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع من طريق أخرى إن كان مدلسا اندفع الاعتراض وثبت عدم الانقطاع فيما صححه صاحب الصحيح وإلا ثبت الانقطاع وحينئذ يجاب أن صاحب الصحيح إنما يخرج مثل ذلك إذا كان له متابع وعاضد وحفته قرينة تقويه فيكون التصحيح قد وقع من حيث المجموع

وقد وقع في البخاري ومسلم من ذلك حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين وإن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله
قال الدارقطني خالف منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس
وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس
وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس
وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة
قال الحافظ ابن حجر وهذا في التحقيق ليس بعلة لأن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ولم يستوعب الدارقطني انتقاده
القسم الثاني ما تختلف الرواة فيه بتغيير بعض الإسناد فإن أمكن الجمع ولم يقتصر صاحب الصحيح على أحد الوجهين أو الأوجه لكون المختلفين متعادلين في الحفظ ونحوه لم يكن في ذلك شيء وذلك كما في حديث البخاري في بدء الخلق من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصور جميعا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم -

في غار فنزلت والمرسلات

قال الدارقطني لم يتابع إسرائيل عن الأعمش عن علقمة أما عن منصور فتابعه شيبان عنه
وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم عنه
وقد حكى البخاري الخلاف في ذلك
وإن لم يمكن الجمع وكان المختلفون متفاوتين في الحفظ ونحوه فإذا أخرج صاحب الصحيح الطريق الراجحة وأعرض عن غيرها أو أشار إليها لم يكن في ذلك شيء أيضا فإن مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف
وفي البخاري من هذا حديث الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان يجمع بين قتلى أحد ويقدم أقرأهم

قال الدارقطني رواه ابن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري مرسلا ورواه معمر عن الزهري عن أبي صعير عن جابر
ورواه سليمان بن كثير عن الزهري حدثني من سمع جابرا وهو حديث مضطرب
قال الحافظ ابن حجر أطلق الدارقطني القول بأنه مضطرب مع إمكان نفي الاضطراب عنه بأن يفسر المبهم بالذي في رواية الليث وتحمل رواية معمر على أنه سمعه من شيخين
وأما رواية الأوزاعي المرسلة فقصر فيها بحذف الواسطة
فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه وقد ساق البخاري ذكر الخلاف فيه وإنما أخرج رواية الأوزاعي مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن الليث والأوزاعي جميعا عن الزهري فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب وأثبته الليث وهما في الزهري سواء وقد صرحا بسماعهما له منه فقبل زيادة الليث لثقته ثم قال بعد ذلك ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عمن سمع جابرا وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وبين جابر فيه في الجملة وتأكيد رواية الليث بذلك ولم يرها علة توجب اضطرابا
وأما رواية معمر فقد وافقه عليه سفيان بن عيينة فرواه عن الزهري عن ابن أبي صعير وقال ثبتني فيه معمر
فرجعت روايته إلى رواية معمر
القسم الثالث ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه عمن هو أكثر عددا أو اضبط فهذا لا يؤثر الإعلال به إلا إن كانت تلك الزيادة فيها منافاة بحيث يتعذر الجمع
أما إن كانت تلك الزيادة لا منافاة فيها فلا إذ تكون كالحديث المستقل إلا أن يتضح بالدلائل أن تلك الزيادة مدرجة من كلام بعض الرواة
ومثال ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة من أعتق شقصا
وذكرا فيه الاستسعاء

قال الدارقطني فيما انتقده عليهما قد رواه شعبة وهشام وهما أثبت الناس في قتادة فلم يذكرا الاستسعاء ووافقهما همام وفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة وهو الصواب
وقال الأصيلي وابن القطان وغيرهما من أسقط السعاية في الحديث أولى ممن ذكرها لأنها ليست في الأحاديث الأخر من رواية ابن عمر
وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها
وقال غيره وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث كما قال غيره
قال مسلم في صحيحه في كتاب العتق حدثنا يحيى بن يحيى قال قلت لمالك حدثك نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل

فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
وحدثناه قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد
ح وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم
ح وحدثنا أبو الربيع وأبو كامل قالا حدثنا حماد حدثنا أيوب
ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله
ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد

ح وحدثني إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية
ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة
ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب
كل هؤلاء عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن

وحدثني عمرو الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له

مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
وحدثناه علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني ابن يونس عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد وزاد إن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه
حدثني هارون بن عبد الله حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت قتادة يحدث بهذا الإسناد بمعنى حديث ابن أبي عروبة وذكر في الحديث قوم عليه قيمة عدل

ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم

يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق فأعتق ما أعتق
حدثنا مسدد حدثنا بشر عن عبيد الله اختصره
حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ( من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما

يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق ) قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث
حدثنا أحمد بن مقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع عن ابن عمر أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصباؤهم ويخلى سبيل المعتق يخبر ذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الليث وابن أبي ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

مختصرا

باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة
حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم حدثنا جرير بن حازم قال سمعت قتادة قال حدثني النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

( من أعتق شقيصا من عبد )

وحدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ( من أعتق نصيبا أو شقيصا في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له

مال وإلا قوم عليه فاستسعي به غير مشقوق عليه )
تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة اختصره شعبة
قال بعض شراح البخاري عند ذكر قوله تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة أراد المؤلف بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه التفرد
ثم قال واختصره شعبة وكأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف ترك ذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره أورده بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد
ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه وقال يضمن

ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ من أعتق شقصا من مملوك فهو حر من ماله
وقد اختصر ذكر السعاية هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس ومنهم من لم يذكره
وذهب جماعة من العلماء إلى أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة

كما رواه همام بن يحيى عن قتادة بلفظ أن رجلا أعتق شقصا من مملوك فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم -

عتقه وغرمه بقية ثمنه

قال قتادة إن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
أخرجه الدارقطني والخطابي
وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان فصححوا كون الجمع مرفوعا ورجح ذلك ابن دقيق العيد وذلك لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة فإنه كان أكثر ملازمة له وأخذا عنه من همام وغيره وهمام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكن ما روياه لا ينافي ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره
وهذا كله لو انفرد سعيد وهو مع ذلك لم ينفرد
وما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه كثيرون منهم أربعة قد تقدم ذكرهم وهمام هو الذي انفرد بفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي
وقد احتج من لا يقول بالاستسعاء بحديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة

أخرجه مسلم
ووجه الدلالة فيه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالسعي في أداء بقية قيمته لورثة الميت
القسم الرابع ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف منهم وفي البخاري من ذلك حديثان
أحدهما حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده

قال كان للنبي ص -

فرس يقال له اللخيف

قال الدارقطني هذا ضعيف وقد ضعفه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس بالقوي
لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن عباس قال في الميزان أبي وإن لم ثبتا فهو حسن الحديث وأخوه عبد المهيمن واهي
وثانيهما في الجهاد من البخاري في باب إذا أسلم قوم في دار الحرب حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يسمى هنيا على الحمى
الحديث بطوله
قال الدراقطني إسماعيل ضعيف
قال في الميزان إسماعيل محدث مكثر فيه لين روى عن خاله مالك وأخيه عبد الحميد وأبيه وعنه صاحبا الصحيح وإسماعيل القاضي والكبار
قال أحمد لا بأس به
وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى صدوق ضعيف العقل ليس بذاك
وقال أبو حاتم محله الصدق مغفل
وقال النسائي ضعيف
وقال الدارقطني لا أختاره في الصحيح
وقال ابن عدي روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد
قال الحافظ ابن حجر أظن الدارقطني إنما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيل خاصة وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاري لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرد بهذا فإن كان كذلك فلم ينفرد بهذا بل تابعه عليه معن بن عيسى فرواه عن مالك كرواية إسماعيل سواء
القسم الخامس ما حكم فيه بالوهم على بعض رواته
وهذا الحكم إنما يقبل إذا ظهر دليل يدل على وقوع الوهم وإلا نسب الوهم إلى من حكم بالوهم
قال بعض الحفاظ قد وقع في صحيح مسلم ألفاظ قليلة غلط فيها الراوي مثل ما روي إن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام

السبعة
فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث مثل يحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

بل صرح البخاري أنه من كلام كعب الأحبار

والقرآن قد بين أن الخلق كان في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد
وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم -

صلى الكسوف بركوعين أو ثلاثة

فإن الثابت المروي في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وغيرهم أنه صلى كل ركعة بركوعين
ولهذا لم يخرج البخاري غير ذلك وضعف هو وغيره من الأئمة حديث الثلاثة والأربع فإن النبي صلى الله عليه وسلم -

إنما صلى الكسوف مرة واحدة

وفي حديث الثلاث والأربع أنه صلى صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم ابنه
وحديث الركوعين كان في ذلك اليوم
فمثل هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الأحاديث الصحيحة ما يبن أنه غلط والبخاري إذا روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض الألفاظ ذكر معها الطرق التي تبين ذلك الغلط
وقال وكما أن أهل العلم بالحديث يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء يتبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا علم علل الحديث وهو من أشرف علومهم
وغلط الثقة الصدوق الضابط قد يعرف بسبب ظاهر وقد يعرف بسبب خفي
ومما وقع فيه الغلط ما في بعض طرق البخاري إن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر
وهذا كثير والناس في هذا الباب طرفان
طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله

لا يميز بي الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة قطعا عند أهل العلم بالحديث
وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة و رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط فكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع به فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب وقد يقطع به مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل
وقال محمد بن طاهر المقدسي سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي ببغداد يقول قال لنا أبو محمد بن حزم ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين لكل واحد مهما حديث تم عليه في تخريجه الوهم مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما
فذكر من عبد البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره
قال ابن حزم والآفة من شريك
والحديث الثاني عند مسلم حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي ص -

ثلاث أعطنيهن قال نعم الحديث

قال ابن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار
وقد أشار شراح صحيح مسلم إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال وقد امتعض بعضهم بما قاله ابن حزم فبالغ في التشنيع عليه وقال إنه كان هجاما على تخطئه الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث
وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة

وقال في الميزان عكرمة بن عمار العجلي اليمامي له رواية عن طاوس وسالم وعطاء ويحيى بن كثير وعنه يحيى القطان وابن مهدي وأبو الوليد وخلق روى أبو حاتم عن ابن معين أنه قال كان أميا حافظا
وقال أبو حاتم صدوق ربما يهم
وقال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة
وقال أحمد بن حنبل ضعيف الحديث وكان حديثه عن إياس بن سلمة صالحا
قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به
وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه عن يحيى
وقال معاذ بن معاذ سمعت عكرمة بن عمار يقول أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني فإني لا أحدثه
وكانت البصرة عش القدرية
وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة أحاديث أخر بالإسناد
وأبو زميل بضم الزاي وفتح الميم واسمه سماك بن الوليد الحنفي اليمامي ثم الكوفي
القسم السادس ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن
وهذا لا يتعرتب عليه قدح في الأكثر وذلك أنه منه ما يمكن الجمع فيه
وما يمكن الجمع فيه هو في الحقيقة غير مختلف بل هو مؤتلف وما لا يمكن الجمع فيه فإنه يؤخذ فيه بالراجح إن تبين رجحان بعض الروايات على بعض
ويبقى الإشكال في نوع واحد منه وهو ما لم يمكن الجمع فيه ولا ظهر رجحان بعض الروايات فيه على بعض
وهذا لا سبيل فيه إلا التوقف وهذا فيما يظهر نادر جدا لأنه يبعد مع كثرة المرجحات أن لا يجد العالم النحرير مرجحا لإحدى الروايات على غيرها لا سيما بعد المبالغة في البحث والتتبع
ومن أمثلة القسم السادس حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث جابر في قصة الجمل وحديثه في وفاء دين أبيه
وقد ذكرنا حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وما يتعلق بذلك على وجه التفصيل في بحث المضطرب

واعلم أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء النقد فيما يتعلق بالمتن كما تعرضوا لذلك في الإسناد وذلك لأن النقد المتعلق بالإسناد دقيق غامض لا يدركه إلا أفراد من أئمة الحديث المعروفين بمعرفة علله بخلاف النقد المتعلق بالمتن فإنه يدركه كثير من العلماء الأعلام المشتغلين بالعلوم الشرعية والباحثين عن مسائلها الأصلية والفرعية ككثير من المفسرين والفقهاء وأهل أصول الفقه وأصول الدين
وقد وهم هنا أناس فظن بعضهم أن المحدث ليس له أن يتعرض للنقد من جهة المتن فكأنه توهم ذلك من جعلهم وظيفة المحدث التعرض للنقد من جهة الإسناد أنه يمنع من التعرض للنقد من جهة المتن
مع أن مقصودهم بذلك بيان أن النقد من جهة الإسناد هو من خصائصه لعدم اقتدار غيره على ذلك
فينبغي له أن لا يقصر فيما يطلب منه
فإذا قم بذلك فله أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له في المتن علة قادحة فيه فحكمه حكم غيره فكما أن غيره له أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له ما يوجبه فله هو ذلك إذا ظهر له ما يوجبه بل هو أرجح من غيره
وقد تعرض كثير من أئمة الحديث للنقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جدا بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد لما عرفت
فمن ذلك قول الإسماعيلي بعد أن أورد الحديث الذي رواه البخاري عن ابن أبي أويس عن أخيه عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة الحديث هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما بأبيه خزيا له مع إخباره بأن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون وأعلمه بأنه لا خلف لوعده
وقد أعل الدارقطني هذا الحديث من جهة الإسناد فقال هذا رواه إبراهيم بن

طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
وأجيب عن ذلك بأن البخاري قد علق حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير فلم يهمل حكاية الخلاف فيه
وينبغي للناظر في الصحيحين أن يبحث عما انتقد عليهما من الجهتين فبذلك تتم له الدراية فيما يتعلق بالرواية
الأمر الثالث قد أشار مسلم في أول مقدمة صحيحه إلى الباعث له على تأليفه وإلى ما يريد أن يورده فيه من أقسام الحديث حيث قال
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على خاتم النبيين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أما بعد فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في سنن الدين وأحكامه وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب

وغير ذلك من صنوف الإسناد بالأسانيد التي بها نقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم فأردت أرشدك الله أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة
وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر فإن ذلك زعمت يشغلك عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها وللذي سألت أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره وما يؤول إليه الحال إن شاء الله عاقبة محمودة ومنفعة موجودة
وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه وقضي له تمامه كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف إلا أن جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يوقفه على التمييز غيره

وإذا كان الأمر في هذا كما وصفناه فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم وإنما يرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمع المكررات منه لخاصة من الناس من رزق فيه بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وعلله فذلك إن شاء الله يهجم بما أوتي من ذلك على الفائدة في الاستكثار من جمعه فإما عوام الناس الذين هم بخلاف معاني الخاص من أهل التيقظ والمعرفة فلا معنى لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن معرفة القليل
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي

موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا طاق ذلك أسلم
فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال

الآثار ونقال الأخبار فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة
ثم ذكر أنه لا يخرج فيه الأحاديث المروية عن قوم هم عند أهل الحديث أو عند الأكثر منهم متهمون وكذلك من الغالب على حديثهم المنكر أو الغلط وأن علامة المنكر في حديث المحدث أن تخالف روايته رواية غيره من أهل الحفظ أو لا تكاد توافقها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله
ثم قال وقد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى
وبعد يرحمك الله فلولا الذي رأينا من سوء صنع كثير ممن نصب نفسه محدثا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك على ما سألت
وقد اختلف العلماء فيما ذكره مسلم هنا وهو أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون
والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في

الحفظ والإتقان
والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يتشاغل به ولا يعرج عليه
فقال بعضهم إن مسلما كان أراد أن يفرد لكل قسم من القسمين كتابا فاخترمته المنية قبل إخراج القسم الثاني وإنه إنما أتى بالقسم الأول
وقال بعضهم إن مسلما قد ذكر في كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بحديث الثانية منهما على طريق الإتباع للأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد للطبقة الأولى شيئا وذكر فيه أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة وخرج حديثهم
وكذلك فعل البخاري وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد بأنه يأتي بها فقد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والنقص والزيادة وذكر تصحيف المصحفين فيكون مسلم قد استوفى غرضه في تأليفه وأدخل في كتابه كل ما وعد به وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وأمعن النظر في كثير من الأبواب
وعلى هذا ينبغي لمن يشتغل بصحيح مسلم أن ينتبه إلى ذلك ليكون على بصيرة في أمره
ومن تدبر الأمور التي ذكرنا أن من يريد معرفة الصحيحين كما ينبغي ينبغي له أن يتنبه إليها ويبحث عنها تبين له أنه لا يوجد في مجموع شروحهما المشهورة ما يفي بذلك ولم يستغرب قول كثير من علماء المغرب شرح كتاب البخاري دين على الأمة
يعنون أن علماء الأمة لم يفوا بما يجب له من الشرح على الوجه الذي أشرنا إليه
وقد ذكر بعض أرباب الأخبار ممن أشرف من كل فن من الفنون المشهورة على طرف منها أن الناس إنما استصعبوا شرحه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة

الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم
وكذلك يحتاج إلى إمعان النظر في تراجمه فإنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند وطريق ثم يترجم أخرى وفيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب
وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها
وأن من شرحه ولم يستوف هذا لم يقف بحق الشرح وأن قول من قالوا شرح البخاري دين على الأمة
يعنون به أن أحدا من علماء الأمة لم يف بما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار
ولا يخفى أن معرفة وجه الجمع بين الترجمة والحديث ليس من الأعراض التي تهم كثيرا طالب علم الحديث
على أن المواضع التي لم يظهر فيها وجه الجمع بين الترجمة والحديث هي قليلة جدا
وسبب ذلك يظهر مما ذكره الباجي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري حيث قال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ

أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض
قال الباجي وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل ما لا يسوغ
قال الحافظ ابن حجر قلت هذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جدا ستظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فالذي يهم طالب علم الحديث لذاته كثيرا في كل باب إنما هو معرفة ما صح فيه من الحديث ومعرفة إسناده الذي تتوقف عليه صحته
وأما ما ذكره من معرفة الطرق المتعددة ورجالها ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم فإن هذا أمر ليس بالصعب الوعر المسلك البعيد المدرك بل كثيرون ممن هم دون شراحه في معرفة علوم الحديث يحسنون ذلك ويقدرون على القيام بما يلزم من ذلك
على أن الشيخين لا سيما البخاري لم يكونا ينظران في التصحيح والتضعيف إلى مجرد الإسناد بل ينظران إلى أمور أخرى كما سبق بيانه
فالواجب في الشرح الوافي بالمرام أن يكون فيه وراء ما ذكر بيان درجة كل حديث فيه وبيان وجه الجمع بينه وبين غيره إذا كان معارضا له عند إمكان الجمع وبيان الراجح من المتعارضين عند عدم إمكان الجمع إلى غير ذلك من المطالب المهمة
ولنرجع إلى المقصود بالذات في هذا الفصل وهو الرواية بالمعنى فنقول لا خلاف في أن الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه إلا أنه قد يضطر في بعض المواضع إلى الرواية بالمعنى وذلك فيما إذا لم يستحضر الراوي اللفظ وإنما بقي معناه في ذهنه فلو لم تجوز له الرواية بالمعنى ضاع الحكم المستفاد منه فكان في ذلك مفسدة لا سيما إن كان الحكم من الأحكام المهمة التي تضطر إلى

معرفتها الأمة فلم يكن بد من تجويز الرواية بالمعنى في هذه الصورة
وشرطوا أن يكون الراوي بالمعنى من العارفين بمدلولات الألفاظ الواقفين على ما يحيل معانيها بحيث إذا غير الألفاظ لم يتغير معنى الأصل بوجه من الوجوه
وشرط بعضهم مع ذلك أن يشير إلى أن روايته قد حصلت بالمعنى
إلا أنه بعد البحث والتتبع تبين أن كثيرا ممن روى بالمعنى قد قصر في الأداء ولذلك قال بعضهم ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا
وقد نشأ عن الرواية بالمعنى ضرر عظيم حتى عد من جملة أسباب اختلاف الأمة قال بعض المؤلفين في ذلك في مقدمة كتابه إن الخلاف قد عرض للأمة من ثمانية أوجه
وجميع وجوه الخلاف متولدة منها ومتفرعة عنها
الأول منها اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة
الثاني الحقيقة والمجاز
الثالث الإفراد والتركيب
الرابع الخصوص والعموم
الخامس الرواية والنقل
السادس الاجتهاد فيما لا نص فيه
السابع الناسخ والمنسوخ
الثامن الإباحة والتوسيع
وقال في باب الخلاف العارض من جهة الرواية والنقل هذا الباب لا تتم الفائدة التي قصدناها منه إلا بمعرفة العلل التي تعرض للحديث فتحيل معناه فربما أوهمت فيه معارضة بعضه لبعض وربما ولدت فيه إشكالا يحوج العلماء إلى طلب التأويل البعيد

فاعلم أن الحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وعن أصحابه والتابعين لهم تعرض له ثماني علل أولاها فساد الإسناد

والثانية من جهة نقل الحديث على معناه دون لفظه
والثالثة من جهة الجهل بالإعراب
والرابعة من جهة التصحيف
والخامسة من جهة إسقاط شيء من الحديث لا يتم المعنى إلا به
والسادسة أن ينقل المحدث الحديث ويغفل السبب الموجب له أو بساط الأمر الذي جر ذكره
السابع أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه
الثامنة نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ
وقد أحببنا أن نقتصر مما ذكر على ما هو أمس بما نحن بصدده
العلة الأولى وهي فساد الإسناد
وهذه العلة هي أشهر العلل عند الناس حتى إن كثيرا منهم يتوهم أنه إذا صح الإسناد صح الحديث وليس كذلك فإنه قد يتفق أن يكون رواة الحديث مشهورين بالعدالة معروفين بصحة الدين والأمانة غير مطعون عليهم ولا مستراب بنقلهم ويعرض مع ذلك لأحاديثهم أعراض على وجوه شتى من غير قصد منهم إلى ذلك
والإسناد يعرض له الفساد من أوجه منها الإرسال وعدم الاتصال ومنها أن يكون بعض رواته صاحب بدعة أو متهما بكذب وقلة ثقة أو مشهورا ببلة وغفلة أو يكون متعصبا لبعض الصحابة منحرفا عن بعضهم فإن من كان مشهورا بالتعصب ثم روى حديثا في تفضيل من يتعصب له ولم يرد من غير طريقه لزم أن يستراب به
وذلك أن إفراط عصبية الإنسان لمن يتعصب له وشدة محبته يحمله على افتعال الحديث وإن لم يفتعله بدله وغير بعض حروفه
ومما يبعث على الاسترابة بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الاتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم فإن من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغيير والتبديل والافتعال للحديث والكذب حرصا على مكسب يحصل عليه ألا ترى قول القائل
( ولست وإن قربت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب )

( ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي )
وقد روي أن قوما من الفرس واليهود وغيرهم لما رأوا الإسلام قد ظهر وعم ودوخ وأذل جميع الأمم ورأوا أنه لا سبيل إلى مناصبته رجعوا إلى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام من غير رغبة فيه وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات وفرقوا الناس فرقا
وإذا كان عمر بن الخطاب يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان والصحابة متوافرون والبدع لم تظهر والناس في القرن الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فما ظنك بالحال في الأزمنة التي ذمها وقد كثرت البدع وقلت الأمانة

وللبخاري أبي عبد الله في هذا الكتاب عناء مشكور وسعي مبرور
وكذلك لمسلم وابن معين فإنهم انتقدوا الحديث وحرروه ونبهوا على ضعفاء المحدثين والمتهمين بالكذب حتى ضج من ذلك من كان في عصرهم وكان ذلك أحد الأسباب التي أوغرت صدور الفقهاء على البخاري فلم يزالوا يرصدون له المكاره حتى أمكنتهم فيه فرصة بكلمة قالها فكفروه بها وامتحنوه وطردوه من موضع إلى موضع

العلة الثانية وهي نقل الحديث على المعنى دون اللفظ بعينه
وهذا باب يعظم الغلط فيه جدا وقد نشأت منه بين الناس شغوب شنيعة وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم -

التي نطق بها وإنما ينقلون إلى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخرى ولذلك

نجد الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ولغات مختلفة يزيد بعض ألفاظها على بعض على أن اختلاف ألفاظ الحديث قد يعرض من أجل تكرير النبي صلى الله عليه وسلم - له في مجالس مختلفة وما كان من الحديث بهذه الصفة فليس كلامنا فيه وإنما كلامنا في اختلاف الألفاظ الذي يعرض من أجل نقل الحديث على المعنى
ووجه الغلط الواقع من هذه الجهة أن الناس يتفاضلون في قرائحهم وأفهامهم كما يتفاضلون في صورهم وألوانهم وغير ذلك من أمورهم وأحوالهم فربما اتفق أن يسمع الراوي الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم -

أو من غيره فيتصور معناه في نفسه على غير الجهة التي أرادها وإن عبر عن

ذلك المعنى الذي

تصور في نفسه بألفاظ أخر كان قد حدث بخلاف ما سمع من يغر قصد منه إلى ذلك
وذلك أن الكلام الواحد قد يحتمل معنيين وثلاثة وقد يكون فيه اللفظة المشتركة التي تقع على الشيء وضده ففي مثل هذا يجوز أن يذهب النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى المعنى الواحد ويذهب الراوي عنه إلى المعنى الآخر فإذا أدى معنى ما

سمع دون لفظه بعينه كان قد روى عنه ضد ما أراده غير عامد ولو أدى لفظه بعينه لأوشك أن يفهم منه الآخر ما لم يفهم الأول وقد علم ص - أن هذا سيعرض بعده فقال محذرا من ذلك ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع )
وإن أحببت أن تعرف مقدار ما قد تؤدي إليه الرواية بالمعنى فيكفيك أن تنظر في الحديث الذي انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه فقال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم -

وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون

بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها
ثم رواه من رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك
وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقد أعل بعض المحدثين الحديث المذكور وقالوا إن من رواه باللفظ المذكور قد رواه بالمعنى الذي وقع في نفسه فإنه فهم من قول أنس كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فرواه على ما فهم وأخطأ لأن مراد أنس بيان أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور

هي الفاتحة وليس مراده بذلك أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم
فانظر إلى ما أدت إليه الرواية بالمعنى على قول هؤلاء حتى نشأ بذلك من الاختلاف في هذا الأمر المهم ما لا يخفى على ناظره
وقال ابن الصلاح في الأحاديث الواردة في الصحيح المتعلقة بدخول الجنة بمجرد الشهادة مثل حديث من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة
وحديث من شهد أن لا إله إلى الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار
وحديث لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بدلالة مجيئه تاما في رواية غيره ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله

فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له
واعلم أن الرواية بالمعنى قد أحسن بضررها كثير من العلماء وشكوا منها على اختلاف علومهم غير أن معظم ضررها كان في الحديث والفقه لعظم أمرهما وقد نسب لكثير من العلماء الأعلام أقوال بعيدة عن السداد جدا اتخذها كثير من خصومهم ذريعة للطعن فيهم والازدراء بهم ثم تبين بعد البحث الشديد والتتبع أنهم لم يقولوا بها وإنما نشأت نسبتها إليهم من أقوال رواها الراوي عنهم بالمعنى فقصر في التعبير عما قالوه فكان من ذلك ما كان
فينبغي لكل ذي نباهة أن لا يبادر بالاعتراض على المشهورين بالفضل والنبل بمجرد أن يبلغه قول ينبو السمع عنه عن أحد منهم وليتثبت في ذلك وإلا كان جديرا بالملام
هذا وقد تعرض العلامة النحرير نجم الدين أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي للضرر الذي نشأ من الرواية بالمعنى في مذهبه فقال في آخر كتاب صفة المفتي في باب جعله لبيان عيوب التأليف وغير ذلك ليعرف المفتي كيف يتصرف في المنقول

ويقف على مراد القائل ما يقول ليصح نقله للمذهب وعزوه إلى الإمام أو إلى بعض من إليه ينسب
اعلم أن أعظم المحاذير في التأليف النقلي إهمال نقل الألفاظ بأعيانها والاكتفاء بنقل المعاني مع قصور الناقل عن استيفاء مراد المتكلم الأول بلفظه وربما كانت بقية الأسباب مفرعة عنه لأن القطع بحصول مراد المتكلم بكلامه أو الكاتب بكتابه مع ثقة الراوي تتوقف على انتفاء الإضمار والتخصيص والنسخ والتقديم والتأخير والاشتراك والتجوز والتقدير والنقل والمعارض العقلي
فكل نقل لا يؤمن معه حصول بعض الأسباب لا نقطع بانتفائها نحن ولا الناقل ولا نظن عدمها ولا قرينة تنفيها ولا نجزم فيه بمراد المتكلم بل ربما ظنناه أو توهمناه
ولو نقل لفظه بعينه وقرائنه وتاريخه وأسبابه انتفى هذا المحذور أو أكثره
وهذا من حيث الإجمال وإنما يحصل الظن به حينئذ بنقل المتحري فيعذر تارة لدعوى الحاجة إلى التصرف لأسباب ظاهرة ويكفي ذلك في الأمور الظنية وأكثر المسائل الفروعية
وأما التفصيل فهو أنه لما ظهر التظاهر بمذاهب الأئمة والتناصر لها من علماء الأمة وصار لكل مذهب منها أحزاب وأنصار وصار دأب كل فريق نصر قول صاحبهم وقد لا يكون أحدهم اطلع على مأخذ إمامه في ذلك الحكم فتارة يثبته بما أثبته إمامه ولا يعلم بالموافقة وتارة يثبته بغيره ولا يشعر بالمخالفة
ومحذور ذلك ما يستجيزه فاعل هذا من تخريج أقاويل إمامه في مسألة إلى مسألة أخرى والتفريع على ما اعتقده مذهبا له بهذا التعليل وهو لهذا الحكم غير دليل ونسبة القولين إليه بتخريجه وربما حمل كلام الإمام فيما خالف نظيره على ما يوافقه استمرارا لقاعدة تعليله وسعيا في تصحيح تأويله وصار كل منهم ينقل عن الإمام ما سمعه منه أو بلغه عنه من غير ذكر سبب لا تاريخ فإن العلم بذلك قرينة في فهم مراده من ذلك اللفظ كما سبق

فيكثر لذلك الخبط لأن الآتي بعده يجد عن الإمام اختلاف أقوال واختلاف أحوال فيتعذر عليه نسبة أحدهما إليه على أنه مذهب له يجب مصير مقلده إليه دون بقية أقاويله إن كان الناظر مجتهدا وأما إن كان مقلدا فغرضه معرفة مذهب إمامه بالنقل عنه ولا يحصل غرضه من جهة نفسه لأنه لا يحسن الجمع ولا يعلم التاريخ لعدم ذكره ولا الترجيح عند التعارض بينهما لتعذره منه
وهذا المحذور إنما لزم من الإخلال بما ذكرناه فيكون محذورا
ولقد استمر كثير من المصنفين والحاكمين على قولهم مذهب فلان كذا ومذهب فلان كذا
فإن أرادوا بذلك
أنه نقل عنه فقط فلم يفتون به في وقت ما على أنه مذهب الإمام وإن أرادوا أنه المعول عليه عنده ويمتنع المصير إلى غيره للمقلد فلا يخلو حينئذ إما أن يكون التاريخ معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فلا يخلو أن يكون مذهب إمامه أن القول الأخير ينسخ إذا كان مناقضا كالأخبار أو ليس مذهبه كذلك بل يرى عدم نسخ الأول بالثاني
أو لم ينقل عنه شيء من ذلك فإن كان مذهبه اعتقاد النسخ فالأخير مذهبه فلا يجوز الفتوى بالأول للمقلد ولا التخريج منه ولا النقض به وإن كان مذهبه أنه لا ينسخ الأول بالثاني عند التنافي فإما أن يكون الإمام يرى جواز الأخذ بأيهما شاء المقلد إذا أفتاه المفتي أو يكون مذهبه الوقف أو شيئا آخر فإن كان مذهبه القول بالتخيير كان الحكم واحدا وإلا تعدد ما هو خلاف الغرض وإن كان ممن يرى الوقف تعطل الحكم حينئذ ولا يكون له فيها قول يعمل عليه سوى الامتناع من العمل بشيء من أقواله
وإن لم ينقل عن إمامه شيء من ذلك فهو لا يعرف حكم إمامه فيها فيكون شبيها بالقول بالوقف في أنه يمتنع من العمل بشيء منها
هذا كله إن علم التاريخ وأما إن جهل فإما أن يمكن الجمع بين القولين باختلاف حالين أو محلين أو ليس يمكن

فإن أمكن فإما أن يكون مذهب إمامه جواز الجمع حينئذ كما في الآثار أو وجوبه أو التخير أو الوقف أو لم ينقل عنه شيء من ذلك
فإن كان الأول أو الثاني فليس له حينئذ إلا قول واحد وهو ما اجتمع منهما فلا يحل حينئذ الفتيا بأحدهما على ظاهره على وجه لا يمكن الجمع
وإن كان الثالث فمذهبه أحدهما بلا ترجيح وهو بعيد سيما مع تعذر تعادل الأمارات
وإن كان الرابع والخامس فلا عمل إذا
وأما إن لم يمكن الجمع مع الجهل بالتاريخ فإما أن يعتقد نسخ الأول بالثاني أولا فإن كان يعتقد ذلك وجب الامتناع عن الأخذ بأحدهما لأنا لا نعلم أيهما هو المنسوخ عنده وإن لم يعتقد النسخ فإما التخيير وإما الوقف أو غيرهما فالحكم في الكل سبق
ومع هذا كله فإنه يحتاج إلى استحضار ما اطلع عليه من نصوص إمامه عند حكاية بعضها مذهبا له
ثم لا يخلو إما أن يكون إمامه يعتقد وجو تجديد الاجتهاد في ذلك أولا فإن اعتقده وجب عليه تجديده في كل حين أراد حكاية مذهبه وهذا يتعذر في مقدرة البشر إلا أني شاء الله تعالى لأن ذلك يستدعي الإحاطة بما نقل عن الإمام في تلك المسألة على جهته في كل وقت يسأل
ومن لم يصنف كتبا في المذهب بل أخذ أكثر مذهبه من قوله وفتاويه كيف يمكن حصر ذلك عنه هذا بعيد عادة
وإن لم يكن مذهب إمامه وجوب تجديد الاجتهاد عند نسبة بعضها إليه مذهبا له ينظر فإن قيل ربما لا يكون مذهب أحد القول بشيء من ذلك فضلا عن الإمام قلنا نحن لم نجزم بحكم فيها بل رددنا نقل هذه الأشياء عن الإمام
وقلنا إن كان كذا لزم منه كذا ويكفي في إيقاف إقدام هؤلاء تكليفهم نقل هذه الأشياء عن الإمام ومع ذلك فكثير من هذه الأقسام قد ذهب إليه كثير من الأئمة وليس هذا موضع بيانه فلينظر من أماكنه
وإنما يقابلون هذا التحقيق بكثرة نقل الروايات والأوجه والاحتمالات

والتهجم على التخريج والتفريع حتى لقد صار هذا عادة وفضيلة فمن لم يأت بذلك لم يكن عندهم بمنزلة فالتزموا للحمية نقل ما لا يجوز نقله لما علمته آنفا
ثم قد عم أكثرهم بل كلهم نقل أقاويل يجب الإعراض عنها في نظرهم بناء على كونها قولا ثالثا وهو باطل عندهم أو لأنها مرسلة في سندها عن قائها وخرجوا ما يكون بمنزلة قول ثالث بناء على ما يظهر لهم من الدليل فما هؤلاء بمقلدين حينئذ
وقد يحكي أحدهم في كتابه أشياء يتوهم المسترشد أنها إما مأخوذة من نصوص الإمام أو مما اتفق الأصحاب على نسبتها إلى الإمام مذهبا له ولا يذكر الحاكي له ما يدل على ذلك ولا أنه اختيار له ولعله يكون قد استنبطه أو رآه وجها لبعض الأصحاب أو احتمال فهذا أشبه بالتدليس فإن قصده فشبه المين وإن وقع سهوا أو جهلا فهو أعلى مراتب البلادة والشين كما قيل
( فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )
وقد يحكون في كتبهم ما لا يعتقدون صحته ولا يجوز عندهم العمل به ويدفعهم إلى ذلك تكثير الأقاويل لأن من يحكي عن الإمام أقوالا متناقضة أو يخرج خلاف المنقول عن الإمام فإنه لا يعتقد الجمع بينهما على وجه الجمع بل إما التخيير أو الوقف أو البدل أو الجمع بينها على وجه يلزم عنها قول واحد باعتبار حالين أو محلين وكل واحد من هذه الأقسام حكمه خلاف حكم هذه الحكاية عند تعريها عن قرينة مفيدة لذلك والغرض كذلك
وقد يشرح أحدهم كتابا ويجعل ما يقوله صاحب الكتاب المشروح رواية أو وجها أو اختيارا لصاحب الكتاب ولم يكن ذكره عن نفسه أو أنه ظاهر المذهب من غير أن يبين سبب شيء من ذلك وهذا إجمال وإهمال
وقد يقول أحدهم الصحيح من المذهب أو ظاهر المذهب كذا ولا يقول وعندي ويقول غيره خلاف ذلك فليس يقلد العامي إذا فإن كلا منهم يعمل بما يرى فالتقليد إذا ليس للإمام بل للأصحاب في أن هذا مذهب الإمام

ثم إن أكثر المصنفين والحاكمين قد يفهمون معنى ويعبرون عنه بلفظ يتوهمون أنه واف بالغرض وليس كذلك فإذا نظر أحد فيه وفي قول من أتى بلفظ واف بالغرض ربما يتوهم أنها مسألة خلاف لأن بعضهم قد يفهم من عبارة من يثق به معنى قد يكون على وفق مراد المصنف وقد لا يكون فيحصر ذلك المعنى في لفظ وجيز فبالضرورة يصير مفهوم كل واحد من اللفظين من جهة التنبيه وغيره وغير مفهوم الآخر
وقد يذكر أحدهم في مسألة إجماعا بناء على عدم علمه بقول يخالف ما يعلمه
ومن تتبع حكاية الإجماعات ممن يحكيها وطالبه بمستنداتها علم صحة ما ادعيناه
وربما أتى بعض الناس بلفظ يشبه قول من قبله ولم يكن أخذه منه فيظن أنه قد أخذه منه فيحمل كلامه على محمل كلام من قبله فإن رؤي مغايرا له نسب إلى السهو أو الجهل أو تعمد الكذب أو يكون قد أخذ منه وأتى بلفظ يغاير مدلول كلام من أخذ منه فيظن أنه لم يأخذ منه فيحمل كلامه على غير محمل كلام من أخذ منه فيجعل الخلاف فيما لا خلاف فيه أو الوفاق فيما فيه خلاف
وقد يقصد أحدهم حكاية معنى ألفاظ الغير وربما كانوا ممن لا يرى جواز نقل المعنى دون اللفظ
وقد يكون فاعل ذلك ممن يعلل المنع في صورة الغرض بما يفضي إليه من التحريف غالبا
وهذا المعنى موجود في أكثر ألفاظ الأئمة
ومن عرف حقيقة هذه الأسباب ربما رأى ترك التصنيف أولى إن لم يحترز عنها لما يلزم من هذه المحاذير وغيرها غالبا
فإن قيل يرد هذا فعل القدماء وإلى الآن من غير نكير وهو دليل الجواز وإلا امتنع على الأمة ترك الإنكار إذا لقوله تعالى ( وينهون عن المنكر ) ونحوه من الكتاب والسنة
قلنا الأولون لم يفعلوا شيئا مما عبناه فإن الصحابة لم ينقل عن أحد منهم تأليف فضلا عن أن يكون على هذه الصفة وفعلهم غير ملزم لمن لا يعتقده حجة

بل لا يكون ملزما لبعض العوام عند من لا يرى أن العامي ملزم بالتزام مذهب إمام معين
فإن قيل إنما فعلوا ذلك ليحفظوا الشريعة من الإغفال والإهمال
قلنا قد كان أحسن من هذا في حفظها أن يدونوا الوقائع والألفاظ النبوية وفتاوى الصحابة ومن بعدهم على جهاتها مع ذكر أسبابها كما ذكرنا سابقا حتى يسهل على المجتهد معرفة مراد كل إنسان بحسبه فيقلده على بيان وإيضاح
وإنما عبنا ما وقع في التأليف من هذه المحاذير لا مطلق التأليف وكيف يعاب مطلقا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -

قيدوا العلم بالكتابة

فلما لم يميزوا في الغالب ما نقلوه مما خرجوه ولا ما عللوه مما أهملوه وغير ذلك مما سبق بان الفرق بين ما عبناه وبين ما صنفناه
وأكثر هذه الأمور المذكورة يمكن أن أذكرها من كتب المذهب مسألة مسألة لكن يطول هنا
وإذا علمت عذر اعتذارنا وخيرة اختيارنا فنقول الأحكام المستفادة في مذهبنا وغيره من اللفظ أقسام كثيرة
منها أن يكون لفظ الإمام بعينه أو إيمائه أو تعليله أو سياق كلامه
ومنها أن يكون مستنبطا من لفظه إما اجتهادا من الأصحاب أو بعضهم
ومنها ما قيل إنه الصحيح من المذهب
ومنها ما قيل إنه ظاهر المذهب
ومنها ما قيل إنه المشهور من المذهب
ومنها ما قيل فيه نص عليه يعني الإمام أحمد ولم يتعين لفظه
ومنها ما قيل إنه ظاهر كلام الإمام ولم يعين قائله لفظ الإمام
ومنها ما قيل ويحتمل كذا ولم يذكر أنه يريد بذلك كلام الإمام أو غيره

ومنها ما ذكر من الأحكام سردا ولم يوصف بشيء أصلا فيظن سامعه أنه مذهب الإمام وربما كان بعض الأقسام المذكورة آنفا
ومنها ما قيل إنه مشكوك فيه
ومنها ما قيل إنه توقف فيه الإمام ولم يذكر لفظه فيه
ومنها ما قال فيه بعضهم اختياري ولم يذكر له أصلا من كلام أحمد أو غيره
ومنها ما قيل إنه خرج على رواية كذا أو على قول كذا ولم يذكر لفظ الإمام فيه ولا تعليله له
ومنها أن يكون مذهبا لغير الإمام ولم يعين ربه
ومنها أن يكون لم يعمل به أحد لكن القول به لا يكون خرقا لإجماعهم
ومنها أن يكون بحيث يصح تخرجه على وفق مذاهبهم لكنه لم يتعرضوا له بنفي ولا إثبات
ثم قال ثم الرواية قد تكون نصا أو إيماء أو تخريجا من الأصحاب
واختلاف الأصحاب في ذلك ونحوه كثير لا طائل فيه إذ اعتماد المفتي على الدليل ما لم يخرج عن أقوال الإمام وصحبه وما قال بها أو ناسيها إلا أن يكون مجتهدا مطلقا أو في مذهب إمامه ويروي في مسألة خلاف قول إمامه وأصحابه لدليل ظهر له وقوي عنده وهو أهل لذلك
انتهى ما ذكره العلامة ابن حمدان
ومما يناسب ما نحن فيه ما ذكره بعض العلماء الأعلام وهو ينبغي لمن شرح الله صدره إذا بلغته مقالة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلد بها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فما أكثر ما يحكى عن الأئمة مما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي لما تفضي إليه لما التزمها والشاهد يرى ما لا يرى الغائب

ومن الغريب أن بعض الناس ينسب إلى بعض الأئمة قواعد لم يذكرها وإنما استخرجها من بعض الفروع المنقولة عنه ثم يبني عليها ما رآه مناسبا لها من المسائل ولذا قال بعض العلماء في الرد على من نسب إلى بعض الأئمة أنهم يقولون إن الخاص لا يلحقه البيان وإن العام قطعي كالخاص وإنه لا ترجيح بكثرة الرواة وإنه لا عبرة بمفهوم الشرط والوصف ونحو ذلك أصلا إن هذه أصول مخرجة على كلامهم ولا تصح بها رواية عنهم وليست المحافظة عليها والتكلف في الجواب عما يرد عليها بأحق من المحافظة على من يخالفها والجواب عما يرد عليه
وقد اختلف المخرجون في كثير من التخريجات ورد بعضهم على بعض فينبغي التفريق بين الأقوال التي هي أقوالهم في الحقيقة وبين الأقوال التي هي مخرجة على أقوالهم كما يفعله المحققون من العلماء وبذلك ينحل كثير من الشبة التي تعرض في كثير من المواضع والله الموفق

فوائد شتى الفائدة الأولى

قد ذكر الحافظ ابن الصلاح طريق نقل الحديث من الكتب المعتمدة التي صحت نسبتها إلى مصنفيها فقال في آخر النوع الأول إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذي مذهب أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
وقال بعضهم ومن أراد أخذ الحديث من كتاب من الكتب المعتمدة للعمل

به أو الاحتجاج به إن كان أهلا لذلك والأهلية في كل شيء بحسبه فسبيله كما قال ابن الصلاح أن يأخذه من نسخة معتمدة قد قابلها هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة معتمدة مروية بروايات متنوعة يعني فيما تكثر الروايات فيه كالفربري والنسفي وحماد بن شاكر بالنسبة إلى صحيح البخاري أو أصول متعددة فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب
وقد فهم جماعة من عبارته اشتراط التعدد
وقال بعضهم ليس في عبارته ما يقتضي ذلك فينبغي حمل كلامه هنا على كون التعدد مستحبا لا واجبا ليكون موافقا لما ذكره بعد في مبحث الحسن حيث قال وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه
فقوله هنا فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وأنه إنما هو مستحب وهو كذلك إلا أن يقال إن ما ذكر هنا إنما هو في مقابلة المروي وما ذكر سابقا إنما هو في مقابلة ما يراد أخذه للعمل به أو الاحتجاج به وهو مما ينبغي زيادة الاحتياط فيه
وقال النووي في شرح مسلم قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته وإنما المقصود بها بقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله كرامة
وإذا كان ذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحص له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد

بالتحريف والتبديل الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر ومنزلة الاستفاضة
هذا كلام الشيخ
وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار وإلا فلا يشترط تعدد الأصول والروايات فإن الأصل الصحيح المعتمد يكفي وتكفي المقابلة به والله أعلم
ثم هل يشترط في نقل الحديث للعمل به أو للاحتجاج به أن تكون له به رواية فالظاهر مما تقدم عدم اشتراط ذلك
وذكر العراقي أن بعض الأئمة حكى الإجماع على أنه لا يحل الجزم بنقل الحديث إلا لمن له به رواية وهو الحافظ أبو بكر بن خير الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي فقال في برنامجه المشهور وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول

الله ص - ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
وفي بعض الروايات من كذب علي مطلقا دون تقييد
قال في تدريب الراوي وقد تعقب الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه نقل الإجماع عجيب وإ ما حكي ذلك عن بعض المحدثين ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز فقال في الأوسط ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها وإن لم يسمع
وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شامل لكتب الحديث

والفقه وقال إلكيا الطبري في تعليقه من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به
وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه وهذا غلط وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين وقال هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاستناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالروايات ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس
ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلى عن قوم كفار ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وأكثرهم كفار لبعد التدليس
قال وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها فمن قال إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ويتكلم على علته وغريبه وفقهه
قال وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة قال بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه فليت شعري أي إجماع بعد ذلك

قال واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب إذ ليس في الحديث اشتراط ذلك وإنما هو تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله
وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح أو كونه نص على صحته إمام وعلى ذلك عمل الناس
وعبارة البرهان في هذه المسألة هي وإذا وجد الناظر حديثا مسندا في كتاب صحيح ولم يسترب في ثبوته واستبان انتفاء اللبس والريب عنه ولم يسمع الكتاب من شيخ فهذا رجل لا يروي ما رآه والذي أراه أنه يتعين عليه العمل به
ولا يتوقف وجوب العمل على المجتهدين بموجبات الأخبار على أن تنتظم لهم الأسانيد في جميعها والمعتمد في ذلك إن روجعنا فيه الثقة
والشاهد له أن الذين كانوا يرد عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على أيدي نقلة ثقات كان يتعين عليهم الانتهاء إليه والعمل بموجبه ومن

بلغه ذلك الكتاب ولم يكن مخاطبا بمضمونه ولم يسمعه من مسمع كان الذين قصدوا بمضمون الكتاب ومقصود الخطاب
ولو قال هذا الرجل رأيته في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري وقد وثقت باشتمال الكتاب عليه فعلى الذي سمعه يذكر ذلك أن يثق به ويلحقه بما يلقاه بنفسه ورآه أو رواه من الشيخ المسمع
ولو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه فإن فيه سقوط منصب الرواية عند ظهور الثقة وصحة الرواية وهم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول
وإذا نظر الناظر في تفاصيل هذه المسائل وجدها جارية في الرد والقبول على ظهور الثقة وانخرامها
وهذا هو المعتمد الأصولي فإذا صادفناه لزمناه وتركنا وراءنا المحدثين ينقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب

وقال بعض الفقهاء وإذا أراد المفتي المقلد أن ينقل عن المجتهد فله في ذلك طريقان أحدهما أن يكون له إمامه في ذلك سند صحيح يعتمد عليه
الثاني أن يأخذه عن كتاب معروف قد تداولته الأيدي لا سيما إن كان من الكتب التي ثبتت بالتواتر أو الشهرة نسبتها إلى مصنفيها الذين يعتمد عليهم في النقل
فإن لم يجد إلا في كتاب لم يشتهر في عصره أو اشتهر فيه ولكن لم يشتهر في دياره لم يسغ له النقل عنه إلا أن يكون ما يريد نقله عنه قد نقله عنه كتاب مشهور فيكون التعويل في النقل عليه لا على الكتاب الآخر الذي لم يشتهر
وقال بعضهم ما يوجد من كلام رجل أو مذهبه في كتاب مشهور معتمد عليه يجوز للناظر فيه أن يقول قال فلان كذا وإن لم يسمعه من أحد لأن وجود ذلك على هذه الصفة بمنزلة الخبر المتواتر أو المستفيض فلا يحتاج في مثله إلى إسناد
وقد بحث جماعة في عبارة ابن خير المذكورة فقال بعضهم إنه لو لم يورد الحديث الدال على تحريم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

حتى يتحقق أنه قال لكان مقتضى كلامه منع إيراد ما يكون في الصحيحين أو

أحدهما حيث لا رواية له به وجواز نقل ما له به رواية ولو كان ضعيفا
وأما ما ادعاه من الإجماع فيمكن حمله على إجماع مخصوص وهو إجماع المحدثين وإن قال كثير من العلماء إنه لم يقل به إلا بعض المحدثين
وقال بعضهم إن كلامه ليس على ظاهره وإنه إنما قصد به ردع العامة ومن لا علم له بالحديث عن الإقدام على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم -

بغير سند وأما جلة العلماء الذين يمكنهم مراجعة الكتب والنقل منها فلم

يقصد منعهم من ذلك ويكون مستندهم في ذلك الوجادة وهي إحدى وجوه الروايات وإن كانت من أدناها
وإنما قال حتى يكون ذلك القول عنده مرويا ولم يقل حتى يكون مرويا له لأن العبارة الثانية تشعر بأن يكون له به رواية بخلاف الأولى ف'نه لا تدل على

ذلك بل تدل على أنه قد ثبت عنده أ ه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وإن لم يتصل السند إليه بأن يرويه غيره ويتحقق هو ذلك

الفائدة الثانية

الوجادة بالكسر هي قسم من أقسام أخذ الحديث ونقله وهي ثمانية
السماع من الشيخ
والقراءة على الشيخ
والإجازة
والمناولة
والمكاتبة
وإعلام الشيخ
والوصية الكتاب
والوجادة
وذكر ابن الصلاح الوجادة فقال الثامن الوجادة وهي مصدر لوجد يجد مولد غير مسموع من العرب روينا عن المعافى بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة
يعني قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا
ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها فله أن يقول وجدت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن أو يقول وجدت أو قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه
وهو الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال لقوله وجدت بخط فلان
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو قال فلان
وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس
وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا
وانتقد ذلك على فاعله

وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان أو ذكر فلان عن فلان
وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه
فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان أو نحو ذلك من العبارات
أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول كما قاله بعض من تقدم قرأت في كتاب فلان وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان
وإذا أراد أن ينقل عن كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول
وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا
ووجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات
وقد تسامح أكثر الناس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا وكذا أو ذكر فلان كذا وكذا
والصواب ما قدمناه
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط والسقط وما أحيل من جهته إلى غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك
وإلى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى
هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك
وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل بذلك

قلت قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه
وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول والله أعلم
قال بعض العلماء قد ذكر ابن الصلاح حكم الوجادة المجردة وهي ما لا يكون فيها للواجد إجازة ممن وجد ذلك بخطه ولم يتعرض لحكم الوجادة مع الإجازة وقد استعمل ذلك غير واحد من أهل الحديث كقول بعضهم وجدت بخط فلان وأجازه لي وقد لا يصرح بالإجازة كقول عبد الله بن أحمد وجدت بخط أبي حدثنا فلان
وهذا ليس فيه شيء
والمروي بالوجادة المجردة في حكم المنقطع والمرسل
وقال بعضهم الأولى جعله في حكم المعلق
وأجاز جماعة من المتقدمين الرواية بالوجادة مما ليس لهم به سماع ولا إجازة ويروى عن ابن عمر أنه قال إنه وجد في قائم سيف أبيه صحيفة فيها كذا
وعن يحيى ين سعيد القطان أنه قال رأيت في كتاب عندي عتيق لسفيان الثوري حدثني عبد الله بن ذكوان وذكر حديثا
وعن يزيد بن أبي حبيب أنه قال أودعني فلان كتابا أو كلمة تشبه هذه فوجدت فيه عن الأعرج
وكان يحدث بأشياء مما في الكتاب ولا يقول أخبرنا ولا حدثنا
والظاهر أنهم اقتصروا في ذلك على من سمعوا منه في الجملة وعرفوا حديثه مع إيرادهم له بوجدت أو رأيت ونحوها
وقد كره الرواية عن الصحف غير المسموعة غير واحد من السلف ومنعوا النقل والرواية بالوجادة المجردة ولذا قال بعضهم إن ما وقع من ذلك ليس من

باب الرواية وإنما هو من باب الحكاية عما وجده
وقال بعضهم قول القائل وجدت بخط فلان إذا وثق بأنه خط أقوى من قوله قال فلان
وذلك لأن القول يقبل الزيادة والنقص والتغيير لا سيما عند من يجيز النقل بالمعنى بخلاف الخط
وقد استدل بعضهم للعمل بالوجادة بحديث أي الخلق أعجب إيمانا قالوا الملائكة قال كيف لا يؤمنون وهم عند ربهم قالوا الأنبياء قال كيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي قالوا نحن قال كيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم قالوا فمن يا رسول الله قال قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها
روى هذا الحديث الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وله طرق كثيرة وفي بعضها بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا
أخرجه أحمد والدارمي والحاكم
وفي هذا الاستدلال نظر لأن تلك الصحف لم يأخذوا بها لمجرد الوجدان بل لوصولها إليهم على وجه يوجب الإيقان

الفائدة الثالثة

قد ذكرنا سابقا أن سبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة
وقد تعرض أهل الفن لأمر المقابلة في مبحث كتابه الحديث وضبطه وقد أحببنا ذكر ذلك فنقول
ذكروا أن على الطالب مقابلة كتابه بكتاب شيخه الذي يرويه عنه سماعا أو إجازة أو بأصل أصل شيخه المقابل به أصل شيخه أو بفرع مقابل بأصل السماع المقابل بالشروط أو بفرع مقابل بفرع قوبل كذلك
والغرض أن يكون كتاب الطالب مطابقا لكتاب شيخه الذي رواه عنه

وإنما قيدوا أصل الأصل بكونه قد قوبل عليه الأصل لأنه قد يكون لشيخه عدة أصول قد قوبل أصل شيخه بأحدها فإنها لا تكفي المقابلة بغيره لاحتمال أن تكون فيه زيادة أو نقص فيكون قد أتى بشيء لم يروه شيخه له أو حذف شيئا مما رواه شيخه له
ويقال للمقابلة المعارضة تقول قابلت الكتاب بالكتاب مقابلة إذا جعلته قبالة الآخر وصيرت فيه مثل ما في الآخر
وعارضت الكتاب بالكتاب معارضة إذا عرضته على الآخر وصيرت ما فيه مثل ما في الآخر
وقد تسمى المعارضة عرضا
والمقابلة متعينة لا بد منها
قال هشام بن عروة قال لي أبي أكتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تكتب
وقال أفلح بن بسام كنت عند القعنبي فقال لي كتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تصنع شيئا
وقال الأخفش إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض خرج أعجميا
وقال بعضهم من كتب ولم يقابل فهو كمن غزا ولم يقاتل
وأفضل المعارضة أن يعارض الطالب كتابه بنفسه مع شيخه بكتابه في حال تحديثه به فإنه يحصل في ذلك غالبا من وجوه الاحتياط من الجانبين ما لا يحصل في غيره
هذا إذا كان كل منهما أهلا لهذا الأمر وذا عناية به فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها
وقيد ابن دقيق العيد الأفضلية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة والسماع وإلا فتقديم المقابلة حينئذ أولى بل قال إنه يقول إنه أولى مطلقا لأنه إذا قوبل أولا كان في حال السماع أيسر وأيضا فإنه إذا وقع إشكال كشف عنه وضبط فقرئ على الصحة فكم من جزء قرئ بغتة فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت
وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه فكان كذبا إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه
وقال الحافظ أبو الفضل الجارودي أصدق المعارضة مع نفسك
وقال

بعضهم لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة بل يقابل نسخته بالأصل حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له
قال ابن الصلاح وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ولا يخفى أن الفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول
وقال ابن دقيق العيد هذا يختلف باختلاف الناس فمن عادته عدم السهو عند النظر فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى ومن عادته السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى
ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إن أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أنا عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم
وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه
وأما من لم يعارض كتابه بالأصل ونحوه أصلا فقد اختلف في جواز روايته منه فمنع من ذلك بعضهم وقال لا يحل لمسلم التقي الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون على ما ينظر فيه فإذا وقع مشكل نظر معه حتى يتبين ذلك
وقد نحا قريا من منحاه من قال لا يجوز للراوي أن يروي عن شيخه شيئا سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذي سمعه أو بضعه وهل هو على وجهه أم لا

وأجاز ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وجماعة منهم أبو بكر الخطيب غير أن الخطيب ذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله فقال نعم ولكن لا بد أن يبن أنه لم يعارض
قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل
قال ابن الصلاح ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط
ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه في كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت

الفائدة الرابعة

قد ذكر أهل الفن في مبحث كتابة الحديث وضبطه أمورا مهمة لا يسع الطالب جهلها
الأمر الأول ينبغي لكاتب الحديث أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز أحدهما عن الآخر
والدارة حلقة منفرجة أو منطبقة وممن جاء عنه الفصل بين الحديثين بالدارة أو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري ومن المحدثين من لا يقتصر عليها بل يترك بقية السطر خاليا عن الكتابة مبالغة في الفصل والتمييز وكذا يفعل في التراجم ورؤوس المسائل وما أشبه ذلك
واستحب الخطيب أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه
الأمر الثاني ينبغي للكاتب أن يحافظ على كتابة الثناء على الله تعالى عند ذكر

اسمه نحو عز و جل وتبارك وتعالى وكذلك كتابة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم -

عند ذكره ولا يسأم من تكرر ذلك فأجره عظيم فإن كان الثناء والصلاة

والتسليم ثابتا في أصل سماعه أو أصل الشيخ فالأمر واضح وإن لم يكن في الأصل فلا يتقيد به وليكتبه وليتلفظ به عند القراءة لأنه ثناء ودعاء يثبته لا كلام يرويه
قال ابن الصلاح وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم -

فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك

في جميع من فوقه من الرواة
قال الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -

نطقا لا خطأ قال وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك ورواه عن علي

بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى يرجع إليه
قال بعضهم يريدان أنهما لم يتركا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم -

في كل حديث سمعاه سواء وقعت الصلاة في الرواية أم لا وإذا دعاهما

الاستعجال إلى ترك كتابتها بيضا لها في الكتاب ليتيسر لهما كتابتها فيما بعد
ويحتمل أن يكون إغفال أحمد بن حنبل له للاستعجال إما لكونه في حال الرحلة أو لنحو ذلك
والظاهر ما أشار إليه ابن الصلاح من أنه كان يرى التقيد بما في الرواية ويؤيد ذلك ما ذكره في مبحث صفة الرواية حيث قال ثبت عن عبد الله به أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب عن النبي فقال المحدث عن رسول الله ضرب وكتب عن رسول الله
وقال الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن

حنبل قال قلت لأبي يكون في الحديث قال رسول الله فيجعله الإنسان قال النبي فقال أرجو أن لا يكون به بأس
وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي إلى رسول الله فقال لهما حماد أما أنتما فلا تفقهان أبدا
ومال ابن دقيق العيد إلى ما جرى عليه أحمد فإنه قال في الاقتراح والذي نميل إليه أن تتبع الأصول والروايات فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإخبار مطابقا لما في الواقع فإذا دل اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع ولهذا أقول إذا ذكرت الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره
وعلى هذا فمن كتبها ولم تكن في الرواية فينبغي له أن ينبه على ذلك وعليه جرى الإمام الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد اليونيني في نسخة صحيح البخاري التي جمع فيها بين الروايات فإنه يشير بالرمز إليها إثباتا ونفيا
وينبغي أن يجتنب في أمر الصلاة والتسليم شيئين
أحدهما أن يجعلهما منقوصين في الخط بأن يرمز إليهما بحرفين أو أكثر نحو ص ل كما يفعله الكسائي من النساخ قال بعضهم وقد وجد بخط الذهبي وبعض الحفاظ كتابتهما هكذا صلى الله علم
والأولى خلافه
وقد وجدتهما بخطه كما ذكر ولم يكتبهما على أصلهما في موضع وسبب ذلك فيما يظهر هو الاستعجال والحرص على إكمال ما هو بصدده
ويؤيد ذلك أنه لم يكتب عند ذكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم رضي الله

عنه مع أنه من المعروفين بالحرص على ذلك
ولا يخفى أن مثل هذا يمكن تداركه فيما بعد بواسطة الناسخ بأن يقال له اكتب عليه وسلم على أصلهما واكتب رضي الله عنه عند ذكر اسم كل صحابي فإن كان ذلك من جهة المؤلف لم يكن من قبيل التصرف في الأصل أصلا
والثاني أن يجعلهما منقوصين في اللفظ بأن يقتصر على أحدهما كأن يقول صلى الله عليه أو عليه السلام فإن الأمر قد ورد بالأمر بالصلاة والتسليم معا قال الله سبحانه وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
وقال بعض العلماء إنما تظهر الكراهة فيما إذا اقتصر المرء على أحدهما دائما وأما من كان يأتي بالصلاة تارة وبالتسليم تارة من غير إخلال بواحد منهما فلا تظهر الكراهة فيما أتى به ولكنه خلاف الأولى إذ لا يزاع في كون الجمع بينهما مستحبا
ويؤيد ذلك وقوع الصلاة مفردة في رسالة الإمام الشافعي وصحيح مسلم والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي وغير ذلك من كتب العلماء الأعلام
الأمر الثالث ينبغي لطالب العلم ضبط كتابه بالنقط والشكل ليؤديه كما سمعه فقد قيل إعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع من إشكاله
والإعجام هو النقط تقول أعجمت الحرف إذا أزلت عجمته وميزته عن غيره بالنقط
والاستعجام الاستغلاق يقال استعجم عليه الكلام واستعلق واستبهم إذا أريج عليه فلم يقدر أن يتكلم
والشكل هو إعلام الحرف بالحركة تقول شكلت الكتاب شكلا إذا أعلمته بعلامات الإعراب
والإشكال الالتباس تقول أشكل الأمر إذا التبس

وقد اتفق العلماء على استحسان الضبط إلا أنهم اختلفوا في أنه هل ينبغي أن يقتصر على ضبط المشكل أو ينبغي أن يضبط هو وغيره
فقال بعضهم إنما يشكل ما يشكل ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال قال علي بن إبراهيم البغدادي في كتاب سمات الخط ورقومه إن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس
وقال بعضهم ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل على أنه قد يظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه في بادئ الرأي وهو عند التأمل وإمعان النظر يكون مشكلا وكثيرا ما يتهاون الطالب الواثق بمعرفته فيترك الضبط في بعض المواضع لاعتقاده أنها واضحة ثم يبدو له بعد حين إشكال فيها فيندم على تفريطه
والتهاون وخيم العاقبة والإنسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس فالاحتياط إنما هو في شكل ما يشكل وما لا يشكل وفي ذلك عموم النفع لجميع الطبقات
وينبغي للطالب أن لا يغفل عن ضبط الأسماء فقد قال أبو إسحاق إبراهيم النجيرمي أولى الأشياء بالضبط أسماء الرجال لأنها لا يدخلها القياس ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها
وذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال لما حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي كتبت تحته ( حور عين ) لئلا أغلط يعني فيقرأه أبا الجوزاء بالجيم والزاي

ويستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها لأن المضبوط في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه أو تحته لا سيما عند ضيقها ودقة الخط وأوضح من ذلك أن يقطع حروف الكلمة المشكلة في الهامش لأنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا وذلك في بعض الحروف كالباء والياء بخلاف ما إذا كتبت الكلمة مجتمعة والحرف المذكور في أولها أو وسطها
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا فلا يبقى بعده إشكال
وينبغي التنبه لما يقع من الضبط نقطا أو شكلا في خط العلماء الأعلام من جهة غيرهم فإنه قد يخفى حتى على الحذاق ومن القبيح ما يفعله بعضهم من ذلك قصدا لرفع نسبة الخطأ إليه فيما وقع منه من قبل وأقبح من ذلك من يفعله قصدا لنسبة الخطأ إليهم
الأمر الرابع وكما ينبغي أن تضبط الحروف المعجمة بالنقط ينبغي أن نضبط الحروف المهملة بعلامة تدل على عدم إعجامها
وسبيل الناس في ذلك مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط التي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات
وقد اختلفوا في كيفية نقط السين المهملة فقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي تحت السين المهملة مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة كالأثافي هكذا وقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي توضع تحت السين على صورة النقط التي توضع فوق الشين والأولى أن تكون مقلوبة هكذا ويستثنى من هذا

الأمر الحاء فإنها لو نقطت من تحت لالتبست بالجيم
ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة ظفر مضجعة على قفاها لتكون فرجتها إلى فوق
ومنهم من يجعل علامة الإهمال أن يكتب تحت الحرف المهمل مثله مفردا فيجعل تحت الحاء المهملة حاء مهملة صغيرة وتحت الصاد صادا مهملة صغيرة وكذا تحت سائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك فهذه العلامات الثلاثة شائعة معروفة
وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا
قال الحافظ العراقي سمعت بعض أهل الحديث يفتح الراء من رضوان فقلت له في ذلك فقال ليس لهم رضوان بالكسر فقلت إنما سمي بالمصدر وهو بالكسر فقال وجدته بخط فلان بالفتح وسمي من لا يحضرني ذكره الآن
ثم إني وجدت بعد ذلك في الكتب القديمة هذا الاسم وفوقه فتحة فتأملت الكتاب فإذا هو يخط فوق الحرف المهمل خطا صغيرا فعلمت أنه علامة الإهمال وأن الذي قاله بالفتح من ها هنا أتي

ومن العلامات التي لم تشع علامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل النبرة والنبرة هي كما ذكر الجوهري وابن سيده الهمزة ومنهم من يجعل ذلك فوق الحرف المهمل
ومن الناس وهم الأكثر من يقتصر في بيان الحروف المهملة على ما هو الأصل فيها وهو إخلاؤها عن العلامة
ولا يخفى أن مخلفة ما هو الأصل لا تنبغي إلا إذا دعا إلى ذلك داع وهو الخوف من وقوع الاشتباه في موضع لا يستبعد فيه ذلك فوضع علامة الإهمال على مثل الراء من رضوان من قبيل وضع الشيء في غير محله
ولم يتعرض أهل هذا الفن للكاف واللام وذكرهما المصنفون في الخط فقالوا إ الكاف إذا لم تكتب مبسوطة يجعل في وسطها كاف صغيرة وقد يختصرها بعضهم حتى تكون كالهمزة واللام يجعل في وسطها لام أي هذه الكلمة بتمامها لا صورة ل
والهاء إذا وقعت في آخر الكلمة وخيف اشتباهها بهاء التأنيث جعل فوقها هاء مشقوقة
الأمر الخامس قال ابن الصلاح من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض
أما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو للخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه
وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح ورده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من جهة العربية أو يكون شاذا عند أهلها يأباه أكثرهم أو مصحفا أو ينقص==التالي بمشيئة الله ج5.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اجزاء المصحف

* الجزء رقم (1) - من الآية : 1- سورة الفاتحة * الجزء رقم (2)- من الآية : 142- سورة البقرة * الجزء رقم (3)- من الآية : 253- سورة البقر...